المقداد لـ«البناء»: نحن أقرب إلى النصر من أيّ وقت مضى… ومعارك حلب أظهرت أكذوبة وجود «معارضة مسلّحة معتدلة»
إعتبر نائب وزير الخارجية السورية الدكتور فيصل المقداد أنّ المواجهة التي يخوضها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في وجه الإرهاب، تعبّر عن مصلحة دولية وإقليمية في حفظ الأمن والاستقرار لدول المنطقة وشعوب العالم كله، بعدما لم يعد ما سبق وحذّرت منه سورية مراراً في بداية الأزمة، رأياً للنقاش، وقد تكفّلت الوقائع بتظهير حجم الخطر الذي يمثّله الإرهاب، بعدما استثمر عليه الذين توهّموا أنهم قادرون على السيطرة على سورية بوساطته.
وكشف المقداد عن تفاهم تامّ وتفصيليّ على الرؤية الخاصة بالحرب بين سورية وحلفائها، خصوصاً الأصدقاء الروس والأشقاء الإيرانيون، ورفقاء السلاح والوفاء في المقاومة، وأن هذه الرؤية تقوم على اعتبار العمل العسكري في وجه الإرهاب، خصوصاً ما يشهده الشمال السوري في هذه الفترة، رديفاً ضرورياً لتأكيد التمسك بعملية سياسية، أيّدتها سورية ولا تزال، سعياً إلى أوسع مشاركة وطنية سورية في هذه الحرب، وتطلّعاً إلى إصلاح سياسيّ وتوافق وطنيّ يثبّتان دعائم الوحدة الوطنية السورية، وينتقلان بالدولة السورية المدنية والعلمانية والمقاومة إلى أعلى مستويات الحداثة والعصرنة، ويستلهمان معايير الديمقراطية والحرّية التي يجد السوريون أنها الأكثر اقتراباً من واقعهم وتاريخهم وجغرافيتهم. فمن دون تصفية الجيوب الإرهابية الموجودة على جزء من الجغرافيا السورية، ومن دون ضمان وحدة التراب الوطني السوري، لا تستقيم عملية سياسية. والحرب على الإرهاب هي التي تتكفل كشف من هم المعارضون الراغبون بحماية بلدهم، والسير به إلى الأمام، والذين تنبع معارضتهم من وطنية صادقة، وليسوا مجرّد أتباع للخارج، أو ظلال لجماعات إرهابية تستعمل اسم المعارضة، لتخريب سورية وتشويه سمعتها، والتشويش على الحرب على الإرهاب، والتسبب بالإرباك على الساحتين السياسية والإعلامية لكل من ينخرط فيها دفاعاً عن سورية أو عن الإنسانية جمعاء، وتصويره طرفاً في صراع داخلي سوري.
كلام المقداد جاء في حديث خاص أدلى به لـ «البناء»، في حوار مع رئيس التحرير دار حول الموقفين الأميركي والتركي من قضايا الحرب في سورية من جهة، والتحالف السوري مع روسيا وإيران من جهة مقابلة.
عن فرص العملية السياسية واستئنافها قال المقداد إنّ سورية رحّبت وترحّب بكلّ مسعى لاستئناف العملية السياسية، وأبلغت كلّ من يعنيهم الأمر، خصوصاً المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، استعدادها للمشاركة في أيّ جولة محادثات جديدة من دون قيود أو شروط مسبقة. وسورية مؤمنة بأن الحوار السوري ـ السوري وحده هو من يحقّ له البحث في شؤون الدولة السورية وصيغة نظامها السياسي والدستوري. وهي تتطلّع بانفتاح وإيجابية الى أيّ مسعى باتجاه هذا الهدف، وتمدّ يدها باستمرار لبلوغ اللحظة التي ينطلق فيها حوار كهذا. لكن وقائع الحرب على مدار السنوات الماضية، خصوصاً في ضوء ما يجري في معارك حلب، تطرح علامات استفهام كبرى حول فرضية وجود «معارضة مسلّحة معتدلة»، وقد ظهرت الجماعات المسلّحة بلا استثناء، سواء من يلتحق منها بـ«جبهة النصرة»، قبل تغيير اسمها إلى «جبهة فتح الشام» وبعده، أو من يحملون أسماء أخرى، ويدّعون التميّز عن الإرهاب، فوقائع المعارك تقول إنّهم جميعاً يقاتلون تحت راية الجماعات التكفيرية الإرهابية وقياداتها، هذه الجماعات التي تتقدّمها «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
وتوجّه نائب وزير الخارجية السورية، نحو الموقف الأميركي من تصنيفات «المعارضة المسلّحة المعتدلة»، لافتاً إلى أن مساعي الأصدقاء الروس طوال شهور ما بعد صدور القرار الأممي 2254، تنشغل بكيفية الحصول على تعاون أميركي في التمييز بين الإرهاب وبين من يسمّيهم الأميركيون «المعارضة المسلّحة المعتدلة»، وما زالت هذه المساعي تراوح مكانها من دون تحقيق أيّ تقدم، بينما يقاتل هؤلاء المصنّفون أميركياً بالاعتدال، جنباً إلى جنب مع «جبهة النصرة».
واستدرك المقداد قائلاً، إن مصداقية الأميركيين على كلّ حال، هي على المحكّ في قبول تصنيف «جيش فتح الشام»، الاسم الجديد لـ «جبهة النصرة»، على لوائح الإرهاب المعتمدة لدى مجلس الأمن الدولي، والاستجابة للطلب الذي تقدّمت به وزارة الخارجية الروسية وعلى رأسها الوزير سيرغي لافروف لهذا الغرض.
عن الموقف التركي واللقاءات الروسية ـ التركية والإيرانية ـ التركية، قال المقداد: يطلعنا الأصدقاء والأشقّاء على كلّ ما يدور في اجتماعاتهم، واتصالاتهم، ويشرحون لنا مساعيهم. ونحن نرى ما تعيشه تركيا من مأزق سياسيّاً واقتصاديّاً ودبلوماسياً وعسكرياً، بفعل الرهانات الخاطئة التي انتهجتها تجاه سورية، وبسبب تورّطها في الحرب التي استهدفت سورية. وتريد سورية أن يُكتب لمساعي الأصدقاء والأشقاء النجاح، في إعادة تركيا إلى الطريق الصحيح الذي يضمن الاستقرار في المنطقة، وينقل تركيا من ضفة الاستثمار على الحرب والخراب ووضع يدها بيد الجماعات الإرهابية، إلى ضفة الشراكة في صناعة السلام والاستقرار. وفي هذا السياق، ننصح القيادة التركية بالتجاوب الصادق مع النصائح التي سمعتها من حلفائنا الروس والإيرانيين، فلم يعد ثمة متّسع من الوقت، ولا المزيد من الفرص للمماطلة، أو للأوهام والمراهنات، أما التذاكي والخداع فسينقلبان على أصحابهما.
عن متانة الحلف الذي تقيمه سورية مع روسيا وإيران وصلابته في ضوء مجربات الحرب، قال نائب وزير الخارجية السورية الدكتور فيصل المقداد، إن السنوات الصعبة التي عرفتها سورية في هذه الحرب أظهرت أهمية الثقة والصدق في منظومة القيم التي تتأسّس عليها التحالفات، وهذه هي ميزة العلاقة التي تربط سورية بحلفائها، وتربطهم بها. والحقيقة التي يستطيع أيّ مراقب تبيّنها من مجريات التعاون سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بين سورية وحلفائها، خصوصاً مع التموضع العسكري الروسي في سورية من جهة، وما جرى مؤخراً من فتح المطارات الإيرانية للقاذفات الروسية، يقول إن ما بين أطراف هذا الحلف السوري ـ الروسي ـ الإيراني يتخطّى متطلّبات الحرب التي يخوضها في وجه الإرهاب انطلاقاً من سورية، فثمة مشتركات استراتيجية يلتقي عليها أطراف حلف الشرق والشرف، تتأسّس على حماية مفهوم دولة الاستقلال الوطني وتعزيزه، وردّ الاعتبار لقيم القانون الدولي واحترام سيادة الدول على المستوى الدولي، ومحاربة الإرهاب كمصدر للخطر على الاستقرار والأمن والسلم في العالم، والتصدّي لسياسة الهيمنة والعداون التي اتّسمت بها السياسات الأميركية، والسعي إلى عالم أكثر توازناً وأمناً، وشرق أوسط تنعم شعوبه بحقوقها وفي مقدّمها حقوق الشعب الفلسطيني، وخال من التهديد بالعدوان الدائم الذي تمثّله السياسات «الإسرائيلية». ولهذا، يجب النظر إلى هذا الحلف بصفته لاعباً إقليمياً ودولياً يعيد صوغ المعادلات نحو المزيد من التوزان، ممسكاً بقدرات رادعة لمنع مواصلة التفرّد «الإسرائيلي» في الشرق الأوسط، والتفرّد الأميركي في العالم. ويقف مع هؤلاء الحلفاء، أصدقاء وحلفاء كثيرون في العالم، من دول «البريكس» وسواها، الذين يتطلّعون إلى حماية استقلال بلادهم، ويؤمنون بأنّ الحرب على الإرهاب تشكّل اليوم أولوية دولية. نتطلّع أن تجرؤ حكومات الغرب على مقاربته من هذا المنظور، لتمنع الوحش الذي بدأ ينهش أمن مجتمعاتها، وتتحقّق من استحالة جدوى التعامل بمعايير مزدوجة مع الإرهاب، باستثماره وفقاً لرؤى ومصالح فئوية ضيقة، والرهان على البقاء بمنأى عن تهديداته وعدوانه، كما جرى في تعامل الحكومات الغربية مع ما شهدته ودفعت ثمنه سورية.
عن مستقبل الحرب، أكّد المقداد في ختام الحوار، ثقة سورية المطلقة بأنها أضحت أقرب إلى النصر من أيّ وقت مضى، من دون الدخول في لعبة المواعيد والتوقّعات. وأن مصدر هذه الثقة، هي تضحيات الجيش والشعب في سورية، وحجم تصميم الحلفاء وصدقهم، ووضوح الرؤيا لدى قيادة سورية التي يقف على رأسها الرئيس بشار الأسد، والميزات التاريخية التي يمثّلها برؤيته وشجاعته وعزمه وحزمه وتمسّكه بثوابت وطنية وقومية وإنسانية عالية، ودرجة الثقة القائمة بينه وبين صديقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والقيادة الإيرانية وقائد المقاومة السيّد حسن نصر الله.