مختصر مفيد ثلاثيّ العالم الجديد… روسيا ـ إيران ـ سورية
قد يبدو العنوان مبالغاً فيه بنظر كثيرين، والحرب على سورية تدخل مراحل ومنعطفات ومفاجآت. وفي المقابل، لو استقرّت على نصرٍ لسورية وحلفائها قد يقول البعض إنّه من المبالغة توصيف المحور المنتصر بثلاثيّ العالم الجديد، ففي قوى المحور المقابل أسباب قوّة تكفي ليبقى العالم الجديد نسخة عن الذي قبله وهو ما نتج عن انهيار الاتحاد السوفياتي. وما نشهده ليس شيئاً بقياس ما كانت القوة السوفياتية مع حلفائها وصولاً إلى الثنائي الشيوعي السوفياتي ـ الصيني ومدّ الثورات في شرق آسيا وأميركا اللاتينية. فيكفي الحديث عن قبول الغرب بشراكة متواضعة في آسيا يفتح بابها لروسيا وإيران. ويكفي لسورية أن يفرج عنها من مِحنة التقسيم والفوضى.
ما يغيب عن كثيرين، أنّ الأحداث ذاتها عندما تجري في زمانين مختلفين، يكون لها وقع وتأثير مختلفان. وأحياناً يكون الاختلاف جذرياً. فالأمر ليس بعناصر قوّة مطلقة لحلف روسيا وإيران وسورية، ولا بمكانة مطلقة، بل بقياس نسبيّ لتقابل المشاريع التي أريد للقوّة والمكانة على الضفتين تحقيقها. فما جرى هو تقابل بكلّ المقدرات، وعلى مدى زمنيّ قياسيّ متصل لسنوات، وفي منطقة ومسائل صارت وجودية للطرفين. والمنتصر سيكتب لذاته وحلفائه نصراً أوسع مدى من الزمان والمكان والمواضيع، لا بل كتابة يد عليا في صناعة الأحداث. كيف وأنّ الصراع يدور حول بحيرات النفط والغاز وممرّاتها البرّية والمائية، في قلب آسيا؟
تأتي حرب سورية في زمن استنفدت واشنطن وحلفاؤها كلّ ما لديهم، وأنجزت خلاله روسيا وإيران والحلفاء كلّ ما يحتاجون إليه. وتواصُل القتال الضاري بكلّ أنواع السلاح، وما جرى استبعاده من الميدان هو الحرب المباشرة والسلاح النووي لإدراك مسبق بلا جدوى الاختبار المدمّر. ومن المهم الالتفات إلى أن معيار الحاصل النهائي لهذه المواجهة، يرتبط بقياس محورين حاكمين، هما مصير التشكيلات التحالفية على الضفتين بدرجة التماسك وامتلاك الرؤيا والهدف من جهة، وموقع الجغرافيا المفصلية في اهتمامات الفريقين، ونسبة التموضع فيها بينهما.
يبدو الحلف الذي تقوده واشنطن منذ خمس سنوات وقد سار في خطّ بيانيّ من أعلى درجات التماسك والوضوح والشعارات الموحّدة والآليّات التطبيقية المتناغمة لتحقيق الأهداف التي يختصرها إسقاط سورية، ليصل اليوم إلى أسوأ حالاته، حيث التفكك والضياع والانفراد بالأهداف المختلفة والمتباينة. بينما يبدو حلف روسيا وسورية وإيران والمقاومة، ومن ورائه قوى ودول كثيرة لا تحضر مباشرة في الحرب، لكنها حاضرة في بعض محطّاتها ونتائجها كالصين ودول «البريكس» وسواها في أميركا اللاتينية، كحلف ولد فعلياً بالتدريج في قلب الحرب، وتشكلت قوّته وتوضّحت رؤاه من خلالها، وصَلُب عوده في خوض غمارها، حتى ظهر الآن حلفاً عسكرياً يتفوّق على ما كان عليه «حلف وارسو» في أوج قوّته وصعوده. وتكفي رؤية الخطاب الموحّد والتوقف أمام الانخراط العضوي لأطراف الحلف في حربهم الواحدة ورفعها إلى المستوى الوجودي، وشجاعة أخذ المبادرات العسكرية والسياسية، وصولاً إلى امتلاك زمام المبادرة للمرّة الأولى في قضية حرب عالمية كالحرب على الإرهاب. حرب يتّحد العالم على تشخيصها ولم يتّحد على سواها، مثلها كحرب مصيرية جامعة منذ الحرب على النازية.
في الجغرافيا تبدو ثلاثية روسيا الممسكة بنافذة أوروبا من أضلاعها الشمالية والجنوبية والشرقية، ومعها سورية الجالسة على شرفة المتوسّط كبوابة لبلاد الشام وحارسة للأمن الأوروبي وسيدة لتجارة النفط والغاز، ومرفأ لطريق الحرير. وتبدو إيران كما كانت دائماً قلب آسيا، من مشاطأة قزوين إلى جوار تركيا والعراق وباكستان وأفغانستان وكازاخستان وتركمانستان، وعلى نواصيها تواصلها مع سورية وروسيا والصين، وإطلالتها على الخليج، وإمساكها براية المقاومة وفلسطين. يصير السؤال: ماذا تملك فرنسا ما يجعلها دولة عظمى أهمّ من بلاد الشام والعراق التي تتشكل نواتها الصلبة من سورية والعراق والمقاومة في لبنان وفلسطين؟ وماذا لدى بريطانيا أهم من إيران أو لدى أميركا أهم من روسيا؟ وكيف للثلاثي الأميركي ـ البريطاني ـ الفرنسي أن يحكم العالم ويقوده لأكثر من نصف قرن بعدد سكان ومقدرات طبيعية وامتداد جغرافي أقلّ وزناً وأهمية من الثلاثي الروسي ـ الإيراني ـ السوري؟
النصر على الإرهاب في زمن الهبوط الغربي يعني انتصار حلف الشرق والشرف كما سمّاه الصديق الدكتور فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السورية في حواره مع «البناء»، وهو ما دأبت واشنطن على تسميته بـ«حلف الشرّ». وهذا الانتصار يتبدّى بنشر الطائرات الروسية خارج الحدود حلفاً للغد لا لليوم، وبرصيد نصر يشبه ما منحه النصر على النازية لكلّ من روسيا السوفياتية وأميركا في الحرب العالمية الثانية.
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.