هجمة أخرى على المنهاج الفلسطيني في القدس!
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
واضح بأنّ وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية التي يقودها المتطرف نفتالي بينت زعيم «البيت اليهودي» لديها خطة شاملة للسيطرة على العملية التعليمية في مدينة القدس، خطة تقوم على أساس العودة بالمنهاج التعليمي في المدينة الى المنهاج الإسرائيلي الكامل في إطار سياسة التهويد والأسرلة لها، ونحن هنا سنستذكر المحطات الرئيسية لخطة بينت في هذا الجانب، فقد كشفت صحيفة «هارتس» الإسرائيلية في 29/1/2016 عن «خطة بينت» تقوم على أساس زيادة الدعم المالي للمدارس التي تقوم بتدريس المنهاج الإسرائيلي او لديها صفوف تدرس المنهاج الإسرائيلي، وحث المدارس العربية عبر الحوافز المادية للإنتقال من المنهاج الإسرائيلي الى المنهاج الفلسطيني، وهذا يشمل زيادة الساعات التعليمية للمدارس المتلقية للتعليم الإسرائيلي، وخلق اطار تربوي يقوم على زيادة الساعات المخصصة لدروس التقوية والإستشارات التربوية وكذلك الدروس اللامنهجية من موسيقى وفنون وغيرها ودورات الإستكمال للمعلمين، وهذا يعني استخدام الأموال كعامل ضغط على إدارات المدارس لمقايضة المنهاج الفلسطيني بالمال، والتهديد المبطن لتلك الإدارات والمعلمين بقطع أرزاقهم اذا لم ينتقلوا الى التعليم وفق المنهاج الإسرائيلي.
لم يكتف بينت بذلك بل في الذكرى الخمسين لإحتلال القدس او ما يسمّى بـ«توحيد القدس» أعلن ان شعار السنة التعليمية القادمة 2016 في اسرائيل سيكون «توحيد القدس» وفقاً لما نشره موقع صحيفة «يديعوت احرونوت.
وأشار بينت الى أنه سيتمّ طرح خطة تعليمية واسعة تشمل المرحلة الأساسية وصولاً الى المرحلة الثانوية، ردا على كافة المحاولات التي كانت تهدف لفصل اليهود عن مدينة القدس وفقاً لتعبيره، قائلاً: «إنّ ما شهدته مدينة القدس من عمليات إرهابية من قبل الفلسطينيين كانت تهدف لإبعاد اليهود عن المدينة، ولكن كانت النتيجة مزيداً من الارتباط مع مدينة القدس الموحدة».
وأضاف الموقع أنّ هذه الخطة الموسعة تأتي أيضاً مع مرور 50 عاماً على احتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس والذي تعتبره إسرائيل «توحيد القدس»، وستشمل العديد من الفعاليات المختلفة في المدارس من ناحية التعليم والجانب التاريخي لمدينة القدس وارتباطها باليهودية، كذلك القيام بجولات مختلفة من قبل المدارس للعديد من المواقع في مدينة القدس بما فيها البلدة القديمة.
اليوم يخطو بينت خطوة أخرى على طريق أسرلة المنهاج الفلسطيني في مدينة القدس عبر مقايضة ترميم المدارس وإعادة تاهيلها بتطبيق المنهاج الإسرائيلي، وكانت ما تسمّى بـ«وزارة شؤون القدس» في حكومة الاحتلال حسب ما ذكرته صحيفة «هارتس» الإسرائيلية الصادرة يوم الأحد الماضي، قد اشترطت تحويل الميزانيات لمدارس «القدس الشرقية» مدارس عربية تُدرس الطلاب الفلسطينيين بتدريس المنهاج «الإسرائيلي» فيها.
وذكرت صحيفة «هآرتس» العبرية، انه من المتوقع أن تحوّل وزارة شؤون القدس، قريباً، ميزانية خاصة تقدّر بأكثر من 20 مليون شيكل ما يُعادل الـ 5 ملايين و209 آلاف دولار أميركي لترميم المدارس في القدس الشرقية. وأفادت الصحيفة العبرية أنّ الأموال ستُحوّل للمدراس التي توافق على تفعيل المنهاج التعليمي الإسرائيلي.
وزعمت «هآرتس» العبرية، انّ السنوات الأخيرة شهدت تزايداً في عدد المدارس التي تقترح منهاج التعليم الإسرائيلي، والذي يسمح بالتقدّم لامتحانات «البجروت الإسرائيلية»، ما يسهّل على الطلاب الالتحاق بالمؤسسات الجامعية الإسرائيلية.
وزعمت أنّ استطلاعات للرأي لم تقم بإرفاقها مع التقرير أوضحت إزدياد عدد أولياء الأمور في القدس الشرقية الذين يفضلون المناهج الإسرائيلية من أجل تحسين فرص التعليم والعمل لأولادهم.
مستدركة: «ومع ذلك تبقى هذه النسبة صغيرة، فمن بين حوالي 180 مدرسة في القدس الشرقية، قامت 10 مدارس فقط في العام الماضي بتدريس المنهاج الإسرائيلي، ويتوقع ازدياد العدد هذه السنة إلى 14».
وأوضحت أنّ غالبية مؤسسات التعليم يجري تدريس المنهاج الإسرائيلي لعدد قليل من الصفوف فقط، «ولذلك فإنّ نسبة المتقدّمين للبجروت لا تتعدّى 3 في المائة».
هنا من الهام جداً القول إنه في زمن وزير التعلم العالي الصهيوني السابق جدعون ساغر، لم تكن الأمور بالنسبة للتعليم والمنهاج الفلسطيني بوضع أفضل، فساغر لديه نفس مشروع بينت لأسرلة التعليم، حيث كانت هناك محاولة لتصفية المنهاج الفلسطيني، والذي يشكل جزءاً مهماً من الهوية والسيادة الوطنية في آذار من 2011، فقد وجهت مديرة المعارف العربية في بلدية الاحتلال ودائرة معارفها لارا امباركي رسالة للمدارس الأهلية والخاصة، تطالبهم فيها بعدم الحصول على الكتب الدراسية للصفوف من الأول الإبتدائي وحتى الصف الحادي عشر إلا عبر وزارة المعارف الإسرائيلية، والرسالة تلك أتت على خلفية تلقي معظم المدارس الخاصة والأهلية نتيجة وحسب ما تقوله الضائقة المالية التي تمرّ بها، والكتب التي ستوزعها عليهم، التغييرات فيها ليس شكلية أو لها علاقة فقط بالشعار المطبوع على أغلفة الكتب، استبدال شعار السلطة الفلسطينية بشعار بلدية الاحتلال، بل يطال ذلك حذف وتغيير وتشويه للمنهاج الفلسطيني وتزوير للوقائع والحقائق التاريخية والدينية والوطنية، فالحذف يطال القصائد والأشعار الوطنية، وكذلك الآيات والأحاديث الدينية التي لها علاقة بالجهاد، وأية مواد ومواضيع تدعو للمقاومة ودعم الأسرى وتمجيد الشهداء والبطولات.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل استمرّ مسلسل أسرلة المنهاج الفلسطيني، في ظلّ ضعف الحالة الفلسطينية وانقسامها، والعجز المالي الكبير وقلة الدعم للمدارس الفلسطينية التي تدرّس المنهاج الفلسطيني، وغياب الإرادة السياسية للمجابهة عند القيادة الرسمية، مكنت الاحتلال ان يخطو خطوة اخرى تجاه أسرلة التعليم، فمع بداية عام 2013، اعلن كعملية تجريبية عن تطبيق المنهاج الإسرائيلي في خمسة مدارس حكومية لعدد من الصفوف الدراسية، مدرسة ابن رشد الشاملة ومدرستي صورباهر الإبتدائية بنين والإبتدائية بنات، وكذلك مدرستي عبدالله ابن الحسين الإعدادية بنات في الشيخ جراح وابن خلدون الثانوية في بيت حنينا، وكانت تلك العملية التي لم تفلح المجابهة الشعبية والمجتمعية الفلسطينية لها في وأدها والقضاء عليها، لتكون بمثابة «بروفا» لتوسيع التعليم وفق المنهاج الإسرائيلي في القدس، بحيث لا يقتصر ذلك على المرحلة الثانوية «البجروت» الإسرائيلي بدل امتحان الثانوية العامة الفلسطيني، بل تدريس المنهاج الإسرائيلي من المرحلة الأساسية بإقامة مدارس تعلّم المنهاج الإسرائيلي، حيث أقيم لهذا الغرض مدرستي بنين وبنات في بيت حنينا، والخطورة هنا بأنّ التدريس يستهدف «كي» وتقزيم» وتشويه الوعي للطالب الفلسطيني، ومحاولة السيطرة على الذاكرة الجمعية لشعبنا، وفرض الرواية الصهيونية الكاملة، ليس على المسيرة التعليمية فحسب، بل على كامل الرواية التاريخية، حيث يُراد وفق هذا المنهاج للطالب الفلسطيني، ان يدخل في حالة من التناقض وزعزعة قناعاته وثقته بحقوقه وثوابته الوطنية، ولست بصدد التفصيل هنا.
ولكن في ظلّ ما يحققه الإحتلال من اختراقات وانجازات على صعيد أسرلة المنهاج والعملية التعليمية في مدينة القدس، فإنّ المسألة أصبحت تتطلب ردوداً ومجابهة نوعية، لا تقف عند حدود الحلول الترقيعية، فـ»إسرائيل» تشنّ حرباً تهويدية شاملة على الهوية الفلسطينية عبر المناهج لشطب الهوية والثقافة والوجود والكينونة الفلسطينية في المدينة، ولذلك ارى بانّ كافة المبادرات والخطوات المقترحة لصدّ الهجمة الصهيونية على العملية التعليمية على الرغم من اهميتها مثل الدعوة لاستنهاض الصناديق العربية والإسلامية لتحمّل مسؤولياتها تجاه التعليم في القدس، واعتماد 10 من المنح الدراسية الخارجية لطلبة القدس، وتسهيل آليات التسجيل في المدارس للطلبة المقدسيين، واستيعاب عدد من المدارس على ملاك وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، واستثناء طلبة القدس من الحد الأدنى للإلتحاق بالجامعات المحلية وغيرها، هي خطوات ومبادرات جيدة، ولكن هذا لن يوقف «البلدوزر» والوحش المنفلت من عقاله لأسرلة التعليم، فأولاً قبل كلّ شيء، بدون إرادة صلبة ومجابهة جدية وحقيقية في هذه المعركة، سنهزم بشكل نهائي ونخسر جبهة التعليم كغيرها من الجبهات الأخرى، ولذلك المجابهة هنا يجب ان تكون جماعية وتكاملية بين المستويات الشعبية بكافة مستوياتها وأطرها ولجانها ومؤسساتها والسلطة ومنظمة التحرير، بتفاوض المسؤولية والدور.
المال مهمّ في هذه المعركة صحيح، ولكن كيفية إدارة المعركة اهمّ، فبعد الإحتلال مباشرة وسيطرة الإحتلال على قطاع التعليم الحكومي بالكامل، ومحاولة تطبيق وفرض المنهاج الإسرائيلي، هبّت القدس بقواها وأطرها ومؤسساتها وشخصياتها دفاعاً عن المناهج والتعليم الفلسطيني، وأعلنت إضراباً شاملاً لمدة ليست قصيرة، شلت كامل العملية التعليمية في القدس، مما اضطر الإحتلال للتراجع عن إجراءاته وخطواته بفرض المنهاج الإسرائيلي، ولذلك العامل الرئيسي في المجابهة هو امتلاك الإرادة، وكيفية إدارة المعركة وتوجيهها.
Quds.45 gmail.com