القاذفات الروسية تبدأ من إيران… سراقب بلا مدنيين والراموسة بلا مسلحين مصر لوراثة هادئة للسعودية لبنانياً… والتمديد لقهوجي وخير قيد الإعلان
كتب المحرّر السياسي
بينما يتنقل وزير الخارجية الأميركية جون كيري بين هاتف وآخر، مستطلعاً ومبرماً اتفاقاً ومن ثم متراجعاً عنه، على ضفاف الحرب في سوريا، من حديث مع وزير الخارجية الروسية وآخر مع وزير الخارجية التركية، تتقدّم التفاهمات التي عقدها الروس والإيرانيون فيما بينهم، وأمنوا ظهرها بالتفاهم مع تركيا، فتنطلق الحملة الجوية الروسية من قواعد إيرانية للمرة الأولى في تحرك روسي جوي حربي من خارج الأراضي الروسية لقاذفاتها الاستراتيجية، كما هي المرة الأولى التي تفتح المطارات الإيرانية لغير سلاح الجو الإيراني منذ انتصار الثورة الإيرانية، ليظهر ذلك فوق ما تحمله القاذفات من حمولات نارية نوعية ودقة في الإصابة والتعامل مع الأهداف، رسائل ومعانٍ تتخطى المرحلة الجديدة من العملية العسكرية النوعية التي بدأها الفريقان معاً في شمال سوريا منذ مطلع هذا الشهر، والمرشحة للتصاعد حتى نهايته، كموعد مرتقَب لنضج عناصرها ودخولها مرحلة جديدة، بدأت بوادر الميدان العسكري تبشر باقترابها، مع استعادة الجيش السوري والحلفاء لكامل مجمع شقق 1070، ونجاح الصواريخ الذكية بتدمير كل مواقع الجماعات المسلحة في دوار الراموسة، الذي بقي فارغاً تحت السيطرة النارية للجيش السوري، بينما تعرّضت غرف عمليات جبهة النصرة في سراقب والأثارب لسلسلة غارات جوية، أدّت إلى عدد كبير من القتلى والجرحى بين صفوفهم وتوقعات من المواطنين بقرب ساعة الهجوم على محور سراقب جسر الشغور ترجموه رحيلاً جماعياً من المدينة، بينما توقعت مصادر المسلحين أن يكون الهدف هو عزل إدلب عن جنوب حلب لإكمال الطوق على الجماعات المسلحة التي غادرت إدلب نحو جنوب حلب، فتقطع خطوط إمدادها، بعدما نجح الجيش السوري بإمساك زمام المبادرة في محور كنسبّا شمال اللاذقية، وصارت طريقه نحو جسر الشغور سالكة.
لبنانياً، يبدو الحراك نحو ترتيب منصات التفاوض الدولي الإقليمي حول الرئاسة اللبنانية قيد التحضير، مع تولي مصر المقعد السعودي، في ظل عجز الرياض عن الدخول على خطوط التسويات، فجاءت زيارة وزير الخارجية المصرية سامح شكري إلى بيروت بطابعها الاستطلاعي، لتطرح السؤال حول ما إذا كانت الوراثة المصرّة للسعودية منسّقة معها، أم هي وراثة باردة لا تستفزّ لكنها تمهّد بهدوء لوساطة غير مباشرة تديرها القاهرة مع الرياض، بالتنسيق مع واشنطن وباريس وموسكو، عندما تنضج الظروف وتدق الساعة.
على الصعيد الداخلي، توقف المراقبون أمام تأكيد حزب الله وتيار المستقبل على الدعوة لتسريع التوصّل لقانون جديد للانتخابات النيابية من دون أن يعرف مدى تعبير الإعلان عن بدء حوار جدي بين الطرفين يقترب من تفاهم على خطوط عريضة لهذا القانون، أم هو من باب رفع العتب وتأكيد المؤكَّد، لأن التفاهم الذي ينتظره الجميع هو بين الفريقين نفسيهما وليس بين مَن يتوجّه إليه بيانهما المشترك.
على مستوى التعيينات العسكرية تبدو قاطرة التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي وللأمين العام لمجلس الدفاع اللواء محمد خير، قريبة من الإقلاع، بعدما حسم موقف التيار الوطني الحر كمعارض رئيسي للتمديد، بعدم الإقدام على خطوات تصعيدية، والاكتفاء بتسجيل الموقف الرافض للتمديد.
زيارة شكري منسقة مع السعودية
حاول الكثير من الأفرقاء السياسيين تحميل زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري أكثر مما تحتمل. لا تزال مصر تعيش مرحلة ضياع استراتيجي سواء في علاقاتها العربية أو الإسلامية أو الإقليمية او الغربية، لا تزال غير قادرة على إنهاء الخطر الذي يمثله الإرهاب في سيناء. لم تتجرأ على عبور حد معين لمقاربتها السورية، لم تعترف لسورية أنها تحارب الارهاب نفسه الذي تحاربه مصر. بقيت محافظة على سياسة الصمت بتعاطيها مع الأزمة السورية لإرضاء السعوديين.
تبحث مصر عن مكان ودور إقليميين فقدتهما ولا تستطيع ان تسترجعهما، ربما تستفيد مصر من الزيارة اللبنانية لوزير خارجيتها لا سيما لما تمثله بيروت من استقطاب للإعلام بخاصة في ظل الفراغ الرئاسي.
وأكدت مصادر عليمة لـ «البناء» أن الزيارة المصرية تحتمل فرضية أن تكون منسقة مع السعودية، باعتبار أن الرياض انسحبت من الساحة اللبنانية بشكل نهائي سياسياً واقتصادياً، فعمدت إلى إدخال القاهرة مكانها كي لا تُخلي الساحة نهائياً للنفوذ الإيراني.
وشددت على «أن الزيارة لا تتعدّى الاستطلاعية فهي لا تحمل أي مقترح جدي أو تنسيق إقليمي وليس أمامها فرص نجاح. فالعقبات أمام الدور المصري لا تجعل من مبادرته سهلة، ولا يمكن تحميل الزيارة أكثر مما تحتمل. وإذ لفتت إلى «أن العلاقات مع المكوّنات اللبنانية ليست جدية، غمزت من الموقف المصري السلبي من حزب الله، واستباق مصر زيارة شكري بإحالة حمدين صباحي وأبو الفتوح إلى المحاكمة بتهمة التخابر مع حزب الله بعد مشاركتهما في مؤتمر عقد في لبنان ولقائهما مسؤولين من حزب الله».
وأشار مصدر مطلع لـ «البناء إلى «أن أي محاولة لبنانية لتكبير حجر زيارة وزير الخارجية المصري ووضعها في إطار وقائع تجافي الواقع وموقع مصر وقدرتها على التأثير تبقى محاولة لبنانية متضخمة لا اساس لها من الصحة».
ولفت المصدر إلى «أن آخر دور جدي لعبته مصر في لبنان كان خلال عملية الانتقال في دار الإفتاء وانتخاب المفتي عبد اللطيف دريان التي رعتها مصر عبر الوزير السابق عبد الرحيم مراد. وهذه الوساطة ليست بحجم انتخابات رئاسية في لبنان، لكن ثبت أن المسؤولين المصريين عاجزون عن تنفيذ التزاماتهم الكلامية، ولذلك هم أضعف من أن يؤدوا دوراً في أزمة الفراغ الرئاسي، فمصر ليست على مسافة متساوية من الأطراف كلها، ولا تعرف الملف بحقائقه، فضلاً عن أن الحقبة الحالية تختلف عن حقبة الرئيس السابق حسني مبارك ورئيس الاستخبارات عمر سليمان لجهة انتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان رغم أنه لم يأت بجهد مصري مباشر.
وكان شكري استهلّ يومه الأول بلقاء الرئيسين نبيه بري وتمام سلام ووزير الخارجية جبران باسيل، مؤكداً «حرص مصر على التواصل المستمرّ مع المكوّنات اللبنانية كافة». ولفت الى أن مصر تتطلّع إلى أن تلعب دوراً إيجابياً لمساعدة الأطراف كافة في التوصل الى تسوية لاستحقاق الرئاسة، مؤكداً أن أي دور تقوم به مصر يكون بتعاون ومشاركة القوى كافة في لبنان، مضيفاً «نشعر مع لبنان بالفراغ الرئاسي الذي يعيشه وهذا الأمر مرهون بالتوافق بين اللبنانيين».
موفد للراعي في عين التينة
وعلى صعيد الحراك الداخلي رئاسياً، أوفد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي نائبه العام المطران سمير مظلوم الى عين التينة، حيث التقى الرئيس نبيه بري، وذلك قبل توجّه الراعي الى روما. وإذ دعا لإنهاء الحروب وعودة النازحين، لأن لبنان لم يعد يحتمل، أكد «اننا في حاجة لمصالحة سياسية جديدة، وهذا يتم عندما يضع كل السياسيين عندنا مصلحة لبنان فوق كل اعتبار، أي عندما يخرجون من مصالحهم الشخصية التي هي على حساب الخير العام».
جلسة التمديد لخير؟
إلى ذلك، تتجه الأنظار إلى يوم غد الخميس، حيث من المتوقع أن يؤجل وزير الدفاع الوطني سمير مقبل تأجيل تسريح الأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء الركن محمد خير مرة ثانية قبل ان يحال الى التقاعد في 21 آب الجاري في خطوة تمهيدية للتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي في 30 ايلول المقبل. وتشير مصادر وزارية الى «أن قرار مقبل تأجيل التسريح سيصدر إذا تعذّر على مجلس الوزراء البتّ بالموضوع في حال تعذر التوافق على تعيين بديل عن خير».
ورجّحت مصادر وزارية عدم الاتفاق في مجلس الوزراء على تعيين اسم لمنصب رئيس المجلس الأعلى للدفاع ما سيدفع وزير الدفاع الى التمديد للواء خير، متوقعة أن يكون التمديد لخير مقدمة للتمديد لقائد الجيش الحالي جان قهوجي في منصب قيادة الجيش.
وتوقعت المصادر لـ «البناء» معارضة بعض الوزراء للتمديد، لكنها أكدت أنه إذا تعذّر التعيين، فإن وزير الدفاع سيلجأ الى التمديد للواء خير ولاحقاً لقائد الجيش الحالي، ومشددة على أن مجلس الوزراء لن يسمح بحصول فراغ في أي من المؤسسات الأمنية تحت أي ظرف من الظروف، وخصوصاً في ظل الوضع الأمني الذي يعيشه لبنان لا سيما خطر الإرهاب على الحدود وفي الداخل. وحذّرت المصادر من أن أيّ خضة في الحكومة ستؤدي إلى تراجع حظوظ العماد ميشال عون في رئاسة الجمهورية، بسبب التشنج في العلاقات السياسية بين مكوّنات الحكومة والقيادات السياسية ما ينعكس سلباً على حل الملف الرئاسي. وتساءلت المصادر: هل هناك حكومة كي تتفجر؟ هناك وزراء لكن لا توجد حكومة.
وعن موضوع الاتصالات، لفتت المصادر الى أن «هذا الموضوع مطروح على جدول أعمال الجلسة، لكن لن يتوصل المجلس الى نتيجة بسبب الخلافات المستحكمة بين الوزراء الذين تحوّلوا جميعاً خبراء في الاتصالات والذين يطبقون المثل القائل: «الفخار يكسر بعضو»، بينما الأمر يحتاج الى لجنة من الخبراء التقنيين في الاتصالات والإنترنت لبت الموضوع».
التغيير والإصلاح: نرفض التمديد بلا تصعيد
وأكدت مصادر في تكتل التغيير والاصلاح لـ «البناء» أن «التيار الوطني الحر في المبدأ ضد التمديد، ولا نرى أن هناك أسباباً قاهرة تفرض التمديد للقادة العسكريين، لا سيما أن كلمة الفراغ لا تصح على المؤسسة العسكرية». ولفتت المصادر في الوقت نفسه الى أننا لن نصعد، فالبلد لا يحتمل، نحن نعتبر أن الاستقالة وتعطيل الحكومة ضررهما أكبر من التمديد. وأشارت المصادر إلى «أن اجتماع التكتل أمس، شهد انقساماً بين من يدعو الى الاستقالة ومقاطعة جلسات الحكومة، وبين من دعا الى الأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة في ظل الظروف الراهنة. ورأت المصادر إلى «أن استقالة وزيري التيار الوطني الحر لا تطيح بمجلس الوزراء».
واعتبرت مصادر مطلعة لـ «البناء» «أن الجنرال ميشال عون أجرى تقييماً خلال اجتماع التكتل لمسار الأمور، في ما لو اتخذ قرار الاستقالة من الحكومة، وحصل توافق بين غالبية الحاضرين، على تأكيد الموقف المبدئي الرافض للتمديد، وتجنب ردات الفعل العنيفة التي لن تعطي أية نتيجة في الوقت الحاضر». ورأت المصادر أن الجنرال لا يريد توتير العلاقات مع المكوّنات السياسية، وفتح سجالات ومشاكل وبطولات لن تؤدي الى نتائج».
وفي السياق، أكد أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب ابراهيم كنعان بعد اجتماع التكتل موقف التكتل من قيادة الجيش مع التعيين أنه واضح وهو مع التعيين ضد التمديد، قائلًا: نحن مع التعيين في أي لحظة لانه المبدأ السليم. ورأى أن العودة إلى الدستور والقانون هي المبادرة الأساسية للحل وإعادة النظر بالإمور العالقة. وعلمت «البناء» ان التكتل استفاض في مناقشة الوضع الاقتصادي، وملف الميكانيك، قضية كاميرات بلدية بيروت والعقود التي اعطيت لتيار المستقبل، وناقش الاجتماع في تعميمات مصرف لبنان المركزي في ما يتعلق بضخ الدولار في المصارف.
وجلسة حوار ثنائية
ناقشت جلسة الحوار الـ 30 بين «حزب الله» و «تيار المستقبل»، مساء امس في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة التطورات السياسية، والاستحقاقات الدستورية وقانون الانتخابات النيابية، وأكد المجتمعون على الحاجة للإسراع في إقراره.
تكمن أهمية الجلسة أنها تأتي بعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وتأكيده الانفتاح على النقاش في رئاسة الحكومة بعد انتخاب العماد ميشال عون». وتكمن أهميتها أيضاً أنها تضمّ الوزير نهاد المشنوق المؤيد لانتخاب الجنرال عون، ومستشار الرئيس سعد الحريري نادر الحريري الذي هو على تواصل دائم مع الوزير جبران باسيل في شأن الملف الرئاسي وضمان مطالب الرئيس سعد الحريري. ويبدو أن هجوم الرئيس فؤاد السنيورة على الحوار وعلى حزب الله لم يعد ذا تأثير جوهري على وجود ثلاثي الرئيس سعد الحريري والوزير نهاد المشنوق ونادر الحريري باستمرار التحاور الإيجابي مع حزب الله، فالتراشق الإعلامي المستمر عبر أشخاص جانبيين من تيار المستقبل على غرار النائب أحمد فتفت ومسارعته الى الرد على خطاب السيد نصر الله تنفيه بالوقائع استمرار لغة الحوار بين الحزب والمستقبل، الذي تعبر عنها بشكل مباشر الإرادة السياسية للرئيس سعد الحريري باستمرار الحوار.
ولفتت كتلة المستقبل الى ان «مسألة انتخاب رئيسٍ للجمهورية أو انتخاب رئيس مجلس النواب او اختيار رئيس مجلس الوزراء هي أمور وطنية بامتياز، وليست مسائل لتبت كل مجموعة طائفية أو مذهبية بما تظن أنه منصب يتعلق بحصتها أكثر مما يخص غيرها». واعتبرت أن «الكلام الذي صدر عن السيد حسن نصرالله في ما يتعلق بإعادة التمسك بالعماد ميشال عون مرشحاً من قبله، هو من حقه، ولكن هذا الحق لا يخوّله أن يفرضه مرشحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية ويدّعي بالتالي لنفسه الحق الدستوري بتعطيل جلسات مجلس النواب إن لم تتم الاستجابة لرغبته. إنه بذلك يؤكد تسببه باستمرار أزمة الشغور الرئاسي في لبنان».