الجنوب السوري ولواء بني كنانه بمثابة مثلث برمودا أردني؟!
محمد أحمد الروسان
في جلّ المسألة العربية وعمقها، ليس هناك شيء اسمه سياسة إقليمية نتاج المكونات العربية التي تعيش في المنطقة الشرق أوسطية، في ظلّ حالة سرطانية تتموضع في انتشار مدروس للقواعد الأميركية، من خلال إعادة هيكلة انتشاراتها هنا وهناك، وفي خضمّ حالة السيولة الشديدة التي تعانيها المنطقة، على طول وعرض خطوط ومنحنيات جغرافيا الوطن العربي ومجالاتها الحيوية، بل هناك مخططات ومنفذون لها أيّ وكلاء للأميركي، وهم بمثابة بروكسي على تطوير وتعميق العلاقات بين مكونات الأمة الواحدة، لا بل جزء سرطاني من ذات الحالة الأميركية العسكرية الآنفة في الانتشار والتموضع.
وبعبارة أكثر عمقاً، ليس هناك سياسة عربية مستقلة، بل سياسة أميركية برامجية، وما يجري في المنطقة تطبيق للسياسات الأميركية ليس أكثر ولا أقلّ من ذلك، وذاكرة البعض منّا كعرب مثقوبة بشكل عمودي وعرضي أيّ مثل: الغربال الفاروطي الذي كنت استخدمه للتخلص من حبيبات القمح الضعيفة، على وفي بيادر سما الروسان قريتي الوادعة وقت موسم القطاف السنوي للقمح في سهل حوران ، ويعتقد هذا البعض العربي المحزن، بأنّ ذاكرته المثقوبة ليست إلاّ إبداعات خارقة وعبقرية فذّة، يصعب على من حولهم فهمها وحلّ ألغازها، لضيق مداركهم العقلية من وجهة نظر هؤلاء الواهمين والمفعول بهم.
السيد وزير الخارجية المصري بين الفينة والأخرى، وأحياناً بمناسبة وبدون مناسبة، يعلن أنّ السياسة المصرية متطابقة مع السياسة السعودية إزاء المسألة السورية! حسناً كيف ذلك يا معالي الوزير؟ ألا يعتقد السيد الوزير أنّ ما يجري الآن في المنطقة، هو تفكيك للدول القومية مترافقاً ذلك مع التطبيع القسري؟ يحسب الكثير من المراقبين والباحثين، أنّ الدور المصري في الحدث الاحتجاجي السياسي السوري غير مريح حتّى اللحظة، وأنا معهم إلى حدّ ما ، وتاريخيّاً الرياض هي المحرّك لاتفاقيات كامب ديفيد عام 1979، وبالتعاون مع المغرب أيام الرئيس محمد أنور السادات.
ولأنّه في الحروب وعقابيلها، تتحرك الجغرافيا على وقع إيقاعات ومديات المعارك، وأزيز الرصاص وهمس ووشوشات التراب وعتاب البنادق، ولأنّ الضمير العربي في نزهة خارج الوطن، وأنّ الإعلام المضلَّل والمضلِّل ليس غبياً، بل هو واثق بغباء متابعيه، ولأنّ البندقية التي لا ثقافة خلفها تقتل ولا تحرّر، ولأنّ الديكتاتورية من منظور البعض العربي المتهالك المتصعلك تعني: أن تجعل المثقفين والمفكرين يصمتون، علينا أن لا نلتفت إلى تصريحات هنا وهناك، لبعض غلمان بعض الحكومات العربية ونؤكد على التالي:
ليس هناك سياسة في العالم العربي وإنما حوس خبّيزه مع شومر وكفى أو مثل: is like frying eggs with fart، ومن يحسب غير ذلك ويعتقده فهو واهم ويبني قصوراً زمرّدية في الهواء، الشيء الفاعل في عالمنا العربي هو حوس خبّيزة وشومر ببصل ، هناك تطبيق للسياسات، وأيّ تصريح سعودي أو مصري في ما يخصّ سورية قلب الشرق وسيّدة الجغرافيا وأجمل النساء العفيفات، ليس سياسة وأنه لا يخرج عن إطار تطبيق للسياسة الأميركية، والتي تقود معركة الناتو في سورية ليس لإسقاط النسق هناك، بل والوجود الروسي في المنطقة والمتوسط ثم الاستدارة لاحقاً الى أسيا الوسطى والقوقاز.
في المعلومات، أنّ البلدربيرغ الأميركي يوجّه ويسعى وعبر دواعش البنتاغون الأميركي ذات التفقيس الجديد، وعبر الصعاليك الجدد القدماء في ما تسمّى بفتح الشام الإرهابية بديل جبهة النصرة الإرهابية، عبر الإرهابي ابو محمد الجولاني والذي يمكن أن يكون قاديروف سورية صعاليك القاعدة يأجوج ومأجوج العصر ، وبعد إنجازات الجيش العربي السوري والحلفاء والأصدقاء، حيث الأميركي يعلم أنّ رهانه فقط محصور بالنصرة التي تحوّلت الى جبهة فتح الشام جفا ، وفكّت ارتباطها شكلاً مع القاعدة الأمّ، والغاية والهدف تبييض صفحاتها الإرهابية وجعلها حمل وديع، مع تدويرات هنا وهناك للجولاني أحمد حسين الشرع قاديروف سورية القادم انّها خديعة العصر الأميركي، حيث من الممكن أن يكون كذلك ولكن بسيناريو مختلف بقياسات مع الفارق، وبعبارة أخرى: في المسألة الشيشانية سابقاً نجد نفس سلّة اللاعبين الأمميين مع الدعم الخليجي وخاصةً السعودي، بحيث ستكون النتيجة حسما عسكريا للنظام يصرف بالسياسة لاحقاً لكافة الأطراف، حيث في روسيّا كان الوهابيون فريقين: فريق جلّه من العرب ومنهم جماعات أخرى من بقاع الأرض يقوده شامل باساييف، ومعه خطّاب الفلسطيني الغزّاوي ذو الجنسيّة السعودية، وفريق آخر أغلبه من أهل الشيشان والقوقاز يقوده أحمد قاديروف ابو رمضان، جرى في ما بعد تفاهمات نواة الفدرالية الروسية بزعامة الرئيس بوتين مع قاديروف الأب ليتولى تصفية القيادات المنافسة، ثم جماعة شامل باساييف بإسناد روسي، وصار في النهاية رئيساً للشيشان ضمن الفدرالية الروسية الواحدة، وتمّ اغتياله لاحقاً بتفجير غامض جدّاً، والآن ابنه الرئيس رمضان قاديروف هو من يحكم هناك، والسؤال: هل يكون الجولاني قاديروف سورية بعد إعادة تدويره وتوظيفه مثلاً بالحدث السوري، بسيناريو مختلف لكنه سيكون مطابقاً بالنتيجة مع فارق الفواصل والتكتيكات فقط.
والمعركة مستمرة وبعمق، ومزيد تلو المزيد كردّ فعل على إنجازات الجيش العربي السوري والحلفاء، من السيطرة على جسر الشغور وإدلب المُراد لها أن تكون موصلاً سورياً، إلى فتح عمليات عسكرية مركبة عبر نموذج الحروب غير المتماثلة باتجاه الساحل السوري، وهي أعقد أنواع الحروب تدمج بين حروب العصابات وتكتيكات الحرب النظامية، باتجاه إيجاد منفذ بحري لمجتمعات الدواعش على المتوسط لضرب الوجود الروسي هناك، وعبر فتح جديد لمعارك في كسب، والأخيرة بمثابة قرم سورية، وكذلك يمتدّ الأميركي عبر الوصول إلى الدلتا في مصر، لإيجاد منفذ آخر لها هناك أيّ للدواعش الأميركان في الداخل المصري .
«واشنطن تناقش نفسها بنفسها»
يقول هنري كيسنجر مستشار البلدربيرغ الأميركي، والمعروف برمز الواقعية السياسية real politic في كتابه الذي لم ينشر بعد world order: واشنطن الآن تناقش نفسها بنفسها حول العلاقة بين مصالحها وموقعها من نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والحاكمية الرشيدة، ويضيف: متى أصلاً كانت أميركا تقيم وزناً للمثل والقيم الإنسانية اذا تعلق الأمر بمصالحها الحيوية؟ ويضيف أيضاً: كلّ مغامرة قام بها الغرب في الشرق الأوسط لعبت فيها السعودية دوراً إيجابياً تمويلاً وتغطيةً، إمّا علناً أو من وراء ستار، ومنذ الحرب العالمية الثانية تتحالف السعودية مع الغرب.
ويقول: النظام السعودي نظام ثيوقراطي ارتكب خطأ استراتيجيا قاتلا عندما اعتقد قادة النظام لوهلة ما ومحدّدة أنهم يستطيعون مواصلة دعم الإسلام الراديكالي والحركات الإسلامية في الخارج بدون ان تصل آثارها للداخل السعودي الملتهب، والذي ينتج التنظيمات والحركات المتطرفة الساكنة حتّى اللحظة، حيث لم تعد الأخيرة على تخوم السعودية بل في الداخل وفي غرف النوم.
انّ الصراع في الشرق الأوسط الآن صراع ديني سياسي جغرافي في آن واحد ونتائجه: أرخبيلات الدول الفاشلة، حيث أميركا تقتضي مصالحها الإبقاء على أنظمة متناقضة لتسهل السيطرة عليها، فهي لا تريد فعلاً عودة سنيّة قويّة الى مراكز الحكم في المنطقة.
الجميع عاد ويعود كرهاً أو حبّاً الى الثابتة السورية والمسنودة من الروسي والصيني، في أولوية محاربة الإرهاب المصنوع في أقبية الغرف السوداء لمجتمع المخابرات الأميركي، والمصنّع بعضه في بعض الدواخل العربية المجاورة بسبب ظروفها الاقتصادية الخاصة، وغياب العدالة وحقوق الإنسان والبطالة والفقر والجوع، هذا الإرهاب المدخل الى الداخل السوري من جهات الأرض الأربع، حيث الجميع عاد الى الثابتة السورية او انْ شئت الثلاثية السابق ذكرها.
سورية وحزب الله وإيران حاجة اقليمية ودولية، لمحاربة فيروسات الإرهاب التي أنتجتها واشنطن في مختبراتها البيولوجية الاستخبارية، من دواعش وفواحش وقوارض وزواحف الأعراب الصعاليك، الذين قال فيهم الله تعالى في كتابه: الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً، وأجدر أن لا يعلموا كتاب الله، صدق الله العليّ العظيم ، وأيّ جبهة إقليمية ودولية لضرب تلك الفيروسات تحتاج الى تسويات سياسية تسبقها في بؤر الخلافات وملفاتها.
في حين تعمل واشنطن ومجتمعات مخابراتها ومن تحالف معها، على دعمها للاتجاهات الاسلامية الانفصالية في روسيّا، مناطق الشيشان داغستان وقوميات أخرى القوزاق في كازاخستان، فهي ترى أنّ في دعمها لأيّ طرف اثني يتجه داخل روسيّا للانفصال، سيؤدّي الى إشغال موسكو بنزاعات داخلية، فتضعف قدراتها على التحرك على الساحة الدولية، ونفس هذا السيناريو تريد فرضه على الصين وفي دعم اثنية الايغور المسلمين وغيرها في الشمال الصيني.
وحتّى لا نغرق في التفاصيل ونتوه بالمعنى التكتيكي والاستراتيجي، لا بدّ أن نطرح ما تعرف باسم نظرية المنطق في السياسة جانباً، مع تناسي علم الرياضيات السياسية وقواعد التفكير السليم في تفكيك المركب وتركيب المفكك، مع تناسي الغوص في التحليل بشكل عمودي وأفقي، لأنّ الأشياء والأمور والمعطيات لم تعد كما يبدو عليها أن تكون، وجلّ الأزمات انْ لجهة المحلي، وانْ لجهة الأقليمي، وانْ لجهة الدولي، صارت أكثر تعقيداً وترابطاً، والتفاعلات والمفاعيل لمعظم الممارسات الدولية لم تعد تخضع لقانون أو قيم أو أخلاق.
بعبارة أخرى أكثر وضوحاً، اذا أردنا أن نفهم ونعي بشراسة فكرية أبعاد ومعطيات ودلائل المؤامرة علينا في المنطقة والعالم، وضع قاعدة بيانات وداتا معلومات لها، علينا أن نفكر جميعاً بعقلية المؤامرة نفسها، ومن يعتقد أنّ الولايات المتحدة الأميركية جاءت الى المنطقة لمحاربة الإرهاب، فهو لا يكون الاّ متآمراً أو جاهلاً أو متخلفاً عقلياً وذا جنون مطبق لا متقطع.
هناك استراتيجية أميركية جديدة في تشكيل حلف دولي الناتو واقليمي سني من دول ما تسمّى الاعتدال العربي، لا بل دول الاعتلال العربي لمحاربة الإرهاب في سورية والعراق، وهذه الاستراتيجية أصلاً تتعارض مع مفهوم ومقتضيات محاربة الإرهاب من جهة، وتنقض نظرياً رؤية كيسنجر للحروب الدينية السنيّة الشيعية والتي اعتمدتها الإدارة الأميركية كخيار بعيد المدى، لضرب العمق الاستراتيجي العربي لإيران في أفق عزلتها ومحاصرتها ثم تفجيرها من الداخل عبر مفاوضات 5 + 1 ، ونقل مجتمعات الدواعش والفواحش والقوارض إلى مناطق السنّة في الداخل الأيراني.
