«أوراق محرّمة»… تفتقر إلى الرواية ومشغولة بالمذكّرات اليومية
جهاد أيوب
باكورة الكاتبة رولا فارس ضيا رواية «أوراق محرّمة» عن «دار الفارابي»، وهي عبارة عن تجميع خبريات وحالات إنسانية في قالب إنشائيّ يسرد بما يشبه العصر، أي إيقاع سريع ينتقل من مكان إلى آخر كم دون ترك الأثر أو اللمعة البصمة. ولا نستطيع أن نقول رواية بقدر ما هي مشغولة بالمذكّرات اليومية، وليست بالضرورة مذكّرات الكاتبة، بل تجميع مشاهدات وقعت واستعيدت من دون عمق في البناء الدرامي، ومن دون صناعة حدث جامع تدور حوله الرواية.
هي كتابة مزجت الغربة بقضايا الوطن كدلالة على أنّ الكاتبة تعيش الواقع، ما أوقعها في الخطابية، وشتّت جهودها وطرحها.
لم تنسلخ الكاتبة عن وطنها رغم غربتها، ولم تحاول قراءة معمقة لغربتها رغم عيشها في ذاكرة وطن. هي مزيج بالبوح مع تعب الانتقال، وعدم الاقتناع بالرحيل مع انه وقع، ولكنها تعمدت التشتت في مخيلة واسعة وفي مشاهد واقعية ومشاهدات حية. خطأها أنها نقلتها بتناقض خاطف لا يبرّر طرحها، وبطرح سريع لا يفيد الخبريات، وهذا يبقي معالم الشخصيات تائهة كتوهان الكاتبة في تجميع أبطالها من هنا وهناك من دون معرفة ما المقصود بذلك.
لا يكفي في الرواية أن نصف ونشير إلى الحالة إنشائياً، بل علينا ان نتقمص الطرح بعمق الحالة، ونأخذ التفاصيل الصغيرة بمسؤولية يبنى عليها البعد الدرامي وتبرير تصرف البطل، وحينذاك يأتي الوصف صادقاً لا مجرّد صورة ترسم ولا تؤثر، وتأتي الحالة صافعة أو متجذرة تشبهنا رغم فوضاوية حياتنا.
كما أن اختزال الحدث إلى مجهول عند الكاتبة خطأ يقلّل من مصداقية الطرح، بمعنى إقحام الحدث من دون تبريرات، أو الإشارة إلى قضية من دون هدف، والذهاب بسرعة إلى مكان وزمان آخرَين فوضى أدبية وقصصية تضرّ ولا تعني الثقافة الواسعة والاطّلاع بالعام بقدر فهم خاطئ للخاص. أقصد إقحام مقتل رفيق الحريري والحبّ في البرازيل مع عيد الحبّ في لبنان، والدخول في قضية الانجاب بسطر جملة لم يفد البطل والحكاية بالمطلق. صحيح أنّها تفوّقت في وصف جسد المرأة ص. 36 ، وتميّزت في شرح الحالة الجنسية ص. 59 ، ولكن إدخال العام بالخاص من دون هدف، والقفز من جهة إلى جهة، وشرح حق المواطن، وقانون السير، وأملاك الشاطئ، كلّ ذلك جاء دليلاً على خوف الكاتبة من الكتابة، وعدم فهم ما يحدث من حولها.
شخوصها أسماء من غير ملامح، وصوَر من غير أرواح، هي بارعة في وصف الطبيعة، ولحظة عابرة من دون أن توقفها وتلتقطها، ولا تسامرها رغم أنّ النصّ فيه مساحة من الصراخ.
شخوصها تهرول منها، تتركها متناقضة لا تعرف تبرير تصرّفها، ولا تثبيت حركتها، هي ظل وجوديّ لكونها لا تناقشها ولا تغرم بها، وتتركها لمجرد كلمة على ورق وبذلك يصبح أبطالها من ورق بشخصية كرتونية لا تؤثر ولا تفيد البعد الدرامي وتسلسل الأحداث سوى أنها موجودة. هي موجودة في حياتنا اليومية الواقعية لكنها في رواية رولا مجرّد خبرية مهمشة، رسمت بلون واحد، وبحالة يتيمة، وبجمود اللحظة.
على رولا أن تعيش الشخصية لا أن تكتفي بسردها، والبحث عن إيجاد تبريرات لخطواتها ولتصرّفاتها وحركتها بعيداً عن حشو الأحداث. إنّ مجرد اكتشاف شخصية جديدة أو نقل شخصية من الواقع إلى ورق الحدث يتطلبان معرفة بضرورات تعميق مساحتها، والهدف من وجودها، وكيفية إغنائها أبعاد الأحداث. لذلك، وجبت معايشة الشخصية كما لو كانت تعيش معها في المنزل والمكتب والسيارة والبحر. أما أن نشير إليها كأقحام لا أكثر، فهذا مضيعة لجهود الكاتبة، ولحقيقة الشخصية.
يختزل الزمان عند رولا من دون أن يلعب دوره. تهجر ما بدأته لتذهب إلى زمان آخر. وبذلك، تترك القارئ من دون ماء القصة ليتوه كلّما تنفس الصعداء، ولا يرتوي من حدث شبيه بالخبرية السريعة. يحاول أن يركّز من جديد، يقطف المشهد في حدث يعيده إلى حيث بدأ، يصرّ أن يجد الماء فلا ماء ولا رطوبة ينعشانه، بل محاولة من حبّات مطر لا تصل إلى الأرض. إنّ القفز من زمن إلى زمن ومن خبرية إلى خبرية يشتّت المتابع ويبعثر جهود الكاتبة ويضر في لغتها.
لا خلاف على أنّ رواية أو نصّ رولا فارس ضيا «أوراق محرّمة» صرخة في وجه الظلم والجهل. كان بإمكانها أن تختزل ذلك بمقال أو قصة قصيرة. أرادت الكاتبة بحسن نيّة أن تشير إلى خلل في مجتمعاتنا ووطنيتنا ولكن النوايا الحسنة لا تصنع النجاح، وهذا لا يعني أن رولا في نصّها لم تنجح، لكنها لم تتمكن من تثبيت النجاح.
هي إشارت إلى الخلل مباشرة ولم تخض غمار الأسباب. أرادت ان تدافع ولم تحمل السلاح، حاولت الصراخ فغيّبت الصوت كم دون ان تتعمّد، كتبت فكان التكرار العادي من دون صفعة.
أدعوها إلى التروّي في الكتابة، وتحديداً في كتابة الرواية، وألّا تكون الكتابة مجرّد تنفيس لحالة الغربة وقلق اللحظة، بل مسؤولية في الطرح والمضمون. من هنا عليها التعرّف إلى أنواع الكتابة، والخوض في تجربة القصة القصيرة بعيداً عن المقال والرأي الخاص، واستغلال هذه المقدرة في التنقل من مشهد إلى مشهد في كتابة القصة قد يثبت حركتها الادبية، ويصيب المعنى بعيداً عن حشو كمية من أحداث لا تبرّر الهدف.