مختصر مفيد
– يتداخل السياسي بالعسكري بالشعبي والمعنوي بالمادي، في فهم النصر والهزيمة بعد كل حرب، فزمن الانتصارات القائمة على إبادة جيش العدو في منطقة مفتوحة واستسلام قادته قد ولّى، كما ولّى زمن النصر الواضح الحاسم في الحروب الحديثة منذ نهاية حرب فييتنام والانسحاب الأميركي المهين منها. وصار للنصر والهزيمة علاقة بمعادلات ترسم حدودها معايير علم حاسمة في الاستراتيجية وليس مجرد فرضيات عائمة.
– الحرب فعل تقوم به الجيوش، والجيوش قوة استراتيجية للدول، والقيمة الاستراتيجية للجيوش لا تتحدد بسلاحها ومالها وعتادها وعديدها ومعنوياتها، كقوة صافية، بل بما يوفره كل ذلك لصاحب القرار وصانعه من قدرة على اتخاذ قرار حرب. فجيوش الخليج كلها بقيمة استراتيجية صفر لأنها على رغم كل ما تملك من سلاح ومال وعتاد، لا تمكن صاحب قرارها من الذهاب إلى حرب.
– يقاس النصر والهزيمة بعد كل حرب بتأثيرهما على القيمة الاستراتيجية للجيوش التي خاضتها، فهل زادا أز أـنقصا مما يوفراه من فرص للذهاب إلى الحرب. والجيش الذي يخرج بفرص قدرة الذهاب إلى الحرب أضعف مما كان قبل الحرب مهزوم، والجيش الذي تتسع فرص قدرته الذهاب لحرب جديدة بعد آخر حروبه يكون قد خرج منتصراً.
– الجيش الأميركي هزم في العراق لأنه خرج بفرص أقل للذهاب إلى الحرب، على رغم أنّ خسائره المادية لا تعادل إنتاج يوم واحد من مصانع دباباته وأسلحته، والجيش «الإسرائيلي» خرج من حرب تموز 2006 مهزوماً، لأنه خرج بفرص أقل للقدرة على خوض حرب جديدة، على رغم أنّ خسائره البشرية والمادية لا تقارن بخسائر لبنان.
– الجيش «الإسرائيلي» خرج بما هو أسوأ من الهزيمة من حرب غزّة، لأنه خرج من حساب الحروب بعدها، فهو أعجز عن تكرار الحرب نفسها، وكل ما عداها من حروب مفترضة أشد تعقيداً منها، هذه حقيقة لا يغيرها حجم الدمار والموت اللاحقين بغزّة.
– ترميم الجيوش وأخذ العبر والدروس من الحروب، ليسا أمرين قابلين للتكرار لعدة مرات، على طريقة لعبة الشطرنج، فنعيد رصف الحجارة ونقول لنبدأ من جديد، لأن معنويات المتحاربين بعد كل جولة هي حجر الأساس في الجولة التي تلي.
– رمّم الرئيس الراحل حافظ الأسد جيشه من نتائج هزيمة عام 1967 المدمرة، بين عامي 1970 و1973 وخاض به حرباً منتصرة. ورمّمت «إسرائيل» جيشها بين عامي 2000 و2006 وخرجت بهزيمة أشد وأقسى، وأعادت الترميم بين عامي 2006 و2014 وخرجت بأمّ الهزائم.
– إعادة بناء التوازن الاستراتيجي بعد المتغيرات والتحولات في علاقات الدول المتحاربة، ليست ترفاً يقوم به مفكرون يمارسون هواية صناعة المعادلات، بل فعل قادة يكشفون بعبقرياتهم من هي الأمم التي يمثلون نهضتها ودرجة قابليتها للحياة.
– نجح الرئيس الراحل حافظ الأسد بإعادة التوازن الاستراتيجي بعد «كامب ديفيد» وخروج مصر، وبعد اجتياح «إسرائيل» للبنان، فبنى ترسانة كيماوية في زمن الحرب الباردة والتوازن الدولي لحماية بقائه منفرداً في وجه «إسرائيل»، واستند لكثافة سلاح الصواريخ وتوزعه في مواجهة تفوق سلاح الجو، واستثمر على نموّ المقاومة وقوتها لاستنزاف «إسرائيل»، وعلى العلاقة مع إيران بديلاً من تمويل خليجي لن يأتي.
– فشلت «إسرائيل» في إعادة التوازن الاستراتيجي بعد حرب تموز 2006 بالاستثمار على القبة الحديدية التي ثقبتها تكتيكات إطلاق صواريخ المقاومة، وبالرهان على ردّ الاعتبار للقدرة البرية بترميم ألوية النخبة وفي مقدّمتها لواء جولاني، وهو اللواء الذي صار خارج الحرب من ايامها الأولى بإصابة قادته ومقتل قائده على يد المقاومين.
– أنشأت المقاومة في غزّة عبقرية حربها، بابتكار الأنفاق وتطويرها من أداة نقل البضائع والسلاح في زمن إغلاق المعابر وتضييقها، بتحويلها إلى ممرات وغرف عمليات ومنصات للصواريخ، وصارت طرقاً بديلة لبلوغ جيش الاحتلال بعيداً عن رقابته ونظره، وابتكرت التصنيع الصاروخي في مدن تحت الأرض، لا تتوقف على رغم الحرب، فصارت حرب الاستنزاف حربها، وأسقطت بهذين الابتكارين القبة الحديدية وألوية النخبة وصولاً إلى تهجير مستوطنات جوار غزّة.
– يظهر الرئيس بشار الأسد كأهمّ قادة الحروب المعاصرة، فقد أحسن استخدام السلاح الكيماوي، وفقاً لقاعدة أنّ الأسلحة نمتلكها لنستخدمها في تحسين وضع جيوشنا الاستراتيجي، والسلاح الكيماوي سلاح تفاوضي أو ردعي وليس سلاحاً قتالياً، فاستخدم خير استخدام في ردع الحرب والتفاوض، و بالمقابل تجاسر وكسر معادلات «سايكس بيكو» بفتح الباب للمقاومة اللبنانية ومناصريها من العراق بضرب خط الحدود من الجهتين العراقية واللبنانية، لمساندة الجيش السوري وصناعة الانتصارات معه.
– سيكتب للرئيس بشار الأسد ابتكار التوازن الاستراتيجي السلبي، سواء بمعادلة الكيماوي مقابل الحرب، أو معادلة الإرهاب الذي جلبتموه لقتالنا سيصير همكم الأول، وسبب انفتاحكم علينا، يكفينا الصمود حتى تسمعون صراحكم بآذانكم.
– إدخال القدرة على بذل الدماء مكافئاً لقوة النيران كانت ابتكار سيد المقاومة في حرب تموز وحققت النصر وغيّرت قواعد الحرب. وابتكار الزجّ بعمر الدول وتاريخها في التفاعل بين المكوّنات الحضارية، يعود للرئيس بشار الأسد بإسقاط الرهان على نجاح التطرّف والفتن بالفتك بالوحدة الوطنية للسوريين، ليصير النموذج السوري شعباً وجيشاً وصفة حصرية لمكافحة الإرهاب «الداعشي» الذي يرعب العالم.