الاستحقاق الرئاسي… بين الحاجة إلى انتظام الدولة وصعوبة التوافق على الرئيس لا مؤشرات لإنضاج الطبخة داخلياً بانتظار تبلور إيجابيات الحلحلة إقليمياً

حسن سلامه

تُبدي جهات سياسية مطّلعة تفاؤلاً حذِراً في الأيام الأخيرة حول إمكانية فتح كوّة ولو بسيطة في جدار الأزمة الرئاسية، في ضوء الحراك غير المعلن الذي يقوم به الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط، على رغم أنّ الرجلين يحرصان على إبقاء ما يطرحانه من مقاربات طيّ الكتمان، كي لا تحترق «الطبخة الرئاسية». وتعيد هذه المصادر وجود مناخ أكثر دفعاً باتجاه حصول حلحلة الى العاملين الداخلي والإقليمي.

على الصعيد الداخلي، ترى المصادر أنّ ما بلغته الأمور من تأزّم على المستويات المختلفة، خصوصاً على الصعيد الأمني، صار يُشعِر جميع الأطراف بضرورة السعي إلى حلّ أزمة الرئاسة بما يفتح الطريق أمام ملء الشغور الرئاسي، وانتظام عمل المؤسّسات، ويسرّع الحاجة إلى تسليح الجيش وتأمين التغطية السياسية له لمواجهة خطر المجموعات الإرهابية.

وعلى الصعيد الخارجي، تقول المصادر إنّ بشائر الحلحلة التي ارتسمت في الآونة الأخيرة في الوضع السياسي داخل العراق من جهة، وفي إعادة الحرارة النسبية إلى العلاقات الإيرانية ـ السعودية ولو من باب خطر إرهاب «داعش» من جهة ثانية، قد تساهم في دفع الأطراف الداخلية نحو التوافق على شخصية الرئيس الجديد.

إلّا أنّ مصادر مسيحية قريبة من التيار الوطني الحر، وأخرى من فريق 14 آذار، تلتقي على ألّا مؤشرات لحلحلة في المدى المنظور. وإن كان كلّ مصدر منها يعيد ذلك إلى أسباب مختلفة.

فالمصادر القريبة من التيار الوطني الحرّ ترى أنّه إذا كانت مساعي الرئيس برّي والنائب جنبلاط يراد منها طرح خيارات وسطية، فذلك لن يؤدّي إلى أيّ حلحلة. وأنّ أيّ مساعٍ إذا لم يكن المقصود منها التفاهم على العماد عون أو في الحدّ الأدنى أن يكون «الجنرال» صاحب القرار الأساس في حسم الخيارات الرئاسية، فالأمور ستبقى مكانها لأنّ عون ليس بوارد تغيير مواقفه. وقيام تكتل التغيير والإصلاح قبل أيّام برفع اقتراح القانون لإجراء تعديل دستوري يقضي باختيار الرئيس من الشعب، تأكيد على أنّ التيار متمسّك بحق الجمهور المسيحي بأن تكون له كلمتة الفصل في تحديد شخصية الرئيس. وأشارت المصادر القريبة من التيار أيضاً إلى أنّ حزب الله على الموقف نفسه الذي كان أبلغه السيد حسن نصر الله للنائب جنبلاط قبل أسبوعين، من أن المرشح التوافقي موجود وهو العماد عون، وهذا الكلام ـ تقول المصادر ـ يشير بوضوح إلى أنّ الحزب لن يتخلّى عن دعم ترشيح عون، إذ إنّ القرار لدى حزب الله بخصوص الاستحقاق الرئاسي متروك لرئيس تكتل التغيير والإصلاح.

أما أوساط 14 آذار، فهي ترى ألّا حلحلة في وقت قريب طالما أنّ عون متمسّك بالموقف ذاته من ترشيحه، من حيث ربط حضوره جلسة الانتخاب بالتوافق عليه. وتضيف أنّ هذا الفريق لن يسير بترشيح عون تحت أيّ ظرف، بدءاً من تيار المستقبل، وقد أبلغ رئيسه سعد الحريري عون بهذا الموقف بصورة «لبقة» من خلال ترك الخيارات بما يتعلّق بالمرشحين إلى الرئاسة للقوى المسيحية.

وانطلاقاً من ذلك يقول وزير سابق مطّلع على كثير من المعطيات الداخلية والخارجية، إنّ فتح النقاشات الجدّية حول الملف الرئاسيّ مؤجّل إلى نهاية تشرين الثاني وما بعده. ويعزو الوزير المذكور استمرار الشغور الرئاسي لأشهر جديدة إلى العاملين الداخلي والخارجي أيضا:

داخليا، لا يرى هذا الوزير مؤشرات على قدرة الأطراف الداخلية للتوافق حول مقاربات جدّية، تمكّن البلاد من الخروج من هذه الأزمة من دون دفع خارجي، يضغط على بعض الأطراف للسير بخيارات توافقية مقبولة وطنياً، من حيث المجيء برئيس مؤمن بالثوابت الاستراتيجية.

أمّا خارجياً، فيرى أنّ الوضع الإقليمي لم ينضج حتى الآن لمساعدة الأطراف الداخلية في التوافق على الرئيس الجديد، وتحديداً من جانب السعودية التي لم تعطِ تيار المستقبل الضوء الأخضر للدفع نحو انتخاب رئيس، إمّا العماد عون أو من يسمّيه. ولذلك، يقول الوزير المعني إنه على رغم وجود بداية بشائر للحلحلة في العلاقات الإيرانية ـ السعودية، أو ما له علاقة بقيام تحالف دولي لمحاربة الإرهاب، فهذه المؤشرات غير كافية للبناء عليها من أجل الدفع نحو انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي بلورة الصورة الإقليمية لا تزال تحتاج إلى مزيد من الوقت للتعويل عليها إيجاباً على الوضع الداخلي بدءاً من ملء الفراغ في قصر بعبدا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى