عشق الصباح
كانت في الشرفة وحيدة، ملأت فنجانها بالصمت، يا لمرارة الانتظار! كانت تُغنّي مع فيروز: «خدني بعينيك واهرب أيها القمر»!
سمعت صوتاً هاتفاً في الفجر: أتذكرين ارتباكاتنا الصغيرة؟ كلما مررنا بظلال الياسمين، نقرأ تفاصيل حكايات مخبوءة بالتاريخ لتلك الحضارة التي تُغني المبدعين والباحثين والكتّاب والشعراء والمثقّفين، ونحن نواصل مسيرنا اليومي بعيداً عن رقابة العيون المتسائلة! كلانا يتعشّق تفاصيل الحارات القديمة، لدمشق الشام، وحكينا أن لا مجال للتردّد أو الرمادية في عشق سورية الأبدي… ونحن نُلقي تحية الصباح على باب السلام، ونتبادل عطر الياسمين عند باب توما، نسمع صوت المؤذّن الآتي من الجامع الأموي يملأ فضاءات النهار ونحن نشرب قهوتنا المرّة في مقهى «النوفرة». نمرّ بحيّ «الأمين» نتوقّف هنيهة ونحن نسمع تراتيل أجراس الكنائس من «باب شرقي» يا لتلك النواقيس! تعبق من حولنا رائحة التوابل وقد أدهشتنا روعة الشارع المستقيم.
أتذكرين يومذاك، أمسكتِ بيدي فعَلِق عطركِ بين أصابعي ولم يزل.
قالت وهي تتمنّى أن تتكشف شاشة الهاتف النقال فيتجلّى وجههُ البهيّ: كيف أنسى تلك الأمكنة التي تسكنني؟ مهما اتسعت بيننا المسافات، كأنك هنا أسمع صوتك مع كلّ رشفة قهوة، كلّ الأمكنة التي مررنا فيها تُذكّرني فيك، في غيابك… نسجت لكَ قميصاً من حرير الشام، ولم أزل احتفظ بعقد الياسمين الذي طوّقت به عنقي ذاتَ قُبَلٍ مُشتعلة بلحظات مسروقة من الزمن. كن حيث أنت «عرق تعبك حين نلتقي سيكون عطري».
شدّ قبضة يمناه على زناد البندقية وعيناه تلوبان بكل الاتجاهات. لم أزل على عهدي، أنا هنا في حلب «سيف الدولة» أحرس التاريخ وأبواب دمشق العرين، وأحرس الياسمين والعطر والليل والصباحات، كي تبقين وتبقى سورية بخير.
كلانا على انتظار فجر النصر الآتي اليقين، كوني مطمئنة، الفجر آتٍ… آتٍ… آتٍ سوريّاً مبيناً.
حسن ابراهيم الناصر