بين الضاحية ومعراب… ماراتون طويل

13236135_10154859864647067_503491048_n

هتاف دهام

يوصد حزب الله أبواب الحوار السياسي بالمطلق مع حزب القوات، لكنه لا يُغلقها في أروقة المجلس النيابي لأشكال من التواصل العفوي. تشكل اللجان النيابية في أحيان كثيرة، والدردشات الجانبية على هامش الاجتماعات، مكاناً طبيعياً للتشاور وتبادل الرأي، في موضوعات تشريعية بإطار التنسيق اليومي، لكنها لا تأتي في سياق صياغة العلاقة نظراً للملفات الشائكة.

لم يصل «موسم الحوارات» عند حارة حريك لقبول رسائل القواتيين فتح نافذة تواصل مع معراب. ليست القضايا المستعصية الراهنة المانعة للتلاقي الثنائي. هذه الموضوعات الخلافية المتعلقة بسلاح المقاومة والمشاركة في الحرب السورية في مواجهة الإرهابيين جرى تحييدها في حوار حزب الله الثنائي مع تيار المستقبل وحزب الكتائب، كلّ على حدة.

حاول رئيس حزب القوات سمير جعجع عبر وسطاء ومقرّبين منه التقارب مع حزب الله. بعث رسائل عديدة إلى الضاحية بعد خروجه من السجن. لم تلقَ صدىً. الاختلاف جذري في مقاربة الموضوعات اللبنانية منذ الحرب الأهلية. في السنوات الخمس الماضية مع تفاقم الأزمة اللبنانية أبدى «الحكيم» مجدّداً، وأكثر من مرة استعداداً للحوار. أطلق في مناسبات مختلفة رسائل إيجابية تجاه قيادة المقاومة.

كان الخطاب الشهير للنائب ستريدا جعجع في البرلمان، أشهر هذه المحطات. حزب الله هو شريك أساسي في التركيبة اللبنانية، وبالتالي لا خيار لنا إلا أن نكون سوياً تحت كنف الدولة اللبنانية . مدّت جعجع يومذاك اليد للحوار. صفّق لها النائب نواف الموسوي. أما نائب رئيس حزب القوات جورج عدوان فيحلو له دائماً على هامش اجتماعات لجنة التواصل الانتخابية واللجان النيابية المشتركة أن يقيم مشابهة بين الحزبين من ناحية أنهما عقائديان ولديهما قضية. لم يتورّطا بفساد. تكرّر قيادات قواتية عدة هذا الرأي أنّ الحزبين يتشابهان، لكن جميعها يؤكد دوماً أنّ نقطة الخلاف الأساسية تتصل بملف السلاح.

يؤكد قطب سياسي بارز لـ«البناء» «أنّ تاريخ القوات ولّد نظرة خاصة لدى جمهور حزب الله، تفوق أية مقاربة تجاه أيّ حزب آخر. يختلف التاريخ العسكري لحزب القوات عن تاريخ حزب الكتائب. تجربة بكفيا العسكرية محصورة في حرب السنتين حتى حرب الجبل، لكن ما بعد ذلك والمراحل الصعبة والمعقدة لبنانياً وإبان الاجتياح الإسرائيلي، حصلت كلها على يد القوات اللبنانية. تحتاج هذه الحساسية عند جمهور حزب الله إلى جهود قواتية سياسية استثنائية لا يحتاجها أيّ تواصل آخر تجاه أيّ مكوّن لبناني.

ذهب جعجع بعيداً في الأمن والسياسة. لم يكن وحده زعيم حرب. لكن انغماسه سابقاً كان أعمق وأخطر… وهذا ما حال دون تقبّله شريكاً سياسياً حتى الآن. هذا ما يميّزه عن الرئيس السابق لحزب الكتائب أمين الجميّل وغيره من قادة الكتائب. التقى الأخير الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في العام 2006 بعد اغتيال الوزير بيار الجميّل. ولبّى دعوات إلى موائد عشاء في السفارة الإيرانية. وبعث ممثلين عنه في احتفالاتها في بيروت.

الأكيد بحسب القطب السياسي نفسه، أنّ اعتبارات لبنانية صرفة تتحكم بموقف حزب الله من القوات. ليس من السهل أن يُطوى دورها الدموي في الحرب الأهلية. لكن يبقى لملف الديبلوماسيين الأربعة الإيرانيين الذين خطفوا على يدها التأثيرات السلبية. لا تزال هذه القضية جوهرية عالقة. لم تبذل قيادة معراب أية جهود استثنائية لإزالة الحساسية تجاه القواعد الشعبية للمقاومة. فجعجع يمتنع عن تقديم أية معلومات تدلّ على مصيرهم.

في تجربة حزب الله بسورية ومواجهة التكفيريين على الحدود اللبنانية كانت البيئة «المسيحية» في قرى البقاع الشمالي تشارك حزب الله إجراءاته في حماية الحدود والبلدات، بما فيها البيئات المحسوبة على القوات. في حين بقي خطاب معراب، كما يقول القطب السياسي، خطاباً مبالغاً في حدّته وأحياناً يكون عدائياً. ولا يزال يكرّر، في الشأن الرئاسي، على نحو يتقصّد فيه المبالغة والتكرار وعدم الموضوعية، تحميل حزب الله مسؤولية هذا الشغور واللعب على موجة خبيثة لإثارة مناخات عدم ثقة بين الجمهورين الأصفر والبرتقالي.

كان حزب الله محكوماً بجانب من العلاقة لا تقتصر على خصوصية تحالفه وتفاهمه مع التيار الوطني الحر، إنما أيضاً لأنّ القوات كانت تمتلك خطاباً تصعيدياً نقدياً تجاه حزب الله، وفي أحيان كثيرة كان يتجاوز حدود الاختلاف السياسي.

انتقل جعجع بعد تفاهم معراب إلى اللعب على وتر العلاقة بين الرابية وحارة حريك. عمل على تأليب الرأي العام ضدّ حزب الله… خرج بتصريحات تحمِّله مسؤولية عدم انتخاب رئيس. أخذ على نفسه المواجهة. بدأ العمل على دق اسفين بين الطرفين. مع إدراكه أنّ نزول كتلة الوفاء للمقاومة إلى ساحة النجمة من دون التفاهم السياسي بين المكونات كافة سيؤمّن النصاب لانتخاب مرشح آخر. فالفيتو الأزرق على انتخاب الجنرال ميشال عون لم تبدّده مساعي «الحكيم». وعليه، سيبقى جعجع حاملاً لواء التصعيد الدائم والنبرة العالية تجاه المقاومة انطلاقاً من اقتناعه بأنّ الأفق مسدود مع الضاحية.

وانطلاقاً من ذلك، حُمّل أكثرَ مما يحتمل، العشاءُ الاجتماعي بين النائبين علي فياض وشانت جانجنيان في مطعم Bridge في الضاحية الجنوبية، بدعوة من الأستاذ الجامعي الدكتور أحمد زين. حصلت مناسبات مشابهة شهدت لقاءات بين شخصيات من الحزبيْن لم يكن لها أيّ طابع سياسي ولن يكون لها في الأفق القريب. صحيح أنّ الزَّيتي بات حليفاً للبرتقالي، لكنه لن يصبح حليفاً للأصفر. لن يغيّر تفاهم معراب من موقف حزب الله في المدى المنظور، لكن لا أحد يعلم في المستقبل.

ففي عالم السياسة لا مستحيل… وبين الضاحية ومعراب ماراتون طويل!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى