دوافع الصراع في الحسكة
حميدي العبدالله
يخطئ من يعتقد أنّ انفجار الوضع العسكري في مدينة الحسكة بين بعض الجماعات الكردية والجيش السوري كانت نتيجة لأخطاء وقع فيها الطرفان في ظلّ تداخل المواقع داخل المدينة، وتقاسم السيطرة عليها، أو بسبب احتمال حصول انفراج في العلاقات التركية السورية أساسه مواجهة الأكراد.
كان تقاسم السيطرة قائماً منذ بداية الحرب على سورية في هذه المدينة، وكانت الأخطاء التي يقع فيها الطرفان تقود إلى توتر، ولكن كان من السهولة ضبط الأوضاع والحؤول دون تفاقمها، لأنّ القواسم المشتركة التي تجمع بين الطرفين أكبر وأوسع من تلك التي تقود إلى نشوب احتكاكات في غالب الأحيان نابعة من تصرفات فردية، ولا تعبّر عن المواقف الحقيقية لكلا الطرفين. أما التقارب السوري التركي المزعوم فهو أبعد بكثير من أن يجعل سورية وتركيا حليفين ضدّ الأكراد.
الصراع الدائر الآن في محافظة الحسكة يختلف هذه المرة في دوافعه وأسبابه عن الصراعات التي دارت في الفترات السابقة.
الموجة الجديدة من الصراع لا تحركها تطلعات الجماعات والأحزاب الكردية، بقدر ما جاءت في ضوء تحريض أميركي واضح ومكشوف.
ومعروف أنّ اعتماد بعض الأكراد على الولايات المتحدة في مواجهة أعدائهم المتعدّدين، سواء داعش أو التنظيمات المسلحة الأخرى، مثل جبهة النصرة والجبهة الشامية، جعل بعض الجماعات الكردية رهينة لهذا الدعم، ولا تستطيع الاستغناء عنه خشية أن تخسر ما حققته حتى الآن، كما أنها تخشى أن تستخدم الولايات المتحدة وتركيا الجماعات المسلحة لتهديد المناطق ذات الأغلبية الكردية في عفرين وعين العرب ومناطق أخرى، ولهذا لم تعد هذه الجماعات قادرة على ردّ الإملاءات الأميركية حتى وإنْ كانت هذه الإملاءات لا تعمل في مصلحتها.
أما دوافع الولايات المتحدة لتفجير الصراع في الحسكة فإنه رسالة موجهة إلى الدولة السورية وحلفائها، ولاسيما روسيا للردّ على ما يجري في حلب.
في مطلق الأحوال الولايات المتحدة ومنذ بداية الأزمة بحثت عن جماعات تكرّس نفوذها الميداني داخل سورية، وفشلت الجماعات السورية ذات الأصول العربية، ولكن تبيّن أنّ الأكراد قوة قادرة على تحقيق هذه الغاية، وبالتالي السعي للسيطرة على محافظة الحسكة يعزّز النفوذ الأميركي، كما أنّ فتح معركة الرقة وحتى جرابلس بعد منبج دونها الكثير من التعقيدات، وبالتالي تظلّ السيطرة على محافظة الحسكة أسهل من أي معركة أخرى.
في كلّ هذه القضايا تتجسّد دوافع وأسباب الصراع الدائر الآن في محافظة الحسكة.