شراكة الدم الإرهابية الأميركية
سعد الله الخليل
للمرة الثانية في غضون أقلّ من شهر، تستخدم «حركة نور الدين زنكي» الإرهابية السلاح الكيماوي في حلب، بتفجير نفق يحتوي غازات سامة في نقاط للجيش السوري، قرب قلعة حلب في حي العقبة، أدّت إلى استشهاد ستة أشخاص، بينهم عناصر من الدفاع المدني واربعة عشر مصاباً، وذلك عقب اكتشاف الجيش للنفق المغلق من جهة المسلحين، وتدفق الغازات السامة إلى نقاطه، لتظهر أعراض استخدام غاز الخردل على الشهداء والمصابين، وليتكرّر مشهد استهداف الحركة حي صلاح الدين، انطلاقاً من حي السكري الخاضع لسيطرتها، فحصدت سبعة مدنيين ونقل أكثر من عشرين إلى مستشفيات حلب.
لا يمكن إدراج الجريمة الأخيرة للحركة، المسجلة على القيود الأميركية في خانة «الاعتدال المسلح»، في سياق العمليات العسكرية اليومية التي تدور رحاها في معركة حلب، والتي تشهد تسارعا دراماتيكيا في السعي للإطباق على كبرى المدن السورية، حيث يتوقف على نتائجها مصير الحرب على سورية، ومستقبل العملية السياسية وبالتالي، فإنّ في العملية رسائل تقرأ في مجريات معركة حلب بشكل خاص، والمعارك الكلية على امتداد الجغرافيا السورية.
في حي صلاح الدين، استخدمت «حركة نور الدين زنكي» السلاح الكيميائي، بالتزامن مع إعلان «جيش الفتح» ما أسماه «ملحمة حلب الكبرى»، فبدت العملية كإعلان الحركة الولاء والبيعة لـ «قائد الملحمة» السعودي عبد الله المحيسني، عرّاب عودة المياه لمجاريها بين «الحركة» و«جبهة النصرة»، إثر الخلاف الناشب بين الطرفين منذ العام الفائت، ولتمتين عرى التواصل بين الحركة و«النصرة» بحلتها الأميركية «المعتدلة»، بعد فك ارتباطها النظري بـ «تنظيم القاعدة»، فيما يتزامن ضرب الحركة مواقع الجيش بغاز الخردل، مع طرد «قوات سورية الديمقراطية» تنظيم «داعش» من مدينة منبج في ريف حلب، والإعلان الروسي عن توسيع قاعدة حميميم إلى قاعدة روسية دائمة في سورية، وتأكيد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو على أهمية وجود القاعدة الجوية الروسية في سورية، بما يتيح إمكانية محاربة الإرهاب بعيداً عن الحدود الروسية.
إن وصول وحدات الحماية الكردية المكوّن الأساسي لـ«قوات سورية الديمقراطية» إلى منبج، وتأسيسها قاعدة كردية في المدينة، التي تبعد عن حلب أقلّ من مئة كيلو متر، يعني اقترابهم من مسرح العمليات الكبرى في حلب، ولا يفصلها عنها سوى مدينة الباب، التي أعلنت الوحدات حشد قواتها لطرد تنظيم «داعش» منها، وبالتالي، فإن استهداف الحركة حلب بغاز الخردل، يرسل إشارات التنبيه التركية بأكثر من اتجاه، وإن كان أبرزها صوب الأكراد، لأن رسائل أنقرة تصبّ في صندوق بريد واشنطن وموسكو، التي أعلن وزير دفاعها بأنّ قاعدتها في سورية جزء من حرب موسكو ضدّ الإرهاب، بعد أن وصلت موسكو إلى قناعة بعدم التمكن من إيجاد أرضية مشتركة مع واشنطن في عملية تبادل المعلومات حول «المعارضة المعتدلة» في سورية، مكرّراً السؤال الروسي أين «المعارضة المعتدلة»؟ مؤكداً أنّ رؤية موسكو لا تقبل اعتبار الإرهابيين الانتحاريين «معتدلين» يحاربون من أجل «مستقبل وضاء».
أصرّت «حركة نور الدين زنكي» على ضرب الجيش بغاز الخردل، لتقول لواشنطن أنا الطرف الأقوى في حلب والمسيطر على الأرض وما تحتها وما فوقها، ولضمان مشروعكم على الأرض، لا مجال لتجاهل وجودي، فيما قرأت موسكو الخطوة من بوابة ما قاله الرئيس التركي في موسكو قبل أيام، عن التعاون في مكافحة الإرهاب، لتدرك بأنه لا يتعدّى الكلام الانشائي العديم المعنى على الأرض، فمضت في معركتها من دون أن تعوّل على تعاون لا تركي ولا أميركي.
وبالرغم من أنها ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها المواد الكيميائية في المنطقة، اذ تكرّرت عامي 2012 و 2014، عبر رمايات للمسلحين على نقاط الجيش بقنابل فوسفورية، فقد تعمّدت واشنطن التعتيم على نتائج التحقيقات، وأبرزها في خان العسل، حيث منعت أيّ إجراء فعلي بحق مرتكبي جريمة استخدام المواد السامة، واتهمت الحكومة السورية بارتكاب المجزرة، واليوم تعود الى الأسلوب نفسه بمنع إدانة «حركة نور الدين زنكي»، بل تلمّح إلى اتهام الحكومة أيضاً، وفق تصريحات الناطقة باسم الخارجية الأميركية اليزابيث ترودو، بأنّ استخدام دمشق للسلاح الكيميائي، في حال تأكد، يشكل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي، وخرقاً لميثاق معاهدة الأسلحة الكيميائية، التي وقعت عليها سورية، وانتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 .
تدرك ترودو وكلّ أركان الخارجية الأميركية والبيت الأبيض ومن لفّ لفيفهم من مؤسسات أميركية، بأنّ الجيش السوري لم يستخدم السلاح الكيماوي ضدّ جنوده وإنْ أصرت واشنطن على اعتبار الحادث موجهاً ضدّ المدنيين، لحشد التأييد لمواقفها والتعمية على ممارسات حليفتها الحركة الإرهابية «المعتدلة» نور الدين زنكي، ما يضع الأميركي في موقع الشراكة في سفك الدم السوري.