بيروت الأولى في… جودة الطعام!

فدى دبوس

وأخيراً دخلنا ضمن ترتيب دول الغرب. وأخيراً ما عدنا في آخر القائمة، ولم نكن فقط ضمن العشرة الأوائل، بل نحن، وبكل فخر، في المرتبة الأولى!

لكن في المرتبة الأولى لأيّ تصنيف؟ المرتبة الأولى عالمياً في نظافة الطرقات؟ المرتبة الأولى عالمياً في نسبة المتعلّمين؟ المرتبة الأولى عالمياً في تامين وظائف للخرّيجين الجامعيين؟ في الطبابة؟ في التأمين الصحي؟ في الأمن؟ في السياسة؟ في التحضّر؟ في التطوّر التكنولوجي؟ إلخ…

ناسف أن نقول أننا لسنا في المرتبة الأولى ضمن أيّ شيء مما ذكرناه سابقاً، وما زلنا نصنّف ضمن دائرة العالم الثالث، أو حتى العاشر، ولم يحصل أيّ تطوّر في بلدنا. «لا البلد ماشي، ولا الشغل ماشي، ولا شي ما شي، بس كمان ولا يهمك»….

«ليش ولا يهمك؟ لأنو الأكل ماشي»، في الحقيقة «الأكل طاير ومحلّق ومش بس ماشي». الأكل اللبناني ومطاعم لبنان في المرتبة الأولى من حيث الجودة، وعلى ما يبدو أنه بات مطابقاً للمواصفات العالمية وليس المواصفات المحلية فحسب.

اللبنانيون فرحوا، ومحطات الأخبار هللت واعتبرت أنه «رغم كل شي، بعدها مطاعمنا الأولى» وأنه رغم الأزمة التي يعيشها لبنان منذ سنوات، لكنه لا يزال يحقق نسبة سياحة هامة ولا يزال السيّاح يعجبون باللّقمة اللبنانية.

لطالما اشتهرنا بأننا شعب مضياف، يكرّم الضيف ويحبّه لكننا نشتهر أيضاً بحبنا للغريب أكثر من القريب، ولم نكن مرّة واحدة نطبّق المثل القائل «أنا وخيّي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب»، بل لطالما أثبتنا ضعف هذا القول لنؤكّد مراراً وتكراراً «أنا والغريب على وطني وأهلي».

عندما نقرأ هكذا خبر ربما نفرح لأننا استطعنا الوصول، ولو لمرة واحدة، إلى المرتبة الأولى في شيء، لكن ما هو هذا الشيء؟ الطعام، أو بالأحرى «البطون الممتلئة والعقول الفارغة»…

لا ننتقص من قيمة الطعام، فلطامل كانت هناك شعوب تموت من الجوع، لكن أن يكون الطعام هو أفضل ما يتميّز به بلدنا فهذا هو المحزن، أن تكون البلاد التي حاربت وقاومت وحاولت جاهدة الوقوف أمام أعظم الدول مصنّفة الأولى لناحية «الطهي»، فإن هذه جريمة يحب أن نعاقب عليها أنفسنا.

وعن أيّ مطاعم يتحدّثون، تلك المطاعم التي لا يمكن لمتوسّطي الدخل أن يدخلوها، فالفقراء أو متوسّطي الدخل في بلادنا لا يعرفون اصنافاً كثيرة من الطعام، ولربما يشتهون أن يأكلوا أيّ شيء، ولربما إذا سمع أحدهم هذا الخبر لبكى من شدّة الضحك، كون الطعام الذي يأكله لا يجده بهذا التميّز الذي يمكن أن يجعل من بلده الأول عالمياً…

قبل الفرح والتهليل بتصدّر الأواني المطبخية وحفنة من اللحوم والنشويات المرتبة الأولى، فلنفرح كوننا دولة لا تزال صامدة من دون رئيس، ولربما نتصدّر المرتبة الأولى عالمياً بالصمود من دون رئيس للجمهورية.

قبل التهليل لأواني المطبخ، فلنسعى إلى التهليل عند جلوس ثمانية عشر شاباً وفتاة من طوائف متعددة، من دون أن يثار أي خلاف واحد. ولنهلل كونهم خرجوا من اجتماعهم هذا، غير تابعين إلى أحد، بل تابعين لصوت الحقّ والضمير.

مبروك للبنان المرتبة الأولى في الطعام، على أمل المرتبة الأولى في إيجاد فرص عمل لآلاف الخرّيجين، الذين يحاولون الحصول على وظيفة للحصول على قوتهم اليوميّ، علّهم يستطيعون الاستمتاع بالطعام اللبناني الفاخر مرّة واحدة في الشهر أو حتى في السنة…

وقبل ذلك، كلّ يا ليتنا نحتفل بالمرتبة الأولى لمحبة بعضنا بعضاً، ولا ضير إن كنّا نجهل حتى «قلي البيض»!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى