قالت له

قالت له: سأعترف لك بعدم مقدرتي على مجاراتك بأمر تغمرني فيه حبّاً ورفقاً. فهل تعترف لي بأمر يشبهه قبل أن تسمع؟

فقال لها: أعترف لك باللهفة الغامرة والشوق العامر والحنان المتدفّق الذي يسبق تعبيراتي، لكنّني أريد أن تفهمي طباعي قبل تلقّي الاعتراف. فأنا مغرور بأني متميّز، ولذلك لا أرضى أن يكون تعبيري عن اللهفة والشوق كلاماً وغزلاً ربما تحتاجينه أكثر مما أراه تعبيراً يليق بما أنا أدّعيه لنفسي وفقاً لمعادلة أن التعبير يتفاوت بتفاوت مقدرات صاحبه. فأريده بأفعال لا بأقوال، ويصير القول مقلاً وتعتبين، بينما تنظرين إلى الفعل بعين الرضا لكنك تنظرين إليه أحياناً كفعل تضامن ومساندة في طموح أو تطلّع لا كتعبير عن شوق ولهفة ووسيلة تقرّب وقول أشياء كثيرة أرغب بأن يصلك معها ما يجعلك تقولين ومن سواك يفعل هذا، فأسترخي على كتفي الذي تلقين برأسك عليه.

فقالت: قبل اعترافي يجب أن تثق أنّني لا أعلّق على الأفعال التي تغمرني بها حناناً، وتصلني عبرها رسائلك. ربما لأنني أخجل وأحسّ بها وأعجز عن مجاراتها. فاستدعيك بعتب إلى ملاعب الكلام لنتساوى، لكن ما أردته اعترافاً تغصّ به حنجرتي رغم محاولاتي الدؤوبة، هو أنني وأنا أثق بصدق ما يربطنا من طرفينا، أذوب أمام مقدرتك على تحمّل مشاغباتي وصداقاتي واجتماعياتي، فتضحك لضحكي وأنا مع رجال آخرين، وتقول ما يهمني هو أنت لا هم كيف يفكرون، وأنا لا يهمني إن حضرت نساء مجلسك، ما تفكر بل ما يفكرن وكيف ينظرن هنّ، ولا أريد تسلّق سلّم المنافسة معك في هذا ولا الادّعاء أنّ ترفّعك وكرمك هما ضعف ارتباط وقلّة تمسّك، بل فعل تطابق بين العقل والقلب لم أقدر عليه بعد. فأنا على يقين أنّ ما أنت عليه هو ما يجب أن يكون بيننا، أن نثق بأن الصداقة ممكنة بين رجل وامرأة، وأنّ الأمر يتوقف على الطرف الذي نمثله في هذه الصداقة، وكيف يرسم سياق علاقاته بالغير. فمن يحترم ذاته يفرض على الغير معاملته وفقاً لهذا الاحترام، ويدرّبه من حيث لا يدري على الاعتراف بوجود من يستحق التعامل بهذا المنسوب من الاحترام. وأعلم أنك تؤمن بهذا كما أؤمن وتثق بأني من هذا النوع كما أثق أنك منه. لكنني أمام كلّ منعطف أختبر فيه مقدرتي على مطابقة العقل والقلب، أفشل، فتقتلني الوساوس والشكوك وتسعفني أنت بأن تختصر المسافات. بينما أعرف أن عندي شعوراً بقدر من الحرّية من ترفّعك يتّسع لدزينة من النساء، وبقياس الشرق أنت من يحق له أن يكون ما أكون، فأنت الرجل ويزيدك هذا في عيوني مكانة. فهل أصغر في عينيك؟

فقال لها: يؤلمني أن أشعر عندئذٍ بصغر نفسي بعينيك، لأن شكوكك تلسعني بهذا الشعور. لكنني أراهن على التدرّب والرسائل التي تنقلها لك التجارب، تجاربك وتجاربي وتجربتنا معاً، وأقول نستنزف بعضنا أحياناً بنقاشات الشكوك، لكنّنا نفوز. واعترافي لك الآن أنك تتدرّبين بسرعة قياسية على اجتياز الماراثون. فقد انقلبت أمور كثيرة بيننا نحو الأحلى ألا تشعرين؟

قالت: وهل هذا فعل تقدير منك أم هو فعل شغف منّي؟

فقال: هو اللاوعي الجمعي بيننا، بأن نختصر في لحظات اللقاء عمراً. والعمر قصير.

فقالت: لمن كرسي الاعتراف؟

فقال: لمن لا يخاف!

فأجلسته وأمطرته أسئلة لا تنتهي وهو يجيب… ولا يزال، لكنهما يبتسمان. ربما صار درسَ تدريب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى