الأمين خليل دياب.. الطود الذي لم ينكسر

من رجالات الحزب في عكار، ترد أسماء عديدة، في الوطن والمهاجر، نذكر منها، كامثلة، الأمناء الراحلين وليم بحليس، إبراهيم حنا خوري، ساسين ساسين، ميشال الدورة، سليم متري، حسن عز الدين، أحمد هاشم، مطانيوس جريج، منير خوري، معتذراً عن ايراد اسماء المئات من الرفقاء الشهداء او الراحلين الذين سطّروا وقفات عز، لئلا نقع في خطأ نسيان اي اسم، فهم جميعهم باقون احياء في تاريخ حزبهم وفي وجدان كلّ قومي اجتماعي.

من بين تلك الكوكبة المناضلة، يبرز الأمين خليل دياب طوداً لم ينكسر رغم كلّ عذابات الأسر، وما تعرّض له من تعذيب وحشي تحدث عنه الأمينان عبدالله سعاده وفؤاد عوض في مذكراتهما.

كان الامين خليل اعتقل في الشام اثر الانقلاب ووُضع في سجن اللاذقية قبل ان يُنقل الى «سجن المزة»، بعد ذلك جرى تسليمه الى السلطات اللبنانية التي زجّت به في ثكنة الامير بشير.

في الصفحة 132 من مؤلفه «اوراق قومية» يقول الامين د. عبدالله سعاده: «وفي زيارة للمحقق نجيب كفوري سبقتها حفلة تعذيب خاصة اذ استُدعيت من زنزانتي الى الطابق الثالث في بناية المهاجع، وكانت غرفها خالية، فشاهدت في غرفة كبيرة الرفيق خليل دياب مكوماً ككتلة من لحم، غير قادر على الحراك».

رغم ذلك، رغم كلّ ما إنهال على رأسه وعلى جسده من سياط وضربات من عصي حديدية وخشبية لم يلفظ كلمة آخ، لم يكشف عن اسم رفيق شارك في الانقلاب 1 ، لم يتوسل ولم تهطل منه دمعة.

كانت، فقط، عيناه تبرقان بالعز، وشفتاه تتمتمان لسعاده، وقلبه يدق هتافاته لسورية.

عرفته سنديانة من إيمان وثبات ومناقب، وإستمر كذلك، وان اختلفنا حزبياً، وتباعدت بيننا المسافات الإدارية، إنما كنت دائماً، إذ ألتقيه، أعبطه بالحب، وأثق بمكنونات أعماقه وأجد فيه أصالة الانتماء، وصدق التعاطي وعنفوان الرجال.

لم أعرفه قبل الثورة الإنقلابية، إنما عرفت عنه في وقفات الرجال في المعتقلات وفي المحاكمة. وعرفته جيداً بعد أن خرج من الأسر، وقد قضى محكوميته 5 سنوات ، فإنضم إلى اللجنة المركزية التي كان يرأسها الأمين عبدالله محسن، مسؤولاً إدارياً معنياً بمتابعة منفذيات الكيان اللبناني، يعاونه بمثابة «وكيل»، الأمين سليم متري .

في تلك الفترة من ستينات القرن الماضي، تولى إدارة الحزب في لبنان مفوض عام، فلجنة مركزية، مرجعها في البدء الإدارة العامة المؤقته في عمّان، ثم رئيس الحزب الموقت، الأمين عصام المحايري، بعد أن حلت الإدارة العامة نفسها وإختارته رئيساً مؤقتاً في أصعب الظروف الأمنية في الشام.

التقيت به كثيراً، وترافقنا كثيراً. قد تنفر للوهلة الأولى من قسمات وجهه، القاسية، إنما إذ تغوص في أعماقه فأنت لا تجد سوى القلب النقي والإلتزام الصادق بالحزب الذي رهن له، كلّ وجوده.

لا يعرف المداهنة ولا الرقص على الألفاظ. واضح، صريح، جريء، محب. إن قدم رأياً، فإنطلاقاً من تقديره لمصلحة الحزب، وإن واجه رأياً معارضاً، فمن أجل مصلحة الحزب أيضاً، كما هو مقتنع به، لا بناء لأي منفعة أو محاباة شخصية.

هو من بيت أصيل في النضال والتضحية، منزله عام 1958 تعرّض للدمار. فيه وحوله إستشهد شقيقه الرفيق عقل، والرفيقان حنا عيد وجليل دياب.

وفي الحرب اللبنانية سقط شقيقاه شهيدين: الرفيق التاجر المعروف في طرابلس حنا دياب، والرفيق المحامي جبران دياب، فما أثرت في نفسه الجراحات، ولم توهن في عزيمته فقدان الأحبة، ولم يجعله ذلك يندم على طريق اختطه، وعقيدة اختارها وآمن بها وسار في درب أشواكها.

