لمسات فنّية تحوّل الرمال لوحات إبداعية على شواطئ اللاذقية

عشرة نحّاتين سوريين من مختلف الفئات العمرية والمدارس الفنية اجتمعوا معاً على شاطئ «نادي اليخوت» في اللاذقية، لينقلوا إبداعاتهم من مخيّلتهم إلى أرض الواقع، وليحوّلوا الكتل الرملية الرطبة إلى تحف فنّية تتيح للجمهور مراقبة مراحل تكوينها.

على صوت موج البحر والموسيقى الهادئة التي عمّت الأجواء، بدأ الفنان علي معلا تشكيل منحوتته المرتبطة بشكل مباشر بالأزمة في سورية، والتي أطلق عليها عنوان «حرّاس الأرض».

ومعلا الذي يعدّ أوّل من مارس فنّ النحت على الرمل في سورية منذ عام 2009، أرسل رسالة تمجيد للجيش العربي السوري بأسلوب فنّي مبتكر، مؤكداً فيها دور الجنديّ السوريّ في حماية الوطن، إذ قال في حديث صحافي: يجب أن يكون الفنان مرآة لواقعه، ولساناً ناطقاً به. ومستوى المشاركين هذه السنة يُعتبر احترافياً قياساً إلى السنة الماضية، الذي أعتبره مرحلة تجريبية أسّست لهذه النسخة التي تجاوز فيها المنظّمون مختلف الصعوبات والثغرات بروح المحبّة وأسلوب عمل الفريق الواحد.

ولم تبتعد الفنانة أمل الزيات عن واقع الحرب على سورية، فاختارت توجيه تحية إلى مدينة معلولا التي تحتلّ مكانة خاصة في قلبها. فالمدينة استطاعت مقاومة الظروف الصعبة التي مرّت بها خلال الأزمة، لذلك عملت على تشكيل الكتلة الرملية بأسلوب تُظهر فيه أدراج معلولا وطبيعتها وبيوتها المتداخلة مع الصخور وبورتريهات تمثّل وجوه سكّانها.

وقالت الزيات: وضعت خبرتي الطويلة لتجسيد نموذج معماريّ متكامل يعتمد على الرمل ويتطلّب تقنيات معينة لتنفيذه، اكتسبتها من خلال الاطّلاع على ملتقيات عالمية متعدّدة، ما سهّل عليّ أسلوب العمل مع هذه المادة. مشيرةً إلى أن مادة الرمل تحتاج إلى حذر في التعامل معها حتى لا يحصل عارض يتسبّب بهبوط الكتلة وتدمير ما أنجزه الفنان.

وحظي التنظيم في الملتقى بثناء جميع النحّاتين المشاركين، الأمر الذي أشار إليه النحّات وضّاح سلامة، منوّهاً بعدم وجود أيّ صعوبات في التعاطي مع الرمل الذي يمتاز بجودته العالية، ما سهّل على الفنانين تنفيذ الأفكار التي اختاروها. ليقوم بدوره بنحت حيوان الديناصور والذي سيضيف إليه رموزاً تزيد من قوّته وجبروته. مؤكداً أنه من الضروري أن يفهم المتلقّي العادي بشكل مباشر ما المقصود من فكرة النحّات من دون تعقيد أو مواربة.

واختار الفنان وائل دهان أن يجسّد أسطورة أوروبا ابنة ملك سورية التي أحبّها زيوس فتحوّل إلى ثور وخطفها إلى جزيرة كريت، ليقوم شقيقها قدموس بتجهيز جيش ويعيدها إلى بلادها. فكانت منحوتته مخصّصة لتصوير الثور الذي تمتطيه أوروبا في عرض البحر، وهي إشارة إلى انتقال الحضارة من سورية إلى الغرب.

وقال دهان: أحاول مواءمة الجزء المتعلّق بالثور مع كتلة الرمل التي أعمل على تطويعها واستخراج طاقتها لتنفيذ منحوتتي، فالرمل لا يقبل سوى أشكال هرمية لها علاقة بنصف الكرة، وهذا ما أركّز عليه كتقنية في عملي.

الفنانون الشباب كانت لهم حصتهم في المشاركة، معتمدين على توجيهات المشاركين من أصحاب التجربة الأكبر في هذا المجال. وتشير الشابة مريم حكيم إلى أنّ تعاطيها الأوّل مع الرمل جعلها تصرّ على إنجاز منحوتتها بنفسها، والتي تحتل المرأة فكرتها المحورية. معتبرةً أنّ تنفيذ الوجه المترقب هو إشارة للإنسان السوري الذي يعيش الأزمة الحالية بانتظار نهايتها.

تجدر الإشارة إلى أن ملتقى النحت على الرمل الذي تقيمه «الجمعية الوطنية لإنماء السياحة في سورية» يضمّ مجموعة من الأنشطة والوُرَش المخصّصة للأطفال، ومعرضاً تشكيلياً منوّعاً. وسيُختَتم يوم الاثنين المقبل بحفل فنّي يحييه طلاب «معهد محمود عجان الموسيقي» في اللاذقية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى