لو وددت…
خضر سلامة
لو وددت اليوم أن تقلّد الخليفة وتلبس رداء الليل كي تتفقد الخليقة، لما كلّمك أحد. فالناس خُرسٌ وإن هم حكوا: يخبئون حزنهم كي لا يصطاده مراسلٌ تنقصه مادّةٌ لثلاثين ثانية فارغة، من النشرة الفارغة.
لقد اشترى الرومان رأس المسيح بثلاثين من فضة. وبثلاثين ثانية يُباع اليوم كل رأس، لجمهورٍ لا زال منذ قرنين، يحتشد في الشارع، أو في الصالون، ليتفرج على صلبٍ جديد.
ولو وددت اليوم أن توزّع بابتسامةٍ سلامات على ناسٍ لا تعرفهم، لما ابتسم لك أحد… فالناس عميانٌ وإن هم أبصروا: صار بين عيونهم وقلوبهم «كاميرا»، لا بندقية، تحوّل المأساة إلى «فيديو»، واللّحظة الجميلة المتحركة كنهرٍ، إلى صورة راكدة كوحل مستنقع.
نحن شعبٌ يُحب الفُرجة، نخفّف المشي كي نتفرّج على حادث سير، كأنه مشهدٌ من فيلم سرعة وكأن القتيل مخضّبٌ بالكاتشاب… وسيصحو بعد أن يدهسنا موته فيُدهشنا، ونصفّق.
بلدٌ فرجة، دولة فرجة وجمهور يصلح للفرجة.
ولو وددت اليوم أن تحمل قيثارةً وتحفر في أذن المدينة أغنيةً، لما رقص معك أحد… فالناس صمٌ وإن هم سمعوا: تدقّ كل ما اعتاد البشر دقه، نواقيس الخطر، طبول الحرب، أجراس الكنائس… وكأنك ما دقّيت فيهم إلا الماء… وهم ماء.
إن آذان الناس موصولةٌ ولا شك، إلى جهازهم البولي. إن أناشيد الوطن وأغاني الفرح وأدعية الصباح تذهب مع البول.
وإلا، بعد قرونٍ من الغناء والصلاة، لماذا لم يبق في بلادنا لا وطنٌ ولا فرحٌ ولا صباح؟