الإمام الصدر والميزات الثلاث…

الشيخ صهيب حبلي

ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر أعاده الله المتعال ذكری أليمة مفجعة تكشف عار الظالمين وتفضحهم! فالإمام موسى الصدر لا يتكرّر! وصفاته الحميدة ونعوته الجميلة لا تستقصى! وتغييبه أكبر جريمة قد تلطخ بقذارتها هذا الزمن! ويظهر بأنّ وعي الامة في زمن تغييبه كان قاصراً!

وانا سأتحدث عن مميّزات ثلاث تميّز بها الإمام موسى الصدر:

أولها… التأسيس: فقد كان مؤسّساً بوعي استراتيجي لكلّ شيء! فقد كان المجتمع اللبناني قبل تأسيس الإمام الصدر أشبه ببيت عما قليل سيتهدّم وخال من كلّ شيء وأبوابه مفتوحة لكلّ الشرور فجاء الإمام الصدر وأرسى بنيانه ومتّنه وضمن له كلّ أثاثه وأغراضه وحرسه حراسة كافية من الشرور! نعم فقد منع الكيان اللبناني من الانهيار وبنى المؤسسات والمرافق وأعدّ الكفاءات العلمية والمهنية!! وحصّن كلّ ذلك بالمقاومة والعمل المسلح الهادف والمشروع!

في التعايش الإسلامي ـ المسيحي: اعتبر انّ التعايش الاسلامي المسيحي ثروة يجب التمسك بها، وفي الحرب الطائفية في لبنان اعتصم في مسجد رأس النبع حتى تتوقف الحرب، واعتبر كلّ مسلم يطلق النار على المسيحي في القاع ودير الأحمر كأنه يطلقها على صدره.

في الدفاع عن لبنان: دعا الى مقاتلة «إسرائيل» بالأسنان والأظافر. واعتبر انّ الوحدة الوطنية أفضل وجوه الحرب مع «إسرائيل».

في القضية الفلسطينية قال: سأخلع ردائي وأصبح فدائياً! واعتبر أنّ شرف القدس يأبى أن تتحرّر إلا على أيدي المؤمنين الشرفاء.

في الأوضاع الاقتصادية: دعا إلى محاربة الجوع والحرمان. وأسّس حركة المحرومين.

في الوحدة الإسلامية: دعا إلى الوحدة الإسلامية، وحذر من الفتنة بين المسلمين.

في الفكر، كتب في كرامة الإنسان في الإسلام. وفي كلمة السواء. وحاضر في الكنائس والمنتديات عن الإنسان والوطن والقيم والاقتصاد والسياسة.

ثانيها… التطبيق: فقد يكون الفرد مؤسساً ملهماً ويترك التطبيق والحراك لغيره! ولكن الإمام الصدر هو الذي كان يشتغل بيده لتحقيق المأسسة التي أسّسها بوعيه العابر للزمان والمكان وتخطيطه الاستراتيجي! فكان يزرع المناطق بالمؤسسات كما يبذر المزارع البذور في الأرض! والكلّ يعلم بأنّ الإمام الصدر كان يمشي على قدميه إلى الأماكن التي لا تصلها السيارات لتطبيق مخططاته التأسسيسية الخيّرة! وكان شعاره دوماً الملازمة بين مقاومة الاحتلال ورفع الحرمان والإهمال! وهذا يذكرنا بآخر كلمة قالها الشهيد السيد عباس الموسوي في جبشيث قبيل استشهاده: سنقاوم الجوع والإهمال كما نقاوم الاحتلال! وما أحوجنا إلى ذلك الآن في ظلّ الظلم الذي يلحق بالشعب جراء وجود طغمة فاسدة تهلك الناس وتسرق قوتهم ولا تعطيهم أدنى حقوقهم!

ثالثها… التضحية: فقد يقدم أحدهم نظرية ويطبّقها غيره!! وقد يقدّم نظرية ويطبّقها بنفسه ولكنه بنفس الوقت لا يكون مستعداً للتضحية في سبيل إنجاحها! أما الإمام موسى الصدر فقد قدّم النظرية وعمل على تحقيقها وضحّى من أجل إنجاحها! وما تغييبه إلا دليل جلي وواضح على ما نقول!

ها هو عام جديد يمرّ على جريمة تغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، وألم الفراق يعتصر الوطن من مشرقه الى مغربه، خصوصاً في هذه الأوقات العصيبة التي نحن بأمسّ الحاجة الى قامات وطنية من طينة الإمام المُغيّب، الذي لم يكن يوماً إلا رمزاً للوحدة الوطنية، ومثالاً للعيش المشترك للبنانيين بجناحيهم المسلم والمسيحي.

وفي هذه المناسبة نجدّد ثقتنا بدولة الرئيس نبيه بري حامل الأمانة ومشعل الإمام الصدر، وما كلام الأمس الذي أطلقه في صور إلا تأكيداً على نهج الإمام الوحدوي ونهجه الوطني الجامع، وهو القائل انّ «الطائفية في لبنان بحث سياسي وليست بحثاً دينياً»، وإذ نؤكد على مقولة الإمام المغيّب ندعو الى نبذ كلّ الفتن التي تحاك تحت ستار الطائفية وآخرها مطالب الناس داعين الى كلمة سواء تنقذ لبنان من الأخطار المحدقة به.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى