معرض دمشق الدولي للكتاب 28 يواصل فعالياته وسط إقبال جماهيريّ كثيف
رانيا مشوّح
ضمن إطار فعالياته، يواصل معرض دمشق الدولي للكتاب الثامن والعشرين المقام في مكتبة الأسد الوطنية، جذب روّاده من محبّي المطالعة، والمثقّفين، بنسبة حضور وإقبال كبيرة أثارت الدهشة لدى المشاركين في المعرض، خصوصاً في ظلّ الظروف الراهنة التي تعاني منها سورية، وبعد توقّف دام خمس سنوات.
وعن هذا العطش الثقافي لدى العامة، تحدّث عدد من المشاركين في المعرض عن مشاركاتهم ورسائلهم، وعن نسبة الإقبال الجماهيري التي لمسوها خلال أيام المعرض.
فادية عبد الخالق مديرة مبيعات «دار رسلان للنشر» قالت لـ«البناء»: نحن من دور النشر المواظبة دائماً على المشاركة في معارض الكتاب، وكتبنا تحمل الطابع الأكاديمي كالكتب الاقتصادية وكتب الدراسات الأدبية، إضافة إلى مجموعة كتب من الأدب المترجم. وحالياً، بدأنا خطّاً جديداً في موضوع مهارات التواصل والتنمية البشرية.
وأضافت: كنا مُصرّين على المشاركة على رغم أن هناك تخوّف بعض الأشخاص من موضوع المشاركة بسبب نسبة الإقبال، لكننا على العكس كنا من أوائل المشاركين حتّى لو لم يكن هناك إقبال. قرّرنا أن نتحمل هذه المسؤولية لنشارك في معرض الكتاب كي يبقى مستمرّاً. ورسالتنا من هذا القرار أن نقول إننا ما زلنا موجودين، وما زلنا ننتج ونعطي ولدينا قدرة للعطاء أكثر وأكثر. ومهما زادت الضغوط علينا، فنحن ما زلنا موجودين.
من جهتها، تحدّثت إلى «البناء» هلا البري مسؤولة مطبوعات «الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية» فقالت: هذه ليست مشاركتنا الأولى في المعرض. المرّة الأخيرة التي شاركنا فيها كانت عام 2010، وبسبب الأوضاع الأمنية توقّف المعرض قسراً خمس سنوات. أما بالنسبة إلى الإقبال، لاحظنا أن الناس كانوا منتظرين ومتعطّشين لهذا المعرض بعد توقّفه هذه المدّة، وعادوا بإقبال شديد كباراً وصغاراً. فسورية موجودة ودمشق ستبقى عاصمة الثقافة اليوم وبعد ألف سنة. وأضافت: شاركنا بمطبوعات متخصّصة بهندسة المعلوماتية التي تُدرّس لطلاب الجامعات، ولدينا معجم المصطلحات المشرفة عليه الاتصالات العالمية وهو الوحيد في العالم العربي من حيث المصطلحات المعلوماتية حصراً، كما أننا شاركنا بمجلة صغيرة حديثة الولادة بِاسم «المهندس الرقمي الصغير» وهي موجّهة للطفل من عمر ثماني سنوات إلى 17 سنة، حيث تقدّم معلومات للطفل الراغب في التخصّص بمجال المعلوماتية، وهي الوحيدة والأولى عربياً حيث كانت هناك تجربة في الأردن لم تستمرّ.
وفي الإطار نفسه، تحدّث إلى «البناء» حبيب الضعضي مندوب «دار الفارابي» من لبنان، فقال: إصداراتنا معروفة من روايات في الأدب العالمي ودراسات فكرية وفلسفية، إذ إنّ دارنا متميزة في هذين الخطّين بشكل أساسيّ. الدار مشاركتها فعّالة ومنذ زمن في معرض الكتاب، ومشاركتنا هذه تعبّر عن الإيمان بدور سورية على جميع الأصعدة، خصوصاً الثقافية، ليس فقط في الساحة العربية، إنما العالمية أيضاً.
وأضاف: فوجئنا بحجم الإقبال، ووجدنا عدداً من جمهورنا ما زال موجوداً وزار الجناح الخاص بنا. وعلى رغم ارتفاع الأسعار بسبب الظرف الراهن، إلا أنّ نسبة اقتناء الكتب وشرائها عالية جداً.
أما عن مشاركة «دار الفكر»، فتحدث سعيد الزعبي مدير المعارض في الدار قائلاً: نحن لم ننقطع عن أيّ دورة من دورات المعرض، ودخلنا اليوم بما يقارب 800 عنوان في كافة المجالات الثقافية والأدبية والعلمية، وهناك موسوعات علمية متخصّصة وموسوعات شاملة، منها «الموسوعة العربية الشاملة» التي تضمّ 24 مجلّداً لهيئة الموسوعة العربية في دمشق وتضم كل مجالات الحياة والأبجدية حيث عمل عليها أكثر من 2600 باحث. إضافة إلى الموسوعات المتخصّصة كالموسوعات الطبية والقانونية وموسوعات الآثار في سورية. الإقبال جيد ولم نكن متوقعّين هذه النسبة، فالناس متعطّشون للمعرض ولتواجد كافة أنواع الكتب في مكان واحد، خصوصاً أن الأحداث الراهنة أثّرت على المكتبات ودور النشر، ولكننا اليوم نثبت أن سورية ما زالت بخير، وهناك أشخاص مهتمون. كما أن المعرض مهم للمؤلفين أيضاً، فالمؤلف اليوم يجد صعوبة في الوصول إلى دور النشر، أما اليوم فهذه الدور كلها مجتمعة معاً، لذلك، يعدّ هذا المعرض فائدة للقارئ والمؤلف والناشر.
كما قال قيس عقل مدير المبيعات في «دار علاء الدين» و«دار بستان» و«دار عقل»، والمتحدّث بِاسم توكيل شركة «نيو إرام» الدنماركية، وتوكيل المركز الثقافي الروسي، عن مشاركة هذه الدور في معرض الكتاب: نحن مشاركون في المعرض منذ زمن، وبعد توقّف لمدة خمس سنوات، حرصنا أن نكون من أوائل المشاركين فيه، حيث شاركنا بكتب متنوّعة: سياسية، تاريخية، اقتصادية، وكتب علمية وأدبية كالروايات وقصص الأطفال وكتب زراعية، وحاولنا أن نشمل كافة الاختصاصات، وشاركنا بكتب بلغات مختلفة كالانكليزية والروسية. رسالتنا من هذه المشاركة أننا باقون وموجودون وسنبقى مستمرّين، ومن الاستحالة بمكان أن يتوقف العمل الثقافي في سورية، والمشاركة والإقبال الجماهيري أكبر دليل على أن سورية بخير.
وفي مجال كتب الأطفال، حدّثتنا سميرة شكر من «دار الحافظ» مؤسسة العلماء الصغار عن مشاركتهم في المعرض قائلة: مشاركتنا متخصّصة بقصص الأطفال والكتب العلمية للأطفال، إضافة إلى كتب موجّهة للأهل عن كيفية العناية بالطفل. منذ اليوم الأول في المعرض فوجئنا بحجم الإقبال الجماهيري الكبير إلى المعرض من كافة الأعمار، وهذا المعرض عبارة عن رسالة مفادها أننا رغم كل ما يحصل، مستمرّون وثقافيون ومبدعون.
جرح وقصص!
وضمن فعاليات برنامج النشاط الثقافي الموازي لمعرض الكتاب، أقامت وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب العرب واتحاد الناشرين السوريين أمس، مهرجان القصة القصيرة بحضور وزير الثقافة محمد الأحمد، وبمشاركة نخبة من الكتّاب والأدباء السوريين، وهم: الدكتور هزوان الوز وزير التربية، حسن م يوسف، مالك صقور، يوسف الأبطح، فلك حصرية، ونهلة السوسو.
وألقى الوز قصة بعنوان «كوكب وحيد الظل» تألّفت من خمس وحدات سردية، لكل وحدة علامة خاصة بها. وفي الوقت عينه تشترك الوحدات السردية بعلامات قائمة تربطها ليكون الحدث في خدمة الوطن والإنسان.
وانتقد الوز العادات والتقاليد بشكل فنّي شيّق جعل الحدث فيه متحوّلاً وفق العاطفة الإنسانية الدالّة على موقف وطنيّ طاول خلاله العادات السيئة ووسائل التعامل المغلوط مع الدين والمرأة. لافتاً إلى ضرورة الأمانة والوفاء ليصل إلى نتيجة حتمية تهدف إلى المحافظة على الوطن الذي تعرّض لمؤامرة خطيرة نتيجة أهميته. ولخّص القاص الوز بمهنية عالية كلّ تداعيات التآمر الكوني على سورية وحضارتها من دون أن تتفكّك أسباب القصّ وأسسه في قصته.
على حين ذهب القاصّ حسن م يوسف في قصته «بحر أوغاريت» إلى إظهار جماليات الحضارة السورية وعراقتها خلال حديثه عن أوغاريت وعاصمتها رأس شمرا التي كانت كما رأى أهم من البيت الأبيض، وفيها أقدم أبجدية تاريخية.
وفي أسلوبه الساخر رفض يوسف كلّ تصرّفات الولايات المتحدة تجاه السوريين والتعاطي مع ما تحاول أن تقدّمه لخدمة أغراضها التي تؤدّي إلى دمار العوالم الأخرى.
وكانت قصّة الأديب مالك صقور «الطُّعم والصنّارة» قد كشفت عن الكثير من الإيجابيات والسلبيات الاجتماعية للشعب السوري، بأسلوب قصصيّ رهيف وشديد العاطفة قسم منه الذي انتمى إلى وطنه ودافع عن شرفه، والثاني الذي خان وباع كرامته من خلال «عائشة» بطلة القصّة التي فضّلت الوطن على زوجها وأبنائها.
وجعل القاصّ صقور العلاقة متينة بين المتلقّي وأحداث القصة في تدافع عاطفي ولهفة وطنية تحرّض على الانتماء وعشق الوطن وعدم السقوط في المؤامرات وشباكها.
القاصّ يوسف الأبطح أراد في قصّته «الشعرة التي…» أن يكشف كلّ ما يفعله العدوّ وكلّ تداعيات جرائمه على الأرض، خصوصاً سورية، ونبذ الطائفية والغباء الانقسامي في السلوك الوطني بأسلوب تكاملت فيه عناصر القصّ والتشويق.
ووصفت القاصّة فلك حصرية في قصتها التي جاءت بعنوان «يوميات دمعة من دمشق» الآثار السلبية للإرهاب التكفيري الذي يضرب الشعب السوري. لافتةً إلى أن سورية ستبقى عصيّة على كلّ ما يحاك ضدّها، وستبقى قلعة الصمود والشموخ، تاركةً لعاطفتها أن ترافق مكوّنات النصّ القصصيّ وجمالية البناء الفنّي في وسيلة السرد التعبيريّ إلى نهاية الحدث المشوّق.
وقرأت القاصة نهلة السوسو قصة بعنوان «أكبادنا» ربطت فيها بين الأطفال وأهمية الحكاية، وبين ضرورة العمل على التربية الوطنية والاجتماعية الناجحة التي تفيد المجتمع والوطن.
وفي ختام اللقاء القصصي، قال الناقد الدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتّاب العرب، إن الأعمال القصصية المشاركة في مهرجان اليوم أمس تميّزت بأنها تشترك بالاهتمام بالجرح السوري الناتج عن الحرب، والذي كان دلالة ميّزت كلّ القصص. موضحاً أنه كان لكلّ قصة أسلوبها الفني المختلف الذي يميّزها ويرقى بها، لا سيما أنها قدّمت غالبية الأشكال الفنية في السرد القصصي.