غزة ما قبل العدوان غير ما بعد:
حسن حردان
خرج رئيس الحكومة «الإسرائيلية»، بنيامين نتنياهو من حرب غزة مهزوما ومهشماً سياسيا وشعبيا، وحكومته في حالة شلل سياسي، وقد حاول في خطابه يوم أول من أمس ممارسة الديماغوجيا، على الجمهور «الإسرائيلي» بادّعاء تحقيق النصر العسكري والسياسي، لكن مثل هذا الخطاب لم يقنع أحداً من «الإسرائيليّين»، ولهذا كان مثار انتقادات متواصلة وصلت إلى حدّ السخرية والتندّر.
ما حصل في الواحد والخمسين يوما الماضية من أيام العدوان على قطاع غزة، مراوحة الجيش «الإسرائيلي» في المكان، أحدثت «إسرائيل» خلالها دمارا هائلا في قطاع غزة، وأسقطت آلاف الشهداء والجرحى، في حين أحدثت صواريخ المقاومة التي غطت جميع عملياتها النوعية ضدّ جيش الاحتلال، وقلبت المعادلة العسكرية وجعلت زمام المبادرة بيد المقاومة، مما أدى إلى إحداث إرباك غير مسبوق لدى القيادتين العسكرية والسياسية «الإسرائيليين»، ولدى المستوطنين، وعلى الرغم من وصف معظم المعلقين «الإسرائيليين» نتيجة الحرب على أنها «تعادل قاتم»، إلاّ أنّ الحديث عن التعادل قد يصحّ اذا كان كلا الطرفين المتصارعين يملكان بعض التوازن في القدرات والإمكانيات وحرية الحركة، أما في الحالة القائمة بين المقاومة في قطاع غزة وجيش الاحتلال «الاسرائيلي» فلا يوجد أدنى توازن، لذلك الحديث عن تعادل بين أقوى جيش في المنطقة ومقاومة محدودة التسليح يعني هزيمة مدوّية ومذلة لجيش العدو، ويشير إلى أنّ الردع الذي سعت «إسرائيل» إلى تحقيقه انقلب عليها، وإلى أنّ قرار خروجها إلى الحرب ليس كقرار خروجها منها. ولذلك سقطت قوة الردع «الاسرائيلية» مجدّداً في اختبار الميدان وتمكنت المقاومة من أن تفرض معادلة ردعية في مواجهة «إسرائيل» أرغمتها على القبول بجزء من مطالبها الأساسية، وقد تشكل هذه القوة الاساس الذي يُمكّن المقاومة من فرض أمر واقع جديد على الاحتلال الذي بات يدرك أنه لن يستطيع بعد اليوم الانقلاب على الاتفاق والعودة إلى إغلاق المعابر كما فعل عام 2012، لأنّ المقاومة ستعود إلى المواجهة التي سيتجنّب العودة إليها، فهو يريد الهدوء في الداخل «الاسرائيلي» ولا يحتمل العودة إلى حرب استنزاف جديدة في المدى المنظور، لأنه يدرك مدى كلفتها من ناحية، ولا يملك خيارات عسكرية تمكّنه من تحقيق النصر على المقاومة التي امتلكت القدرة والجرأة على مواجهته والانتصار عليه في كلّ المواجهات في البرّ والبحر والجو، وفي خوض حرب الاستنزاف حيث صرخ هو أولاً من ناحية ثانية.
وقد اعتراف المحللون الصهاينة بأنّ العقيدة الأمنية «الإسرائيلية» التي تتأسّس على توفر المعلومات الاستخباراتية العسكرية، والردع، ونقل المعركة إلى أرض العدو، والحسم السريع، لم يتحقق أي منها في الحرب على قطاع غزة، وهو ما قد يدفع القيادة «الإسرائيلية» إلى البحث عن تسوية سياسية تضمن لـ»إسرائيل» الهدوء على جبهة غزة بعدما فشل الحلّ العسكري. وسط حديث «إسرائيلي» عن أنّ الأرجح أن يكون الحلّ السياسي أو التسوية من خلال السلطة الفلسطينية وبرعاية مصرية ودولية. لكن مثل هذا الحلّ لا يمكن أن تقبل به المقاومة إذا لم يكن يتضمّن إقامة ميناء ومطار في غزة والتواصل بين غزة والضفة عبر طريق بري.
فماذا ستفعل «إسرائيل» إذا ما قرّرت المقاومة، في حال رفضت في المفاوضات الموافقة على إقامة الميناء والمطار، الشروع في بناء ميناء ومطار من دون أن ننتظر موافقة أحد، انطلاقاً من معادلة تقوم على قاعدة «إذا ضُرب ميناؤنا سنضرب ميناءهم، وإذا ضُرب مطارنا سنضرب مطارهم». وهي المعادلة التي أعلنها قائد المقاومة في لبنان السيد حسن نصرالله.
لقد أدّت نتائج الحرب إلى إحداث انقلاب وزلزال في مشهد الصراع، فنجاح المقاومة في فرض معادلة ردعية مع العدو غيّر قواعد الصراع لمصلحتها، وهذا هو ما يشكل التطوّر الأبرز الذي تولّد من انتصار المقاومة ومكّنها من فك الحصار وفتح المعابر وسيُمكنها من منع معاودة إغلاقها واستطراداً من إعادة إعمار غزة وفرض إقامة ميناء ومطار إذا ما قرّرت ذلك انطلاقاً من المعادلة الردعية التي فرضتها.
من هنا فإنّ تداعيات انتصار المقاومة داخل كيان العدو سوف تتواصل على كلّ الصعد وسيكون لها تأثير سياسي كبير على الخارطة السياسية «الإسرائيلية» خاصة على ضوء استطلاعات الرأي التي تؤشر إلى صعود شعبية أحزاب وتراجع أخرى على خلفية نتائج الحرب، وسيكون لذلك تأثيره أيضاً على الخيارات السياسية «الإسرائيلية» على ضوء عدم قدرة «إسرائيل» استسهال شنّ الحرب في فترة قريبة، فيما المقاومة سوف تستفيد من إنجازها لزيادة قدراتها وبالتالي تعزيز قدراتها الردعية التي باتت هي الضمانة لإجبار العدو على الرضوخ والتراجع في المفاوضات وليس الدبلوماسية، فدرس غزة كما درس لبنان أكد مجدّداً أنّ العدو لا يفهم سوى لغة القوة، وأنه لا يتراجع إلاّ إذا تألّم وواجه مقاومة شرسة ومستعدّة لكلّ أشكال القتال معه ونفَسها طويل، ولا تخضع أو تركع لإجرامه وإرهابه.
ولهذا يمكن القول إنّ غزة ما قبل العدوان غير ما بعده.
«هآرتس»: استطلاع: تراجع كبير في شعبية نتنياهو وغالبية الاسرائيليين لا ترى أن «إسرائيل» انتصرت
بين استطلاع للرأي، أجري بعد يوم واحد من سريان اتفاق وقف إطلاق النار، بين «إسرائيل» والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، تراجعاً كبيراً في رضى الجمهور الإسرائيلي عن أداء رئيس الحكومة ووزير الأمن، كما بيّن أن أغلبية «إسرائيلية» لا تعتقد أن «إسرائيل» انتصرت في الحرب. كما بيّن حصول حزب «الليكود» على 26 مقعدا و»يسرائيل بيتينو» على 11 مقعداً، في حال أجريت الانتخابات اليوم.
أجرى الاستطلاع معهد «ديالوغ» بإشراف البروفيسور كميل فوكس من جامعة تل أبيب، وشمل عيّنة مؤلفة من 464 شخصا، بنسبة خطأ تصل إلى 4.64 . تجدر الإشارة إلى أنّ الخارطة السياسية قد تبدو مغايرة تماما مع اقتراب موعد الانتخابات، خاصة مع تنافس حزب موشي كحلون، وإمكانية حصول اصطفافات وانقسامات جديدة.
وبحسب الاستطلاع، الذي نشرته صحيفة «هآرتس» أمس الخميس، «فقد تراجعت نسبة الرضا عن أداء رئيس الحكومة، بنيامين نتانياهو من 77 قبل الحرب، إلى 50 خلال الحرب، وقال 41 إنهم غير راضين عن أدائه، بينما تراجعت نسبة الرضا من أداء وزير الأمن، موشيه يعالون من 76 إلى 55 ، وقال 35 إنهم غير راضين عن أدائه. أما بالنسبة لأداء وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، فقد تراجعت النسبة من 31 إلى 29 ، بينما قال 58 إنهم غير راضين عن أدائه».
«وقال 54 إن أحدا لم ينتصر في الحرب، بينما قال 16 إن حركة حماس هي التي انتصرت، في حين قال 26 إن إسرائيل هي المنتصرة، وأجاب 4 بأنهم لا يعرفون من المنتصر».
وتناول الاستطلاع إمكانية إجراء انتخابات اليوم، وتبين «أن حزب الليكود الذي حصل على 31 مقعدا في انتخابات 2013 السابقة تحالف الليكود و»يسرائيل بتينو يحصل على 26 مقعدا، ويحصل «يسرائيل بيتينو» على 11 مقعدا، ويتراجع حزب «العمل» من 15 مقعدا إلى 14 مقعدا، ويتقدم «البيت اليهودي» من 12 مقعدا إلى 17 مقعدا، وتتراجع «شاس» من 11 مقعدا إلى 7 مقاعد فقط».
كما بيّن الاستطلاع أن «يهودوت هتوراه تتقدم من 7 مقاعد في الانتخابات السابقة إلى 8 مقاعد، وتتراجع هتنوعاه الحركة برئاسة ليفني من 6 مقاعد إلى 4 مقاعد، وتتقدم ميرتس من 6 مقاعد إلى 7 مقاعد، بينما لا يتجاوز «كاديما» نسبة الحسم».
وبحسب الاستطلاع أيضا «فإن الأحزاب العربية تحصل على 13 مقعداً، حيث أن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة تتقدم من 4 مقاعد في الانتخابات السابقة إلى 6 مقاعد، ويتقدم التجمع الوطني الديمقراطي من 3 مقاعد إلى 4 مقاعد، بينما تحافظ القائمة الموحدة على قوتها وتحصل على 4 مقاعد».
«يديعوت»: «كيّ وعي الإسرائيليّين في ظلّ حكومة مترهلة وائتلاف يجعلها في حالة شلل سياسي»
بدلاً من «كيّ وعي» حركة حماس فإنّ «إسرائيل» هي التي تبدو ضعيفة بسبب قيادتها المترهّلة وائتلافها الذي يجعل حكومتها في حالة من الشلل السياسي. ومن يكرّر مصطلح «كيّ الوعي» عليه أن يفحص بصدق كيف تمّ «كيّ وعي» «إسرائيليّين» كثيرين اضطروا إلى إخلاء بلدات بأكملها في الجنوب.
بهذه الكلمات افتتح رئيس الشاباك «الإسرائيلي» السابق، يوفال ديسكين، مقالة له نشرت في صحيفة يديعوت أحرونوت أمس الخميس. وتناول ديسكين خيبة الأمل «الإسرائيلية» من عدم قدرة «أقوى جيش في الشرق الأوسط والمسلح بأفضل الأسلحة» على هزيمة «منظمة في بقعة صغيرة» خلال أكثر من 50 يوما من القتال.
واقترح ديسكين في مقالته البحث عن بدائل سياسية، والعودة إلى مبادرة السلام العربية ونفض الغبار عنها وتطويرها بما يتلاءم مع معطيات الواقع الإقليمي. وفي المقابل أشار إلى أن «إسرائيل اليوم تقودها حكومة ضعيفة ومترهلة، وائتلاف يجعلها مصابة بالشلل السياسي».
وكتب ديسكين «انّ وقف إطلاق النار مع حركة حماس أبقى الجمهور الإسرائيلي محبطا، فالمستوى السياسي اختار ألا يهزم حماس عسكريا، واكتفى بتدمير أنفاق هجومية، وضربات جوية وجهت إلى البنى التحتية لحماس، وتسبّبت بدمار كبير في قطاع غزة، وبالرغم من ذلك، فلا يزال بإمكان حماس أن تشكل تهديدا على البلدات الإسرائيلية حتى حيفا، وبينما توقع الجمهور الإسرائيلي نهاية مغايرة للقتال، فقد تلقى خيبة أمل».
وقال أيضاً: «في هذه الأيام سيكون الجمهور الإسرائيلي هدفا لحملة إعلامية ضخمة، تشرح له أن الجيش وجه ضربة قاسية لحركة حماس، وتكرّر ما قاله وزير الأمن موشيه يعالون حول «كيّ الوعي لدى حماس»، مضيفاً انه بحسب «هذا المنطق فإنّ حماس ستخشى الدخول في مواجهات مستقبلية مع الجيش بسبب «العقوبة الشديدة» التي تلقتها».
وتابع: «لا ينوي تشويش فرحة النصر لدى المتحدثين الرسميّين، ولكن تجربته في الحرب على الإرهاب، علمته أنّ البشر ليسوا وسطا مغناطيسيا يمكن كيّه لمرة واحدة وللأبد، ومع ذلك فإنّ كلّ من يصرّ على التمسك بهذا المصطلح عليه أن يفحص بصدق كيف تمّ كيّ وعي أعداء إسرائيل، وكيف تمّ كيّ وعي إسرائيليين كثيرين، فيما شاهد الجميع بلدات بأكملها في الجنوب خالية من السكان».
وأوضح «أنّ عدم الحسم في الجرف الصامد «العصف المأكول» يجعل صورة إسرائيل ضعيفة في نظر قادة المنظمات الإرهابية الإسلامية المتطرفة في سورية ولبنان والعراق. وأنه بنظرهم فإنّ الدولة اليهودية التي تملك أقوى جيش وأقوى تسليح في الشرق الأوسط لم يكن قادرا طوال 50 يوماً على هزيمة منظمة إرهابية تسيطر على مساحة محدودة، وخاصة في هذه الأيام التي يتحوّل فيها تهديد «المنظمات الإرهابية الإسلامية المتطرفة إلى تهديد ملموس».
وتابع ديسكين: «يجب أن يكون لإسرائيل مصلحة في إنهاء المواجهات مع قطاع غزة بأقصى سرعة، بالتزامن مع عمليات ومبادرات استباقية تثبت التسوية السياسية، ولكن المشكلة هي أنّ القيام بمبادرة ليست الطريق المحبّبة لدى القيادة السياسية الأمنية التي قادت المواجهات الحالية».
وأضاف: «فهناك مبادرتان ممكنتان، يفضل الدمج بينهما، الأولى، والتي كتب عنها الكثير وباتت ليست ذات صلة اليوم، هي القيام بعمليات عسكرية برية لجعل حماس على وشك الانهيار، وبدون الحاجة إلى احتلال كلّ قطاع غزة. أما الإمكانية المتبقية، فهي الخروج من الصندوق، والنظر إلى كلّ ما يحصل في المنطقة بنظرة استراتيجية، لكي ندرك أنّ المعركة مع قطاع غزة هي حدث صغير نسبيا مقابل التحديات التي تنشأ من عمليات إقليمية. وفي هذا الوضع الذي نشأ فإنّ الطريق الأفضل هو القيام بمبادرة سياسية جدية ومفاجئة وجريئة، بحيث تحوّل هذه الأزمة إلى فرصة إقليمية».
وأضاف: «في هذا الوضع يجدر التفكير بشكل ذكي وشجاع ببدائل سبق أن رفضتها إسرائيل في السابق، وأنه حان الوقت لنفض الغبار عن مبادرة السلام العربية، وملاءمتها لعملية إقليمية كبيرة ومفاجئة وجدية لإسرائيل، وللصراع الإسرائيلي الفلسطيني».
وتابع: «إنّ هذه العملية يجب أن تشمل بداخلها إسرائيل وكل الدول العربية التي تتقاسم معها مصالح مشتركة كثيرة، مثل القلق من إيران التي تتحوّل إلى نووية، والخشية من التهديدات الإسلامية المتطرفة المتصاعدة، والخشية من عدم الاستقرار الذي أدخل الربيع العربي المنطقة فيه».
ورأى إنه «على المستوى الدولي فإنّ هناك معطيات لبدايات جيدة لهذه العملية في السعودية ومصر والأردن والخليج والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ودول أخرى في العالم قد تدعم مبادرة كهذه وتدفع بها».
ووصف هذه العملية بأنها «ليست بسيطة، ولكنها الطريقة الصحيحة لوضع إسرائيل في أول طريق المصالحة الإقليمية، وليس بهدف استغلال الواقع الجيو سياسي لإسرائيل فقط، وإنما أيضاً لسحب البساط الدولي والعربي والفلسطيني بشكل تدريجي من تحت أقدام حركة حماس». وأشار إلى أنّ «اتفاقاً يحظى بدعم عالمي وعربي سيجعل حماس منظمة إرهابية متمرّدة على حكومة معترف بها وقانونية وموقعة على اتفاق سلام مع إسرائيل. وفي مثل هذه الظروف سيكون من السهل جداً عزل وإضعاف حركة حماس».
وأردف: «إنّ نجاح إسرائيل في تطوير اقتصاد الضفة الغربية، سيضع مقابل سكان قطاع غزة بدائل أكثر سحراً مما تقدمه سلطة حركة حماس، وهذا من شأنه أن يساهم في إضعاف الحركة عسكريا وجماهيريا».
ولكنه في نهاية مقالته قال الكاتب: «إن مأساة إسرائيل تكمن في الحكومة الحالية غير القادرة على استغلال الفرصة ومواجهة التحدي. وفي ظل هذه الحكومة لا مفرّ من الاستعداد للجولة القتالية العنيفة القادمة مع حماس. وإنّ غياب الشجاعة القيادية في تحديد أهداف بعيدة المدى للحملة العسكرية ضدّ حماس يمتدّ إلى غياب الشجاعة في تحريك عملية سياسية كاسرة للتوازن في الساحة الدبلوماسية».
وختم بالقول: «إنّ إسرائيل اليوم تقودها حكومة مترهّلة وائتلاف يفرض الشلل السياسي، وفقط مبادرة سياسية بعيدة المدى تتيح لإسرائيل تحويل المواجهة مع حماس من تعادل تكتيكي بين دولة ومنظمة إرهابية إلى ضربة قاضية استراتيجية».
«هآرتس»: بعد فشل الحل العسكري في غزة: هل تتجه «إسرائيل» إلى حلّ سياسي؟
أكد المعلق العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هرئيل، في مقابلة مع إذاعة الجيش «الإسرائيلي» صباح أمس أن سكان الجنوب «لا يشترون ادّعاءات نتنياهو»، وتوقع أن تتجدّد الحرب إذا ما كان يعتزم رئيس الحكومة فعلا عدم التعاطي مع مطالب الفلسطينيين في إطار اتفاق وقف إطلاق النار طويل الأمد.
الانتصار السياسي الذي تحدث عنه نتنياهو، كشفه معلقون «إسرائيليون» خلال الشهر الماضي أكثر من مرة وهو متعلق بالتعاون الوثيق والتنسيق والتفاهمات مع مصر، والتقاء مصالحهما في معاداة حركة حماس التي تعتبر أحد روافد حركة الإخوان المسلمين. وأكد أكثر من معلق «إسرائيلي» أن «إسرائيل» ستعتمد على مصر في منع إعادة تسليح حماس أو تطوير قدراتها العسكرية.
من المقرّر أن تنطلق المحادثات برعاية مصرية خلال شهر للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار طويل الأمد، وستتطرق المحادثات إلى كل المطالب الفلسطينية بدءا من الميناء والمطار وانتهاء بالمعتقلين. وستحاول «إسرائيل» بالتعاون مع حلفائها تحويل «التعادل العسكري» إلى انتصار سياسي.
تصريحات نتنياهو بأن الفلسطينيين لم يحققوا شيئا هو محاولة لامتصاص غضب سكان الجنوب الذين لم يقتنعوا بالانتصار ولصدّ الانتقادات الحادة داخل ائتلافه وداخل حزبه. لكنها تشير ايضاً إلى أنه لا يعتزم الاستجابة لتلك المطالب لأنه لن يسمح لحماس بتطوير ترسانتها العسكرية وتطويرها.
العقيدة الأمنية «الإسرائيلية» التي تتأسّس على توفر المعلومات الاستخبارية العسكرية، والردع، ونقل المعركة إلى أرض العدو، والحسم السريع، لم يتحقق أي منها في الحرب على قطاع غزة، وهو ما قد يدفع القيادة الإسرائيلية إلى البحث عن تسوية سياسية تضمن لـ«إسرائيل» الهدوء على جبهة غزة بعدما فشل الحلّ العسكري. وعلى الأرجح أن يكون الحلّ السياسي أو التسوية من خلال السلطة الفلسطينية وبرعاية مصرية ودولية. غير ذلك، سيكون من الصعب على «إسرائيل» رفع الحصار عن قطاع غزة بشكل تام وفتح معابر حرة بينها وبين العالم سواء كانت برية أو جوية أو بحرية، لأنّ ذلك سيعني تحوّل فصائل المقاومة خلال سنوات إلى قوة عسكرية لا يُستهان بها تشكل تهديداً جدياً على الجيش «الإسرائيلي».
محمود الزهار، القيادي في حركة حماس، يدرك العقلية «الإسرائيلية» التي تعتمد على الضربات الاستباقية، اي ضرب الخطر قبل تشكّله، فكم بالحري السماح للخطر بأن يكبر أمام ناظريها. لكنه يعتقد بأن الحرب شكلت ميزان ردع مع «إسرائيل» لهذا حدد المعادلة التالية: سنبني ميناءً ومطاراً من دون أن ننتظر موافقة أحد، وإذا ضُرب ميناؤنا سنضرب ميناءهم، وإذا ضُرب مطارنا سنضرب مطارهم.
ستبدأ «إسرائيل» بدراسة الحرب وإخفاقاتها وإصلاح مواطن الخلل واستخلاص العبر من الحرب الأخيرة، وستبدأ بتوفير حلول لمنطقة الجنوب استعدادا للحرب القادمة، وسيكون الإنجاز الوحيد الذي حققته خلال الحرب التحالف مع مصر وعدد من الدول العربية «المعتدلة» في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية. الحرب القادمة مسألة وقت وقد لا يطول.
وختم المعلق العسكري بالقول: «الأمر المؤكد أن الواقع في إسرائيل وغزة الذي كان يوم السابع من تموز، اليوم الأول للحرب، لم يعد كما كان».
القناة العاشرة «الإسرائيلية»: جلعاد ينفي تعاوناً مصرياً في محاولة اغتيال الضيف
دافع عضو طاقم المفاوضات «الإسرائيلي» في القاهرة، ورئيس الطاقم الأمني والسياسي في وزارة الأمن «الإسرائيلية»، الجنرال عاموس جلعاد، عن رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو، وعن خطابه الذي ألقاه يوم أول من أمس، ونفى ما تردّد حول تعاون مصري ـ «إسرائيلي» في محاولة اغتيال قائد كتائب عز الدين القسام، محمد ضيف.
وأوضح جلعاد في مقابلة للقناة العاشرة «الاسرائيلية»، صباح أمس، «أن مفاوضات القاهرة كانت مضنية ومليئة بالمطبات»، مشيرا إلى أن «الوفد الإسرائيلي لم يتفاوض بشكل مباشر مع ممثلي فصائل المقاومة ولا مع ممثلي السلطة الفلسطينية».
وقال: «كل المحادثات والمفاوضات للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار تمت بصورة غير مباشرة، لم نلتق وفد حماس ولا حتى وفد السلطة الفلسطينية، كنا نجلس في مكان ولا نعرف أين كانوا هم يجلسون، كل الأمور كانت تتمّ عن طريق المصريين الذين كانوا منظمين ودقيقين للغاية لدرجة أنه لم يحصل أننا لم نفهم ماذا كانوا يقصدون».
وأضاف: «كان الأمر مضنياً، كنا نجلس ساعات طويلة نتلقى العديد من الصياغات التي كانت تهدف إلى إيقاعنا بالفخ. حماس طلبت في البداية إقامة ميناء بشكل فوري لكننا أجبنا بأنّ هذا الموضوع من الممكن أن يطرح مقابل بحث نزع السلاح من قطاع غزة».
وتابع: «بالنسبة لحماس إسرائيل غير موجودة بالمرة. حتى لو اردنا نحن التحدث إليهم فهم لا يرضون بذلك، كما أننا لم نتحدث مع ممثلي السلطة الفلسطينية، كل شيء جرى عن طريق المصريين».
ودعم جلعاد تصريحات نتنياهو التي تحدث فيها عن تحقيق انتصار سياسي وعسكري. وقال: «لا ينبغي إيلاء أهمية لاحتفالات الانتصار في غزة. نتنياهو كان محقا في أقواله يوم أول من أمس وليس لأي سبب آخر».
وحول ما يتردّد في بعض المحافل بشأن تعاون «إسرائيلي»ـ مصري في التخطيط لمحاولة اغتيال قائد كتائب القسام محمد الضيف، قال: «إسرائيل لم تتعاون مع مصر بشأن اغتيال أي شخص. إسرائيل لا تتعاون مع أي جهة بأي عملية اغتيال، هذا كلام عار عن الصحة».
وأضاف جلعاد أن «خالد مشعل أدار حرباً استراتيجية. وأراد مفاجأتنا بعدة طرق لشق الطريق أمام موافقة إسرائيل على إقامة حماستان في غزة، مع ميناء ومطار مفتوحين من الجانبين. وبعد ذلك التوسع للضفة الغربية».
وأضاف: «في النهاية حركة حماس لم تحصل على أي شيء ووافقت على وقف إطلاق للنار لم يوافقوا عليه بالبداية». وقال: «إن المفاوضات ستبدأ بعد شهر من دون تحديد موعد انتهائها».