لماذا لم تنتصر الحركة الأسيرة لذاتها وللكايد؟
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
الحركة الأسيرة الفلسطينية خاضت إضراباتها الاستراتيجية الإضراب المفتوح عن الطعام، معارك الأمعاء الخاوية برأس قيادي موحّد وأداة تنظيمية وطنية موحّدة، وانتصرت فيها جميعاً، ولعلّ الإضراب الأخير والذي بدا موحداً في آب 2004، لم تكن القيادة فيه مركزية والأداة التنظيمية الوطنية أيضاً لم تكن موحّدة، ولكن هذا الإضراب غلب عليه الطابع الشمولي، بمعنى خاضته كل الفصائل، وبسبب عدم الوحدة ومركزية القيادة كانت خسارة الحركة الأسيرة مدوّية وهزيمتها كبيرة. ومنذ ذلك التاريخ في ظل حالة من الانقسام بين مكوّنات ومركبات الحركة الأسيرة، والفصل بين أبنائها، وتحديداً فتح وحماس، لم يجرِ خوض أي اضراب استراتيجي على قاعدة الوحدة للأداة التنظيمية الوطنية أو مركزية القيادة، وأصبحت الإضرابات تُخاض على أساس الفصائلية والفردية، وقد تصدّرت الجبهة الشعبية الإضرابات الفصائلية والتي كانت آخرها معركة الأسير بلال الكايد التي توّجت بانتصاره بعد 71 يوماً من الإضراب المفتوح عن الطعام، في حين قادت حركة الجهاد الإسلامي الإضرابات الفردية ضدّ سياسة الاعتقال الإداري، وفي كلّ الإضرابات فصائلية أو فردية، لم تنتصر الحركة الأسيرة لذاتها ولا للمضربين فردياً وفصائلياً. وهذا بحدّ ذاته عكس حجم التراخي، وتفكك البنى والهياكل التنظيمية والاعتقالية عند الفصائل، ودخولها في مرحلة المناكفات والتحريض والتحريض المضاد، وتغليب المصالح الفصائلية على المصلحة الاعتقالية العليا لكلّ أبناء الحركة الأسيرة ارتباطاً بحالة الانقسام الفلسطيني. وهذا سهّل على إدارة مصلحة السجون وأجهزة المخابرات ضربها والانقضاض على منجزاتها ومكتسباتها والتطاول على حقوقها الأساسية.
الحركة الأسيرة توفّرت لها فرص كثيرة، لكي تستنهض أوضاعها وتوحّد صفوفها خلف مشاريع نضالية، تسقط من خلالها سياسة الاعتقال الإداري وتحوّلها معركة استراتيجية، حيث هذا الاعتقال عدا عن كونه يخالف كلّ الأعراف والمواثيق والاتفاقيات الدولية، فهو حتى داخل المؤسسة الإسرائيلية نفسها لا يحظى بإجماع، وأية خطوة أو تحرّك نضالي في هذا الإطار من شأنه أن يستقطب ليس الشعب الفلسطيني وجماهيره، بل سيحظى بزخم كبير على الصعيد الدولي، وسيشكل إحراجاً كبيراً لكلّ المتشدّقين بالحرية وحقوق الإنسان في أميركا وأوروبا الغربية، ولعلّ الإضرابات المتكرّرة للمعتقلين الإداريين بشكل فردي، وما حققه المعتقلون الإداريون من انتصارات في تلك المعارك، كان بالضرورة أن يشكل «بروفات» لمعركة اعتقالية جماعية تخاض من أجل إسقاط وإلغاء الاعتقال الإداري، يكون المعتقلون الإداريون أنفسهم رأسَ حربتها، ويتمّ إسنادهم وفق برنامج نضالي من قبل كل أبناء الحركة الأسيرة كافة، ولكن هذه الفرصة المتوفرة لم يجر استغلالها من قبل الحركة الأسيرة، حيث هذه الحركة غير متوافقة على برنامج نضالي، وغير مقتنعة بخوض مثل هذا الشكل من النضال، فأوضاعها الداخلية والتنظيمية غير المتماسكة، ربما كانت تقف عائقاً أمام قرار من هذا النوع، ولربما العامل الحاسم هنا، إن مَن هم في الخارج من قادة التنظيمات والفصائل ويتابعون أوضاع الحركة الأسيرة، لم تتوفر لديهم الإرادة على الأقلّ للاتفاق على برنامج نضالي وحدوي في ما يخصّ الاعتقال الإداري، وانقسامهم ملقياً بظلاله على قراراتهم، ولا تشمل العمل على توحيد الحركة الأسيرة، أو تحييدها من مسائل الانقسام والمناكفات والتحريض، لكونها مستهدفة كمجموع من قبل إدارات السجون ووحدات قمعها وأجهزة المخابرات الصهيونية.
المهم هذه الحالة والصورة المأساوية التي تبدو عليها الحركة الأسيرة، جعلت إدارات السجون وأجهزة مخابراتها «تتغوّل» عليها، وتستفرد بها أفراداً وفصائل، بحيث وصل حال الحركة الأسيرة الى حدّ وجود مناضلين مضربين عن الطعام في غرفة، ومناضلين آخرين غير متضامنين معهم ولا مع أنفسهم كمجموع اعتقالي.
ولذلك خطا الاحتلال خطوة أخرى وبشكل نوعي على طريق كسر إرادة الحركة الأسيرة، وفرض شروط إضافية عليها، تمعن في إذلالها وقمعها والتنكيل بها. وهذه الخطوة تمثلت في معاقبة قادة ونشطاء الحركة الأسيرة، بعقوبات إضافية تتمثل في استمرار اعتقال المناضل الأسير، بعد انتهاء مدة حكمه، وكانت البداية الأسير القائد بلال الكايد، فبعد أن أنهى مدة حكمه البالغة 14 عاماً في سجون الاحتلال وأقسام وزنازين عزله، جرى تحويله للاعتقال الإدراي، في هجمة نوعية غير مسبوقة على الحركة الأسيرة، ومقدّمة لمشروع كامل تختبر إدارة مصلحة السجون وأجهزة مخابراتها قدرتها على تمريرة وتطبيقه. هذا المشروع الذي كان يجب أن يشكل ناقوس خطر أمام الحركة الأسيرة كمجموع، وتعي حجم الخطر المترتب على تمريره وتطبيقه، وأن تستنفر كل طاقاتها وإمكانياتها وتتوحد في معمعان الفعل الكفاحي الاعتقالي، من أجل إسقاط هذه المشروع والمخطط، وجدنا بأن الحركة الأسيرة لم تنتصر لذاتها أولاً، لكون هذا المشروع والمخطط لا يستهدف أسيراً او فصيلاً وحده، بل كلّ أبناء الحركة الأسيرة، وهي أيضاً لم تنتصر للأسير القائد بلال الكايد في معركته البطولية، ولا أبالغ بأنّ موقفها وتضامنها ومستوى وعيها وإدراكها لخطورة المشروع، كان لا يليق بمستوى حركة أسيرة، كانت تشكل دوماً رأس الحربة في التصدي لأية مشاريع احتلالية وأمنية ومخابراتية، تستهدف وجودها وبناها وهياكلها التنظيمية والاعتقالية وحقوقها ومنجزاتها ومكتسباتها.
ترك الكايد وحيداً في الميدان، وأصبحت قضيته قضية فصيله وحزبه، لا قضية حركة أسيرة. وهنا مكمن الخطر المستقبلي على الحركة الأسيرة، التفتيت والمزيد من الانقسام وتغليب الخاص على العام.
رفاق حزبه وفي مقدّمتهم أمينهم العام القائد سعدات، وقيادة فرع الجبهة في السجون، أداروا معركتهم ومعركة الكايد، والتي هي معركة الحركة الأسيرة، والحركة الشعبية والجماهيرية مع كلّ يوم واصل فيه الكايد إضرابه المفتوح عن الطعام، كان حجم التفاعل والتضامن يزداد ويتوسّع، ويخرج عن إطار ودائرة الفعل الفلسطيني في الضفة والقطاع الداخل الفلسطيني 48 ، بل تعداه الى الأقطار العربية، وحتى العديد من العواصم الدولية، وكان الشباب يشكلون حجر الرحى ورأس الزاوية في تلك التحركات والفعاليات والمناشطات والمسيرات والاعتصامات الجماهيرية.
ولوحظ بأنّ دور السلطة والفصائل والأحزاب كان باهتاً، وأكثر ما كانت تقدمه هو ممارسة «اللطم» و«النحيب» في خيم ومقار الاعتصام، والعديد من المناشدات والاتصالات والمطالبات الدبلوماسية والسياسية بضرورة التدخل من أجل الضغط على إسرائيل من أجل إنقاذ حياة الأسير الكايد.
معركة الكايد حتى اللحظة ليست منتهية، وإن جرى الاتفاق على تحديد موعد للإفراج عنه بعد انتهاء مدة الاعتقال الإداري، ولكن هذه معركة مفتوحة مع الاحتلال بحاجة إلى مجابهة ومتابعة على كلّ الصعد، الحركة الأسيرة، المؤسسات الحقوقية والإنسانية محلية وعربية ودولية، الأحزاب والفصائل والقوى والسلطة، ومؤسسات المجتمع المدني. فالسماح بتطبيق هذا المشروع وتمريره سيكون كارثة، ليس على المناضل كفرد او حزب بعينه، بل على كل أبناء الحركة الأسيرة.