قالت له
قالت له: كيف يمكن قياس عمر الحبّ الافتراضيّ عند بداياته؟
فقال لها: بنهاية تحقيق الاكتشافات واكتساب الميزات التي يكون الانجذاب قد حدث بسببها، ومنها الجسديّ الجماليّ الذي يستنفده الزمن وتبرد حرارته كلّما صار الاقتراب أكثر، وانتظمت مواقيته. ومنها الفكري الاجتماعي الحياتي المهني الثقافي الأخلاقي، الذي لا يمكن قياسه بمعزل عن الانجذاب الجمالي الجسدي، وإلا سقطت معادلة حبّ رجل وامرأة، وصارت «حبّ كتاب لكتاب، أو شخص لشخص» وتلك هي الصداقة. وحتى في الصداقة يلعب الشكل والجمال بما يمنحانه من راحة للناظر ومتعة للعين وفرح بالحضور., وعموماً، تنتعش الصداقة عندما تكون بين جنسين مختلفين أي بين رجل وامرأة. إذا قاومت بنجاح إغواء المزيد من الاقتراب.
فقالت: ما يتصل بالانجذاب الجماليّ الجسدي مخادع رغم كونه أساسياً لأنه عندما يستهلك زمن الاكتشاف، يبدأ الشغف بالذوبان. وهذا ما يتسبّب عموماً بسرعة اكتشاف أحد الحبيبين لاحقاً أنه لم يقع بالحبّ، ويسهل عليه الذهاب إلى خيار آخر. فقال لها: لكن الوقوع ليس اختياراً عقلياً. فلذلك حتى الانخداع لا بدّ من أن نعيشه حتى السقوط.
فقالت: ودفاتر الشروط نوع من خداع آخر، لكنّه خداع عقليّ يأخذنا إلى حيث التباهي بالمكانة والصفات والمؤهلات، فنكتشف افتقادنا للّهفة والشوق والحرارة. وربما يكون لا بدّ من عيشه حتى نكتشف للحبّ أسراراً.
فقال: بالنسبة إلى الذين تخطّوا زمان عيشهم البدائي وصاروا بشراً متمدّنين، يبدو المرور بالتجربتين ضرورياً حتى تستقيم نفسنا وتنضج عاطفياً للخيارات. فنعرف انبهاراً بالعقل وانجذاباً للجسد، كلّ على حدة، ونكتشف أنهما ليسا حبّاً نعيشه بعد حين. وربما ترسو سفيتنا على من هم أقلّ مكانة في العقل منفرداً والجسد منفرداً، ولكنه أشدّ جمعاً لكليهما بما يحرّك في دواخلنا ما يكفي لنسعى إليه.
فقالت: وهل توصّلت إلى معادلة هندسية هنا؟
فقال لها: أن نسأل أنفسنا عمّن نظنّه الحبيب، هل نتبعه بأعيننا إذا كنّا في سهرة ونراه للمرّة الأولى ونسأل من إلى جوارنا؟ من هو هذا أو من هي هذه؟ وأن نتساءل ماذا لو لم يكن حبيباً أو لم تكن حبيبة؟ فهل كان يمكن أن نكون أصدقاء؟ وما عسانا نفعل في ساعات اللقاء؟ وثالثاً أن نتخيّل الانفراد في مكان شاعريّ، فهل نملك الهوايات ذاتها والاهتمامات بالألوان والموسيقى وأنواع الطعام ومواضيع التسلية في الكلام وأقوال الغرام؟ ورابعاً أن نفترض الوجود معاً بين جمع لحديث، فهل نستلطف ويستلطف الآخر إن تحدّثنا أو رقصنا أو ضحكنا وعرف الجمع أنه الحبيب أو الحبيية؟ أم نخشى أو يخشى سوء الانطباع. وخامسها وآخرها إن جاءت سيرة الآخر بسوء والمتحدّث لا يعرف ما بيننا، هل ننتفض بلا انتباه ونثق أننا ندافع عن حقّ لا عن شيء خاص؟
فقالت: هل أوجز كلامك بعبارات أنثى وأقول هل نحبّ أن نرى الابتسامة على وجهه بمفاجأت صنعناها خصّيصاً له وقد مرّت بيننا سنوات؟ وهل نحزن لحزنه على خسارة الفريق المحبّب في كرة القدم؟ فكيف لأمر عظيم.
فقال لها: دعيني أستمدّ من شجاعتك شجاعة وأختصر لأقول: هل نستطيع أن نتناوب بين الحبّ والصداقة زماناً وعمراً ونعود من الواحدة إلى الأخرى؟
فقالت: سأعتبره عرضاً أو طلباً لا رأياً. وأقول نعم إنما بشرط، ألا تعرف وقت صداقتنا حبّاً آخر.
فضحك وقال متمتماً: «سرّ في الطربوش لا يعرفه إلا الكوّى. هي الغيرة في قلب حوّا».