صباحات
منذ سنوات، خاض الغرب والعرب في رهانات على إضعاف القيصر بوتين أو رشوته أو ترهيبه أو ترغيبه ليبيع سورية أو يرخي قبضته عن الإمساك على أعناقهم، ولم يهن. فمن يتحدّث عن صفقات روسية على حساب سورية ضعيف البصر والبصيرة، أو يريد أن يزرع للسموم خميرة.
نصر سورية ليس موضوع فرضية واحتمال، ولا فرصة قد تلوح من بين أجنحة السوخوي. إنه شمس تشرق كما تدور الأرض حول نفسها. من انتصر في تمّوز لم يسأل عن تفوّق السلاح بل تقابل الإرادات وقوّة الحق وإتقان فنون الحرب. والنصر آت لا حاجة إلى السؤال بل إلى الصبر واليقين والثقة، وبعض من الدعاء.
عندما يحسب الناس قيمة أيّ علاقة حبّ أو صداقة في حياتهم، يجب أن يسألوا أنفسهم عن فرضية أيّ يوم تتغير فيه طبيعتها، ماذا جنوا منها غير ما كان فيها من ذكريات جميلة. خبرة وثقافة وبناء شخصية ونضوج وتقدّم في فرص الحياة. وقد يجدون العلاقات التي يحملون منها الذكريات الحزينة أشدّ فائدة… وليس مصلحة. العلاقات التي لا تقدّم لشخصياكم جديداً يغنيها لا تخوضوا فيها إلا لتستمرّ وتمنحكم ذكريات جميلة تتراكم، وتؤسّسوا عبرها شراكة عمل أو أسرة. أما تلك التي تغنيكم وتزيدكم نموّاً فلا تهابوا خوضها ولو بدت مرحلية العيش والدوام.
هل ينشغل المتحابّون بتعميق الثقة أم بزيادة الشكوك؟ وهل ينشغل المتحاربون بالعكس؟ تساءلوا بأمانة وإنصاف عن تصرّفاتكم تجاه من تحبّون… وابدأوا بالوطن والجيش والأهل وصولاً إلى الحبيب. وتساءلوا بالعكس عن نظرتكم لأعدائكم هل تزيدون لهم ومعهم وعنهم منسوب الثقة أم الشكوك؟ تكتشفون بوصلتكم وتصوّبونها.
عندما تتقابل السنديانة والريح العاصفة ينشغل الناس بصوت اهتزاز الأغصان، وينسون ثبات الجذع، ليروه باسقاً في الصباح. راقبوا حلب وستسمعون في صباح قريب صوت السنونو العائد وقد انقشعت العاصفة، وما زالت السنديانة في أرضها. ولا يخيفكم صوت الأغصان تهتزّ أو صوت حفيف الأوراق، فتلك علامات الثبات.
تقترب ذكرى النصر المجيد في حرب تمّوز ونتذكر فيها اللحظات الصعبة التي تخيّل الناس وصنع الإعلام لهم رعباً وذعراً من أن الاحتلال والعدوان يقتربان من تحقيق النصر. وجاءت المفاجآت وغيّرت وجه الحرب. تذكّروا أن ما يجري في حلب هو اليوم الرابع والثلاثون لحرب لم تنته. فتكفّل بمواصلتها من أنكروا النصر ووصفوا المقاومين بالمغامرين الذين يجب أن يلقوا حسابهم. وثقوا أن النصر الذي صُنع في تموز سيثبت في حرب يومها الرابع والثلاثين.
لا أثق بمن يدّعي حباً بالزعيم جمال عبد الناصر ويستيطع رؤية إيجابية للسعودية فيقول: للأسف أجبرتنا إيران على التمسّك بالسعودية لمنع تمدّدها. كما لا أثق بمن لا يتذكّر الراحل العظيم حافظ الأسد إلا عندما يريد الغمز من لحظة ضعف سورية في حرب يجتمع الكون عليها فيقول رحم الله حافظ الأسد وهو يستحقّ الرحمة كلّ ساعة ومع سقوط كلّ شهيد. ولا أثق بالذين يدّعون الوقوف في خندق الحرب السورية مع الجيش والدولة وفي لحظات التحوّلات الكبرى التي تصنعها سورية يشكّكون بحلفائها ويقولون روسيا تبيع وتشتري ويصوّرون عدوّها الأول أميركا كمالك الأقدار الذي لا يهزم ويقولون: «أكيد أن الأميركيين قد انتبهوا لكلّ شيء وخطّطوا له مسبقاً».