سيرته الشخصية حافلة وغنية. ومسيرته الحزبية النضالية تكتب في مجلد وأكثر. ففي كل حدث له حصة، وفي كل وقفة عز، له وقفات.

ولد الأمين خليل دياب في عدبل في أول آذار 1923 .

دخل سلك الجمارك السوري اللبناني عام 1943.

إنتمى إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي في مدينة حلب بتاريخ 01/03/1945، دفعه الى ذلك معرفته القوية بالشهيد الصدر عساف كرم وبالامين عمر ابو زلام.

خلال عمله في الجمارك، خدم في القامشلي والجزيرة، وكان على اتصال دائم بالشهيد غسان جديد خلال عمله ونشاطه الحزبي، كما تفيد الرفيقة نضال حنا دياب، ثم انتقل في خدمة الجمارك الى «بنت جبيل» وغيرها، حيث كان يعمل على بث روح المقاومة في شعبنا ضد الاحتلال الصهيوني.

في الخمسينات، نقل الى المركز الجمركي في بيروت، وكان معه الرفيقان حسن الاحدب 2 وبشور الديك 3 .

إقترن من الرفيقة نجلا سليمان عام 1949.

شارك في الثورة الإنقلابية وأسر لمدة خمس سنوات وخمسة ايام ما أدى إلى خسارة وظيفته في الجمارك.

توضح الرفيقة نضال دياب ان الامين خليل دياب وخلال عمله في مديرية عدبل، شجع على تأسيس فرقة 22 ايار الفنية، تخليداً لذكرى الشهداء، وكانت مدربتها الرفيقة كاتيا سمعان. وفي عكار كان له حضوره المتقدم على الاصعدة الشعبية والسياسية والاجتماعية، وكان في كل تصرفات يعبّر بامتياز عن فكر انطون سعاده. مؤدياً دوراً بارزاً للحفاظ على العلاقات الودية بين ابناء عكار، وعلى الوحدة الاجتماعية، بإبعاد كأس الحرب الاهلية وامتداد شراراتها الى بلداتها وقراها. حرص الامين خليل ايضاً على ان تكون له علاقات وطيدة مع الاحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية .

بعد خروجه من الأسر تولى في الحزب الكثير من المسؤوليات الحزبية:

مسؤولاً إدارياً عميد داخلية عضواً في اللجنة المركزية في لبنان، في فترة العمل السري في الستينات، وبعد خروجه من الاسر.

عميداً للدفاع عام 1971 .

منفذاً عاماً لعكار عام 1976 .

مديراً لمديرية عدبل عام 1980 .

مندوباً مركزياً لشمالي لبنان عام 1981 .

عميداً للداخلية ومفتشاً إدارياً مركزياً، وعضواً في هيئة الطوارئ العليا عام 1998 .

منح رتبة الأمانة عام 1980، ومنح وسام سعاده.

انتخب عضواً في المجلس الأعلى، ورئيساً له لثلاث دورات.

على صعيد العمل، تسلم إدارة شركتين في مرفأ طرابلس: يونيفرت، واوتراكو ، ومديراً للوكالة البحرية.

وفاته:

وافت المنية الأمين خليل دياب في 3 آب 2001، وفي اليوم التالي شيعه حزبه السوري القومي الاجتماعي، بلدته عدبل، قضاء عكار والشمال اللبناني بمأتم رسمي وشعبي حاشد قلما شهدته عكار.

حضر المأتم محافظ الشمال ناصيف قالوش ممثلاً رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، النائب جهاد الصمد ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، العميد وليم مجلي ممثلاً نائب رئيس الحكومة عصام فارس، ممثل عن رئيس جهاز الأمن والإستطلاع السوري اللواء الركن غازي كنعان، والنواب: محمد يحيي، وجيه البعريني، جمال إسماعيل، سليم سعاده، والنائبان السابقان فوزي حبيش واسطفان الدويهي، وقائد سرية درك عكار المقدم بسام الأيوبي، والرائد محمود الأسمر مسؤول مركز مخابرات الجيش اللبناني في عكار ووفد من قيادة الحزب السوري القومي الإجتماعي، وممثل عن النائبة نايلة معوض، والدكتورة مي عبدالله سعاده، كما شارك في المأتم أمين فرع عكار في حزب البعث العربي الإشتراكي شحادة العلي على رأس وفد من قيادة الفرع والبعثيين في عكار، ورئيس التنظيم القومي الناصري سمير شركس، كما حضر مسؤولو الفصائل الفلسطينية في الشمال، والمحامي بطرس سكر ورؤساء البلديات والمخاتير وفاعليات تربوية ونقابية واندية وجمعيات وحشد شعبي.

ترأس الصلاة راعي أبرشية عكار وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران بولس بندلي وعاونه المطران أبو زخم والأسقف يوحنا اليازجي وعدد من الكهنة.

وبعد القداس ألقى المطران بندلي عظة باسم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس اغناطيوس الرابع هزيم تحدث فيها عن مزايا الامين الراحل وعطاءاته ناقلاً التعازي باسم البطريرك هزيم.

ثم كانت كلمات أكدت على مناقبية الأمين خليل وتاريخه النضالي الحافل بالعطاءات. بعد ذلك ألقى المهندس الرفيق عقل حنا دياب كلمة آل الفقيد شكر فيها كل من واسى العائلة بالراحل.

ووضعت قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إكليلاً من الورد باسم الدكتور جورج حبش .

مديرية المتحد

تستحق عدبل ان يُكتب تاريخ العمل الحزبي فيها، وان تتمّ الاضاءة على المعارك التي تعرّضت لها او خاضتها، وان تدوّن سيرة ومسيرة كلّ من الرفقاء الشهداء فيها ورفقاء آخرين، ناضلوا واستمروا على إيمانهم وتفانيهم والتزامهم ويصحّ ان نطلق عليهم تسمية الشهداء الأحياء، وهذه دعوة نوجهها الى مديرية عدبل، مبدين استعداد لجنة تاريخ الحزب للمساهمة في ما يحقق هذا الواجب.

من الكثير نعرض هذا القليل، الغني بمآثره، ودلالاته.

كان لحضور الامين خليل دياب اثره الايجابي في جعل مديرية الحزب في عدبل تقوم عن مؤسسات الدولة والبلدية، بكل ما ينظم حياة المواطن. فلم يقتصر عمل المديرية على الشأن الحزبي، انما تطرّق الى شؤون المتحد، من طرقات ومياه وكهرباء وغير ذلك.

في تحقيق نشرته مجلة «صباح الخير» بتاريخ 10/10/1981 يروي رئيس اللجنة الشعبية في عدبل الرفيق الراحل موسى دياب ان اللجنة تمكنت من تحقيق المشاريع التالية:

ضبط عيارات المياه وقطعها عن اي مواطن مخالف، وقد اجبرنا على القيام بهذا الدور لغياب مصلحة المياه، وعدم قيام الموظف المختص.

ضبط اوضاع الكهرباء، وتحريم الانارة غير الشرعية، لغياب الرقابة الشرعية كليا.

إقامة حملة رش مبيدات حشرية لغياب دور وزارة الصحة.

القيام بحملة نظافة عامة شملت مداخل القرية وازقتها.

حملة توعية عامة لتنبيه المواطن وضرورة وجود الوعي لديه.

إنارة الشارع العام

هدم بعض المنازل المخالفة على الطريق العام بالرغم من وجود بلدية .

وهي تخطط لتنفيذ مشاريع اخرى، منها:

مشروع مستوصف شعبي للبلدة وللقرى المجاورة. وهو بداية تحرير للمواطن من ظلم بعض الاطباء وارتفاع اسعار الادوية.

انشاء حديقة عامة مساحتها حوالي الف متر مربع.

وفي عددها بتاريخ 22/05/1982 نشرت مجلة «صباح الخير-البناء» عن المهرجان الذي اقامته اللجنة الشعبية في عيد العمل، ونظمت الى جانبه حملة إزالة الأشواك، تنظيف الطرقات وعين القرية المخصصة للشرب والساقية المؤدية الى القرية، والاعتناء بالنصوب الحرجية المزروعة منذ اشهر .

هوامش

1 – بعد حفلة تعذيب تعرّض لها في السجن الانفرادي، دون ان يفشي بايّ اسم من الذين شاركوا في الانقلاب، قال له الملازم سامي الخطيب: «كذلك.. لا تعرف اسم قريبك حميد دياب!؟

2 – حسن الاحدب: نعد عنه نبذة تعريفية، نأمل ان نعممها في وقت غير بعيد. والد الرفيقة منى عقيلة الامين حيدر الحاج اسماعيل والرفيقة فدى.

3 – بشور الديك: شقيق الرفيق الشهيد ميشال. استقر في الاشرفية، واستمرّ على إيمانه الحزبي حتى الرمق الأخير.

التاريخ النضالي للامين خليل دياب لا تختصره هذه النبذة. يستحق الامين خليل ان يصدر عنه مؤلف يحوي سيرته الشخصية الغنية، ومسيرته الحزبية الأغنى. الى هذا ندعو مديرية عدبل. انما نحن في هذه النبذة نكتفي بتقديم تعريف متواضع عن الامين خليل، اذ انّ انصراف اللجنة، بضآلة جهازها، الى متابعة مئات المواضيع الخاصة بتاريخ حزبنا، يجعلها عاجزة عن إيفاء كلّ من الرفقاء المناضلين الذين تكتب عنهم حقهم في الشرح الوفير. حسبها بذلك ان تقدّم تعريفاً، وان تدعو المعنيين الى المساهمة في صدور النبذة الغنية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى