تدخُّل بالوزن الثقيل من بحر قزوين الى الناقورة… إلى الخليج الفارسي!
محمد صادق الحسيني
ما ظهر من همدان لم يكن إلا رأس جبل الثلج…
وما ينتظرنا من وقائع وأحداث كتاب مفتوح مليء بالأحاجي والألغاز…
من أجل سبر جوهر العملية الروسية او ما سُمّي بـ «التدخل الروسي» العسكري المباشر في سورية يجب تسليط الضوء على العناصر التالية:
1 ـ إنّ قرار التدخل العسكري الروسي جاء لصدّ العدوان الخارجي على سورية والحفاظ عليها دولة مستقلة ذات سيادة، والذي بدأ تنفيذه بتاريخ 30/9/2015 هو قرار استراتيجي تمّ اتخاذه انطلاقاً من المصالح الاستراتيجية/ الجيوبوليتيكية الروسية.
2 ـ إنّ الحفاظ على هذه المصالح يستدعي إبعاد خطر هيمنة الولايات المتحدة، ومن خلال أذرعها العسكرية المختلفة ومن بينها الناتو، عن الفضاء الاستراتيجي للدولة الروسية. ألا وهو «الشرق الأوسط» وآسيا الوسطى/ شمال القفقاز أو ما يُسمّى روسيا الكتلة الأوراسيوية .
3 ـ إنّ الركن الأساسي في منع سقوط هاتين المنطقتين تحت الهيمنة الأميركية هو الحفاظ على حجر الزاوية في هذا الفضاء الاستراتيجي، ألا وهو سورية.
4 ـ لذلك، وعلى الرغم من بعض التراجعات التكتيكية في التحرك الروسي على امتداد رقعة هذا الصراع، فإنّ الهدف الاستراتيجي الروسي يبقى ثابتاً، ألا وهو منع تفكيك سورية وتدميرها، ولاحقاً لمنع إنهاء الوجود الروسي في البحر المتوسط.
5 ـ إنّ ما يعزّز ثبات روسيا على ضرورة تحقيق أهدافها يتمثل في تعزيز التواجد العسكري الروسي براً وبحراً وجواً في المنطقة الممتدّة من بحر قزوين شرقاً وحتى الساحل السوري غرباً.
بما في ذلك زيادة تفعيل الدور الإيراني في هذه العملية الاستراتيجية الشاملة، وذلك بإضافة عنصرين هامّين لهذا الدور الإيراني:
– الأول هو العامل الاقتصادي من خلال الدور الإيراني المحوري في تنفيذ المشاريع الاقتصادية العملاقة شرقاً وغرباً قمة باكو مثالاً ، إضافة الى مشاريع الغاز والنفط باتجاه الصين وأوروبا وكذلك مشاريع السكك الحديدية لربط آسيا الصين بأوروبا عبر خط حديدي يبلغ طوله سبعة آلاف وخمسمئة كم، وكذلك ربط المحيط الهندي من خلال تعاون الهند وسلطنة عمان وإيران وهذا حديث يطول شأنه .
– والثاني هو تطوير الدور العسكري الإقليمي لإيران، من خلال دمج أنظمتها العسكرية قاعدة همدان والتعاون التقني العسكري مع روسيا ، مع الأنظمة العسكرية الروسية ولاحقاً الصينية في عمليات التصدّي لمحاولات التوسّع العدواني للولايات المتحدة من خلال حلف الناتو وتوسيع نشاطاته في أوروبا الشرقية ودول البلطيق ونشاطاته المتزايدة في البحر الأسود والدول المتشاطئة له أوكرانيا، رومانيا، جورجيا… بالإضافة للمحاولات الأميركية لتغيير قواعد اتفاقية مونترو المنظمة للتواجد العسكري للدول غير المتشاطئة، والتي لا تسمح للقطع البحرية لتلك الدول بالتواجد في مياهه لأكثر من أسبوعين. وقد طرح الجانب الأميركي هذا الموضوع على طاولة البحث في قمة حلف الناتو التي عقدت في وارسو أوائل شهر تموز 2016، ولكنها لم تنجح في محاولتها.
