«إسرائيل» والسعودية الخطر الداخلي أكبر!
محمد شريف الجيوسي
يتجه الكيان الصهيوني إلى حرب داخلية جراء حالة استقطاب سياسية حادة، مترافقة مع تنامي المظاهر الفاشية فيه، هذا ما أكده يوم الثلاثاء الموافق 30 آب 2016، رئيس الموساد «الإسرائيلي» السابق، تمير باردو، وزعيم المعارضة «الإسرائيلية» يتسحاق هرتسوغ، الذي حذر من مغبة ملاحقة أوساط اليسار وجمعياتهم ومن سنّ قوانين ضدّهم وتقييد حرية التعبير.
ورأى رئيس الموساد السابق أنّ الخطر الوحيد المثير للقلق الذي تواجهه «إسرائيل» هو الخطر الاجتماعي الداخلي، في ظلّ حالة استقطاب حادة بين قوى اليمين المتطرف واليسار.
ونقلت إذاعة العدو «الإسرائيلي»، عن باردو قوله، خلال مشاركته في نشاط بقرية دالية الكرمل، إنه «ينبغي الشعور بالقلق إزاء الخطر الداخلي أكثر بكثير من المخاطر الخارجية لأنه إذا تجاوز مجتمع يعاني الانقسام عتبة محدّدة، فإنّ هذا المجتمع يمكنه أن يصل إلى ظاهرة تشبه الحرب الأهلية، حيث المسافات تتضاءل».
واعتبر باردو أنه «يوجد داخل المجتمع «الإسرائيلي»«من يشعرون بالارتياح في إبراز عناصر الفرقة بدلاً مما أسماه الوحدة»، لافتاً إلى «أنّ هذه النزعة قائمة في جميع الطوائف داخل الكيان».
ونفى باردو ما تردّده حكومة الاحتلال الصهيوني بشأن التهديدات الوجودية، معتبراً أنه «لا يوجد حاليّاً أيّ خطر وجودي».
ورغم أنّ هذه الشهادة تأتي من شخصيتين صهيونيتين معاديتين، إلا أنهما تحملان دقة كبيرة فما يسمّونه «المجتمع الإسرائيلي» يحمل الكثير من التناقضات، ويتوفر على بذور تفككه من الداخل، لولا أمرين أولاهما وجوده في منطقة معادية وإن لم تمارس بعد ضدّه نضالات حاسمة حقيقية، رغم كلّ التضحيات التي بُذلت من قبل أطراف محدّدة ومحدودة دون غيرها.
أما الأمر الثاني فيتمثل في تبنّي دول كبرى لهذا الكيان حتى تمييزه نسبياً عن اعتبارات مصالحها، كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا وغيرها.
لكن انشغال وجهَي المعادلة عن الكيان الصهيوني وإنْ يكن ذلك يصبّ في صالحه في نهاية التحليل ، فالمنطقة العربية منشغلة بجروحها وبخاصة في سورية والعراق واليمن ومصر وليبيا وإلى حدّ ما الجزائر، ما أبعد الخطر الوجودي الداهم عن الكيان الصهيوني، فضلاً عن الانقسام الفلسطيني العميق الجغرافي الضفة وغزة والسياسي الفصائل الـ10 والسلطة .
وحيث إنّ السياسة كما الطبيعة لا تقبل الفراغ، فإنّ ابتعاد الخطر الوجودي ولو موقتاً، لا بدّ أن يعبّأ بخطر آخر، تتوفر عليه «إسرائيل» منذ نشوئها، حيث يظهر في الخطر الاجتماعي الداخلي والذي يتخذ أحياناً اشكالاً فاشية، نما ولو تحت الرماد في العقدين الأخيرين بفعل عوامل عديدة منها هجرات يهود روس وأفارقة لوّن المجتمع اليهودي واشبعه تطرفاً دينياً ليغذي حداثته في الكيان الصهيوني، بالتزامن مع مشاعر عنجهية لدى اليهود الأوروبيّي الأصل، المشوبة بكبرياء التفوق العنصري والثقافي عن سواهم.
ويريد باردو وهارتسوغ دحض محاولات الحكومة «الإسرائيلية» تضخيم الخطر الوجودي راهناً من حولها، بغرض لملمة «المجتمع الإسرائيلي» الآيل للسقوط، بدعاوى الخطر الخارجي، والمتاجرة به ـ والقول تالياً، إنّ الخطر يكمن في الداخل بما تمثله حكومة نتنياهو من يمينية مغرقة، بدأت تنقلب كلياً ليس فقط ضدّ عرب 1948، بل وضدّ تيارات يسارية على الطريقة اليهودية وليبرالية وغربية في آن ، ما قد يؤدّي إلى انقسامات حادّة تهدّد «إسرائيل» داخلياً.
وتذكّر هذه الرؤية «الإسرائيلية» بما خاطب به الرئيس الأميركي أوباما السعودية التي استشعرت خطراً عليها من اتفاق مجموعة 5 + 1 مع إيران، بشأن المفاعل النووي، فقال لهم إنّ الخطر على السعودية لا يكمن في إيران، ولكن في السياسات المتبعة داخل المملكة.
وهو ما قد يفسّر انتقال علاقات الحكومتين السعودية و«الإسرائيلية» إلى العلن، باستشعارهما أخطاراً مشتركة خارجية وليس من داخلهما، فيما يتأكد غير ذلك، فأميركا ليست «صديقاً عابراً» للسعودية. والمسؤولان «الإسرائيليان» باردو وهرتسوغ من المؤكد أنهما لا يكنان للكيان الصهيوني إلا كلّ إخلاص، وهما يوصّفان ما قد تكون «إسرائيل» مقبلة عليه…
لكن ذلك لا ينبغي أن يدفعنا إلى النوم على حرير تناقضاتهم الواقعية أو المبالغ بها، فمن ضمن مخططاتهم تصدير أزماتهم إلى دول الجوار على شكل حروب أهلية، يغذيها مشبوهون ومضللون مخدوعون.
وفي الأردن قد تتخذ عنواناً جميلاً لا خلاف عليه مبدئياً مناهضة الوطن البديل ، لكن المطلوب حرف بوصلته من توحيد للجهد والفعل والعمل ضدّ الكيان الصهيوني، إلى فتنة فاقتتال داخلي، هدفه بالحدّ الأدنى اقتسام جلد الدبّ قبل صيده، والانشغال عن محاربة العدو الحقيقي.
لقد طرحت شعارات الحرية مع نهايات سنة 2010، وأسقط نظامان فاسدان ديكتاتوريان تابعان للغرب خلال أسابيع، كمقدمة لإسقاط أنظمة غير تابعة، قرارها مستقلّ سيادي كسورية، وبغرض العودة بالمنطقة الى عهود الاستعمار والتبعية المطلقة، ولتدمير مقدّراتها وتجزئتها، فالشعارات الجميلة تخفي أحياناً كثيرة غايات فاسدة، وبخاصة في زماننا الراهن.
M.Sh.Jayousi Hotmail.Co.Uk