اليمن.. ومبادرة كيري!
نظام مارديني
كشفت زيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري الى السعودية وإطلاقه مبادرة حل للأزمة اليمنية من هناك، عن الهواجس، التي بدأت تعتري دول الخليج من استمرار الحرب على اليمنيين، كما عرّت هذه الزيارة بالمقابل الأخطار التي باتت تشكّلها هذه الأزمة على المنطقة، وعلى مواقف الولايات المتحدة بمعاييرها المزدوجة.
ولكن الأسئلة التي يطرحها المراقبين، هي لماذا جاءت المبادرة الأميركية على تسوية الأزمة اليمنية في هذه الفترة الفاصلة من العدوان على اليمن؟ وهل جاءت المبادرة لإخضاع هذا البلد مباشرة للقراءة الأميركية، بعد فشل الرياض في القيام بهذه المهمة، أم أن المبادرة جاءت بطلب من الرياض لإنقاذها من المأزق الذي تورّطت به، خصوصاً بعدما بدأت الخسارة تدق أبوابها مع وصول الجيش اليمني مدعوماً من أنصار الله إلى نجران وجيزان وهي بذلك تتذكر قول جورج ارويل بان «أسرع طريقة لإنهاء الحرب هي أن تخسرها»، أم أن المبادرة هي ردّ على المجلس السياسي الاعلى الذي أُعلن في صنعاء، وخلط أوراق قوى العدوان على اليمن، وستُفضي في النهاية الى اتهام أنصار الله والجيش اليمني، بمسؤوليتهم عمّا يحدث في اليمن؟
إزاء هذه التساؤلات، بدت الأمور وكأنها خارج السيطرة، خصوصاً أن اليمنيين يعشقون الحرب، فهم ومنذ انهيار سد مأرب قبل نحو ثلاثة آلاف سنة وجدوا في الحرب وسيلة لا بديل عنها للإجابة على السؤال المتعلق بالوصول الى السلام والرخاء، وأحالوا دواعي هذا الخيار الأبدي الى حكمة يتداولونها جيلاً عن جيل: «لا بد من صنعا وإن طال السفر». واللافت هنا بأن الأزمات اليمنية الدورية تنطلق من نقطة غامضة ثم لا تلبث أن تشغل العالم بوصفها قدرًا أو كابوساً، لكأن الهدهد ما يزال يخاطب سليمان حتى اليوم «وجئتك من سبأ بخبر يقين».
والمهم، لا بدّ من تخلي زعامات آل سعود المحشوة بنشارة الخشب عن عدوانيتهم المفرطة والمريضة، التي تهيئ الأسباب الواهية للحرب.. كاليغولا، كان يقول: «أريد الحصول على القمر.. أغرق السماء في البحر.. أمزج الجمال بالقبح.. أصدر مرسوماً بتعيين حصاني رئيساً لمجلس الشيوخ»!
ليسَ صحيحاً أنَّ اليأس لا يُنتج غير الاستسلام.. فرغم فداحة الخسارة والإحساس الدفين بخيانة وانكشاف معالم التواطؤات المتبادلة بين زمرة هادي وآل سعود، لطمس معالم جريمة العدوان والارتكابات الفاضحة التي تستهدف كسر الإرادة الوطنيّة اليمنية، فإن هذه الإرادة قد تتحوّل في لحظة فارقة إلى إرادة وطنية قاهرة، تنبذ كلَّ مظهرٍ لليأس، وتتعالى على كلِّ إحساسٍ بالإحباط، لتُذكِّر بأنَّ قواها الكامنة لا يُبدّدها يأسٌ طارئ، ولا يعطّلها إحساسٌ عبثيٌ بالمرارة أو الخجل من شريحة سياسيّة مرابية توهّمت بأنَّ عمالتها ستُسجَّل ضدَّ مجهول..!
كان يُراد لليمن أن يُعامل، وعلى ضفتي الصراع، كما قال الفرنسي ايميه سيزير، مثل حقل من الفحم الحجري الذي يُفترَض أن يحترق، ويحترق، ليغدو حقلاً من الرماد.
هي رقصة دموية.. رقصة القبائل ورقصة الإمبراطوريات، على أرض سبأ يقول الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح «ذهبت قدما بلقيس من ذاكرتنا وبقيت قدما شهرزاد»!