5 ـ ايّ انّ محاولات الناتو التوسع شرقاً وجنوباً لتطويق روسيا استراتيجياً قد قوبل بعمليات مماثلة من قبل روسيا في الجنوب قمة باكو باكورة انطلاق جديدة والجنوب الغربي التسهيلات الإيرانية وتعزيز الدور الإقليمي لإيران عسكرياً واقتصادياً ، وكذلك تعزيز وتثبيت الحضور العسكري الروسي على سواحل المتوسط من خلال الوجود البحري والجوي والبري في سورية وسواحلها وتحويله وجوداً دائماً وليس موقتاً لأسباب تكتيكية .
– يضاف الى ذلك تعزيز الوجود العسكري الروسي جواً وبحراً في البحر الأسود أنظمة صواريخ آس 400 في القرم ، وكذلك الوجود البري من خلال نشر أنظمة الصاروخ القاتل من طراز إسكندر في جيب كالينغراد على الحدود مع بولندا. وهي أنظمة غاية في الخطورة على قوات الناتو في دائرة يبلغ قطرها 500 كم.
6 ـ وهذا يعني انّ الرقعة الجوية والبحرية الممتدة من موسكو وحتى الناقورة، بما في ذلك العراق عبر دمج المنظومة العسكرية الإيرانية في الجهد العسكري الروسي في هذا الفضاء الاستراتيجي واحتمالات استخدام قاعدة همدان ومنشآت جوية إيرانية أخرى في عمليات قصف جوي لأهداف إرهابية في العراق قريباً ، أقول إنّ هذه الرقعة قد أصبحت في المجال الحيوي الجوي والبحري الروسي ومنطقة حظر على الوسائط القتالية الغربية من الناحية العملياتية بغضّ النظر عن الحضور الاستعراضي الغربي في هذه المناطق .
7 ـ وإذا ما أضفنا إلى ذلك جهود روسيا في محاولاتها سلخ تركيا عن الناتو حتى ولو جزئياً، وعلى شاكلة خروج فرنسا من النظام العسكري للحلف في نهاية الستينيات والمقاربة الروسية الجديدة للعدوان على اليمن واحتمال دمج اليمن في النظام الدفاعي الجديد لروسيا وحلفائها بقلبه السوري، فإنّ صورة المظلة الروسية البرية والبحرية والجوية لمنطقة الأمن الجماعي الاستراتيجي لهذه المنطقة من العالم تكتمل تماماً.
8 ـ وبناء على كلّ ما تقدّم آخذين بالاعتبار طبيعة عمليات القصف الجوي الروسي في الميدان السوري، يصبح بالإمكان القول إنّ الهدف الاستراتيجي الروسي في سورية هو تحقيق نصر كامل وشامل على المشروع الغربي في سورية والحفاظ على الدولة الوطنية السورية واحدة موحّدة بقيادة الرئيس بشار حافظ الأسد مع الإبقاء على شكل الدولة واسم رئيسها مستقبلاً بيد الشعب العربي السوري دون غيره…
وعودة إلى محيط عمليات حلب فيجب التنويه إلى ما يلي:
1 ـ إذا كان الجنرال شويغو يحتاج لشهر كامل لتطهير ثغرة الراموسة، كما يقول البعض وتثبيت السيطرة عليها بالقوات، فمن واجب الرئيس بوتين عزله فوراً من منصبه، لأنه سيحتاج قرناً كاملاً للسيطرة على دول البلطيق، إذا ما دعت الحاجة الى ذلك…
ولكن القرائن تؤكد غير ذلك، إذ إنه لم يحتج سوى أيام قليلة لحسم الوضع عسكرياً في شبه جزيرة القرم وإحكام السيطرة عليها.
2 ـ إنّ اتساع رقعة القصف الجوي بالقاذفات الاستراتيجية يؤكد على تركيزه على حسم الوضع العسكري استراتيجياً بأقصى سرعة والتأني في عمليات الحسم التكتيكي.
وهذا ما يؤكده تركيز القصف الثقيل على تجمّعات العدو الاستراتيجيه من إدلب/ جسر الشغور مروراً بمواقعهم في الرقة ودير الزور وصولاً إلى شرق تدمر / آراك/ السخنة.
أيّ أنّ هذه العمليات لا تهدف إلى استعراض قوة القاذفات الاستراتيجية وقدرتها العالية على تدمير أهداف العدو فحسب، وإنما الى ذلك:
– تدمير المخزون الاستراتيجي للعدو في خطوطه الخلفية، وذلك بهدف حرمانه من هذا المخزون عند قطع خطوط إمداداته من الخارج، والجاري العمل عليها سواء بالديبلوماسية أو بالنيران، أيّ بالسيطرة الكاملة على كلّ الحدود السورية مع الدول مصدر الإمداد الرئيسي الأردن وتركيا .
– حرمان العدو من الاستفادة من هذا المخزون على الصعيد الاستراتيجي للمعركة، يعني حرمانه من ذلك في محاولاته العوده إلى تدمر، وكذلك محاولاته اختراق أرياف السويداء الشرقية وتشبيك تواجده في قواطع البادية مع أرياف درعا والقنيطرة الشرقية من خلال السيطرة على بادية السويداء…
أيّ أنّ عمليات القصف الجوي الاستراتيجي الروسي هي عمليات استباقية لإنهاء أيّ إمكانية لتحقيق أحلام وزير الحرب الأميركي في فتح جبهة في جنوب سورية.
يُضاف إلى ذلك أنّ نتائج هذا القصف على دير الزور/ السخنة… يؤدّي الى إبطال مفعول الانتشار المسلح الأميركي/ البريطاني، إلى جانب مجموعة مرتزقة ما يطلق عليه، جيش سورية الجديد، في منطقة التنف وإنهاء الدور الذي كان مرسوماً لهذا التواجد في تنفيذ مخطط الجبهة الجنوبية. وهذا فعل استراتيجي أعني القصف الروسي في غاية الأهمية.
كما أنّ هذا القصف لا يمكن فهمه إلا في إطار القصف الاستراتيجي التمهيدي لعمليات مستقبلية لتأمين التواصل الجغرافي بين العراق وسورية البوكمال/ القائم/ الرطبة/ ومنع تحقيق المخطط الأميركي الهادف إلى قطع التواصل الجغرافي الأرضي بين سورية وإيران ولهذا التواصل بعد اقتصادي، غاز ونفط، مهمّ جداً .
أيّ أنّ القصف يُحرم الطرف الأميركي من تحقيق أهدافه في المرحلة الحالية تمهيداً لوأد أحلامه في المرحلة التالية من مراحل أخذه الاستراتيجية.
3 ـ اما في ما يتعلق باستخدام قاعدة همدان الجوية في إيران، وما يعنيه ذلك من دمج للمنظومات العسكرية للبلدين في جهد موحّد لتحقيق هدف مشترك. وهو في هذه الحالة تعزيز الحضور الروسي في الشرق الأوسط، من خلال الحفاظ على سورية ودورها المركزي كدولة وطنية موحّدة تحت قيادة الرئيس بشار حافظ الأسد، فإنّ هذا التعاون العسكري بين البلدين سوف تكون له تأثيرات غاية في الأهمية، في:
– الميدان العراقي، دور مساند عسكرياً للقوات العراقية كافة المنخرطة في عمليات محاربة داعش وغيرها في العراق.
– جعل القواعد الأميركية في الخليج والسعودية ليست أكثر من حشوة شطيرة ساندويتش يسهل قضمها بسهولة في ظلّ تواجد عسكري استراتيجي روسي في إيران مضافة إليه القدرات الإيرانية الصاروخية الهائلة والدفاع الجوي…
وهذا يعني استراتيجياً إبطال مفعول هذه القواعد من الناحية العملياتيه ليقتصر دور جنودها على صيد الأسماك، مع ضرورة الحيطة والحذر من دخول المياه الإقليمية الإيرانية عن طريق الخطأ…
باختصار: مجمل أو ملخص الوضع الاستراتيجي في الخليج هو أنّ الوجود العسكري الأميركي في هذه المنطقة فقد قيمته الاستراتيجية بالكامل، لأنه أصبح محاصراً من الشرق إيران ومن الغرب سورية ، خاصة إذا وضعنا في اعتبارنا إمكانية قطع الإمدادات عن هذا الوجود من خلال إقفال قناة السويس في حال حدوث صراع دولي واسع…
لذلك فمن الأفضل لهم أن يستعجلوا الرحيل شرقاً باتجاه مضيق مالاقا…