بعد الانتخابية… هل تفخّخ التقسيمات اللامركزية؟
هتاف دهام
ليس في الأمر غرابة أن تُنبش بنودٌ من اتفاق الطائف، رغم أهميتهما في سياق اللعب بالوقت الضائع. حان موعد التلهّي باللامركزية الإدارية ومجلس الشيوخ بعد العجز عن التوافق على قانون الانتخاب لأسباب سياسية على مدى أربع سنوات.
جُمّدت جلسات لجنة قانون الانتخاب. لم يعد لدى المجتمعين وقياداتهم في الحوار الوطني أسباب موجبة للاستمرار في حوار طرشان انتخابي. وإلى أن يتضح مصير السلة الشاملة رئاسة الجمهورية، الحكومة، قانون الانتخاب مع دخول لبنان أقله المجهول الرئاسي والتشريعي، ينشغل النواب بتسلية جديدة عنوانها اللامركزية الإدارية مع انسداد أفق انعقاد الهيئة الهامة قريباً.
لن يكون هذا العنوان أسهل من دراسة قانون انتخاب جديد. لكن ليس مستهجناً على نواب أوهموا أنفسهم قبل أن يوهموا اللبنانيين بأنّ القانون الانتخابي قاب قوسين، أن يطلقوا وعوداً أنّ إقرار اللامركزية الإدارية خارج أية تعقيدات. لكن السؤال لماذا قذف أصحاب السعادة التقسيمات الإدارية إلى البند الأخير للنقاش؟ هل سيكون مصيرها مآل التقسيمات الانتخابية في القانون الانتخابي؟ وهل تفخخ التقسيمات الاجتماعات باكراً؟ أم سيكثر النواب من وعود حفظها اللبنانيون عن ظهر قلب إلى أن تدق ساعة إعلان الفشل؟
بعد 45 دقيقة من الموعد المحدّد عند العاشرة والنصف اكتمل نصاب جلسة اللجان المشتركة المخصصة لدراسة الاقتراح المقدّم من النائب روبير غانم والمعدّ من لجنة تحديث القوانين، والاقتراح المقدّم من النائب سامي الجميّل والمعدّ من لجنة ترأسها الوزير السابق زياد بارود بتكليف من الرئيس السابق ميشال سليمان. كانت الجلسة الأولى هادئة. شكّل المجتمعون لدراسة الاقتراحين، لجنة من النواب: روبير غانم، نواف الموسوي، سمير الجسر، ألان عون، غسان مخيبر، ياسين جابر وإيلي كيروز، على أن تحدّد الطائفة الأرمنية من يمثلها. تبدأ أولى اجتماعات اللجنة المصغرة الثلاثاء المقبل للبحث مجدداً في هذين الاقتراحين ووضع الآليات اللازمة لدرس وإقرار اللامركزية الإدارية.
في بداية الجلسة، جرى نقاش عام حول المبادئ والمرتكزات التي يقوم عليها مشروع اللامركزية، بحيث تمّت الدعوة للاتفاق على المبادئ مما يسهّل الاتفاق على المشروع.
واستهلّ الكلام رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، مؤكداً أنّ ما يميّز اللامركزية الإدارية هو الانتخاب والاستقلال المالي والإداري والشخصية المعنوية والرقابة اللاحقة. ودعا الى مراعاة ذلك.
علق عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض على هذه المبادئ بالقول إنّ ثمة مبدأين أساسيين يميّزان اللامركزية جوهرياً، وهما الانتخاب وانتقال السلطة الى الهيئة المحلية وليس تفويضها، بالإضافة إلى المبادئ الأولى. لكنه أشار إلى ضرورة التمييز بين المعيار الموضوعي المنصوص عليه في القانون الدستوري ويؤكد الأهمية الحاسمة لمبدأ الانتخاب من ناحية وبين ما نص عليه اتفاق الطائف لناحية أن يرأس القائمقام مجلس القضاء وهو موظف غير منتخب، حيث جرى إقرار هذا الأمر بعد نقاش مستفيض في جلسات الطائف آخذاً بعين الاعتبار مقتضيات الخصوصية اللبنانية ومحاولة التوفيق بين الحاجة إلى اللامركزية الإدارية والحفاظ على مركزية الدولة ووحدة الشعب.
ودعا فياض الى تحرير النقاش من الخلفيات السياسية للاصطفاف الراهن ومقاربة الموضوع بحياد وموضوعية على قاعدة رسم حدود للنقاش بما لا يفضي إلى أيّ شكل من أشكال اللامركزية السياسية.
بعد ذلك، جرت مداخلات لنواب آخرين. أكد النائب عن حزب الله علي عمار التشدّد في وحدة الدولة والكيان. دعا عضو كتلة المستقبل النائب سمير الجسر إلى استلهام النموذج الفرنسي الذي يطبق اللامركزية الإدارية بروحية الحفاظ على وحدة الدولة ودورها المركزي. أكد النائب نواف الموسوي وحدة الشعب إلى جانب وحدة الدولة. وطلب التروّي في دراسة التقسيمات الإدارية.
عليه، يبدو أنّ مسار النقاش الذي سيحكم مواقف القوى تجاه موضوع اللامركزية الإدارية ما يتصل بحدودها ودور الدولة. مصير الاتحادات البلدية. ضرورة الالتزام بالطائف أو التحرّر منه في ما يتعلق بانتخاب رئيس مجلس القضاء. حدود إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية التي يبدو أنها من أكثر النقاط إشكالية نظراً إلى صلتها بالتوازنات الطائفية.