أميركا تستولد استراتيجية جديدة أيضاً اسمها ادارة التوحش وأزمتها في البلقان وآسيا الوسطى، فخرج علينا زعيم القاعدة أيمن الظواهري من كهفه بعد سبات، حتّى أنّ شكله صار مثل الكهف الذي يسكنه، وبشّر الأمة بميلاد فرع جديد للقاعدة في شبه القارة الهندية بنغلادش، كشمير، الهند، باكستان وعلى الحدود مع إيران، وهذا ما أثار ثائرة روسيّا والهند والصين أعضاء مجموعة دول «بريكس» ، لإدراكهم أنّ أميركا قرّرت نقل إدارة التوحش من الشرق الأوسط الى منطقة آسيا حيث تهديدات داعش لروسيّا.
محاولات لزرع الفتنة في الأردن
واشنطن تدرك أنّه يستحيل في هذه المرحلة المبكرة من عمر الصراع في المنطقة من تفجير حرب سنيّة شيعية شاملة، على ضوء نتائج المحاولات الجنينية الفاشلة التي اختبرتها في لبنان وسورية والعراق، والآن تحاول في الأردن عبر الفتنة بين الشرق الأردني القح والشرق الأردني ذي الأصول المختلفة، حيث جلّ السفلة من صنّاع القرار الأميركي يريدون إدخال داعش وتصنيع مثيلاتها في الداخل الأردني، وتحريك الخلايا السريّة النائمة والتي لا تنام ولا تنكفئ أصلاً، كلّ ذلك عبر إشراك عمّان سرّاً أو علناً في محاربة مجتمعات الدواعش، كي يُصار إلى نشر الفوضى في الداخل الأردني لجعل الملف الأردني كملف مخرجات للملف الفلسطيني، ضمن رؤية محور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به من عرب ومسلمين صهاينة.
والتساؤلات هنا: لدينا رؤية تحليلية بعد التمحيص والتدقيق بكلام آشتون كارتر وزير الحرب الأميركي، بخصوص التفاتة عسكرية أميركية في الجنوب السوري، حماية للأردن و»إسرائيل» كما يقول وقال، تتحدث أنّ الأميركي والإسرائيلي وآخرين يريدون أن يعوّضوا خسائرهم في حلب مؤخراً في الجنوب السوري، والبحث عن فرص لاستثمارها ومن خلال المثلث السوري الأردني الإسرائيلي المشترك وامتداداته لجهة لبنان، لإقامة منطقة جغرافية آمنة، ووضع جزء من الديمغرافيا السورية اللاجئة خارج الوطن السوري والنازحة في داخله في غرب درعا، في هذه المنطقة الجغرافية المُراد لها أن تكون مسمار جحا أميركي وآخر إسرائيلي تماماً كقرية الغجر اللبنانية، والاستمرار باللعب والتدخلات في الشأن السوري وصولاً الى إسقاطه، مع دعم الجماعات الإرهابية المسلّحة في الجنوب السوري، لكي تشكل بمثابة الحزام الأمني النازف لدمشق في الجنوب السوري بصورة مختلفة عن حزام لبنان، ولكي يكون الحزام الآمن لجغرافيا وديمغرافيا المنطقة التي يسعى الأميركي والإسرائيلي لإيجادها هناك كمسمار جحا، وتحت شعار محاربة داعش في الجنوب السوري والقاعدة وباقي الزومبيات، والمحافظة على أمن الحليف الأردني، وكما أوضح آشتون كارتر وزير الحرب الأميركي.
انّ المناورات التي أجراها مؤخراً «الإسرائيلي» مع المارينز الأميركي في النقب، والتي حاكت مواجهة مع داعش والنصرة أو فتح الشام أو القاعدة لا فرق، وفيها إنزال خلف خطوط العدو، أتت في سياقات هذا المشروع الأميركي الإسرائيلي البعض العربي في الجنوب السوري الساخن الآن، للتعويض عن الخسارة في حلب مؤخراً، وليصار الى صرفه في السياسة لاحقاً لصالح الطرف الثالث بالحدث السوري، دون أيّ تدخلات لقوّات برية عسكرية إسرائيلية مباشرة، سوى فقط مساعدات عبر الطيران وطائرات بدون طيّار ودعم استخباري ولوجستي آخر، ومن المحتمل دخول قوّات كوماندوز لغايات المساعدة في إقامة تلك المنطقة الجغرافيا الديمغرافيا السورية كمسمار جحا، ويبدو أنّ الجنوب السوري والحدود الأردنية الشمالية في لواء بني كنانة ومناطق عقربا وسما الروسان وكفرسوم وأم قيس وملكا، وكلّ اللواء في طريقها لتكون ويكون بمثابة مثلث برمودا الأردني بفعل الأميركي والإسرائيلي والسعودي والبعض العربي الآخر، فهل يقود كلّ ذلك الى حرب جديدة في المنطقة عبر تسخين الجنوب السوري، تتدحرج الى كرات حربية متفاقمة لها ما بعدها؟
محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
Mohd ahamd2003 yahoo.com