«يهودية دولة إسرائيل» أم شرعنة «حق» العودة لليهود!؟

أسامة العرب

تتصوّر «إسرائيل» أنّ أمامها فرصة نادرة لاستكمال تحقيق ما عجزت عن إنجازه من أهداف للحركة الصهيونية، فهذه الحركة لديها ايديولوجيا تقضي إما باحتلال «إسرائيل» للأراضي العربية من النيل إلى الفرات، وإما استعمارها من خلال أدوات وأجهزة تعمل مباشرةً لصالحها. وهذا ما يمكن استخلاصه بوضوح من مقولة شمعون بيريز الشهيرة: «لقد جرّب العرب قيادة مصر للمنطقة مدة نصف قرن، فليجرّبوا قيادة إسرائيل إذن». وفي الأشهر القليلة المقبلة، تنوي «إسرائيل» إلقاء «قنبلة سياسية من النوع الثقيل»، وتتمثل بطرحها قانوناً جديداً في «الكنيست الإسرائيلي» لضمّ القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وكافة الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 إليها، ومن المرجّح أن يتمّ ذلك عشية انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الرئاسية.

أما في السنوات المقبلة، فسوف يؤدّي تمرير قانون يهودية الدولة الإسرائيلية بمباركة أميركية، إلى استقطاب ملايين اليهود الفقراء من جديد إلى فلسطين المحتلة، فبحسب المعطيات التي نشرتها صحيفة «معاريف» الإسرائيلية مؤخراً، فإنّ عشرة ملايين يهودي يعيشون خارج «إسرائيل» سوف يُمنحون حق اكتساب الجنسية «الإسرائيلية» فوراً، لأنّ مشروع قانون «الدولة القومية اليهودية»، وفقاً لما قدّمه أوفير جندلمان الناطق باسم نتنياهو في 26 تشرين الثاني 2014، لا تتمّ ترجمته الفعلية إلا بإقرار «قانون العودة اليهودي»، أي «حق» كلّ يهودي بالقدوم إلى فلسطين المحتلة ساعة يشاء، والحصول فوراً على الجنسية «الإسرائيلية».

وقد قام النواب «الإسرائيليون» بشرح مشروع قانون «يهودية الدولة»، وفقاً لما يلي «إنّ قانون يهودية الدولة معناه إقرار قانون العودة اليهودي، لأنّ هذين القانونين معاً هما العهد الذي وعدنا به كلّ يهودي في المنفى…، وإسرائيل ليست دولة يهودية فقط لأنّ أغلبية سكانها أصلاً من اليهود، لكنّها دولة لجميع يهود العالم حيثما وجدوا، ولهذا فلكلّ يهودي الحق بالعودة ساعة يشاء إلى وطنه إسرائيل… وهذا الحق موروث لكلّ يهودي لمجرد كونه ينتمي للديانة اليهودية». وعليه، فسوف يتوافد الملايين من اليهود من بقاع العالم كافة ليستوطنوا مزيداً من الأراضي في القدس والضفة وغزّة والأراضي العربية المحتلة كافة، ومن المتوقع أن يأتي هؤلاء من الولايات المتحدة وكندا والأرجنتين والبرازيل والمكسيك وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا واستراليا ونيوزيلندا وروسيا وأوكرانيا وسائر الدول المستقلة سابقاً عن الاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى دول جنوب أفريقيا ودول عربية وشرق أوسطية مجاورة.

كما أنّ الاستثمار في الدم يشكّل الوسيلة المثلى لتحقيق هذه النكبة الجديدة، ولبناء شرق أوسط جديد محكوم مباشرة من تل أبيب، أو ربما من القدس المحتلة بعد إعلانها «عاصمة موحّدة أبدية لإسرائيل». وما يؤكد هذا المخطط، أنّ الصحف الصهيونية نشرت مؤخراً خطة «إسرائيلية» لاحتلال منابع النفط في العراق والخليج العربي، حيث قيل بأنها ستتحقّق بالاعتماد على وحدات الكوماندوس «الإسرائيلية» الخاصة والمدرّبة لذلك الغرض، وهذه العملية أطلق عليها اسم «إيلادين»، وتنطلق بذريعة «محاربة داعش» ورغبة إسرائيل بالدفاع عن نفسها».

عموماً… في التاريخ شواهد كثيرة على مؤامرات اليهود على شعوب العالم، ففي العام 1215م أصدر البابا أنوسنت الثالث، بابا روما، أمراً يحتم على اليهود أن يضعوا شارات تميّزهم عن بقية المواطنين وبذلك يمكن الحذر واتخاذ الحيطة منهم، وتشكلت لجنة بابوية للتحقيق في أسباب الحروب الكثيرة بين دول أوروبا المسيحية بعدما تبيّن أنّ لليهود ضلعاً كبيراً في إشعالها. وللسبب نفسه، ولاستطاعة المافيا اليهودية السيطرة على مقدّرات الشعب الإنكليزي بطرق احتيالية، والتي كان أغلبها يتمّ في خماراتهم ونوادي قمارهم وبيوت الدعارة لديهم، اضطر الملك البريطاني إدوارد الأول لأن يصدر قراراً في عام 1290م يقضي بطرد اليهود من إنجلترا وأعطاهم مهلة ثلاثة أشهر لمغادرة البلاد، وهكذا كانت بريطانيا أول دولة أوروبية تطرد اليهود من أراضيها. ومن ثم في عام 1306م، وللسبب نفسه، أصدر ملك فرنسا فيليب الأول أمراً ملكياً بطرد اليهود من جميع الأراضي الفرنسية، لكن بعد فترة من الطرد تمكّن بعض اليهود من الهروب إلى الداخل الفرنسي وحدثت مرّة أخرى مصادمات عديدة، خصوصاً بسبب إقدام بعض اليهود على ذبح أطفال فرنسيين. وفي عام 1350م قام اليهود بإلقاء مواد سامة في آبار للمياه ومصادرها في ألمانيا مما أدّى لانتشار وباء الطاعون، فقام الألمان بعمليات انتقامية ضدّهم حتّى فرّ معظمهم إلى خارج البلاد تاركين ألمانيا غارقة في مشاكل اقتصادية ومالية واجتماعية. وفي تشيكوسلوفاكيا أصدرت الحكومة التشيكية أمراً بطرد اليهود عام 1380م ثم حاول بعضهم العودة سراً عام 1562م مما شجع الملكة ماريا تيريزا لاحقاً على إصدار أمر بطردهم من البلاد عام 1744م. وفي عام 1420م صدّق الملك البريخت الخامس ملك النمسا أمراً بطرد اليهود من البلاد، وفي عام 1424م قام ملك هولندا أيضاً بطرد اليهود. وفي أسبانيا أصدر الملك فرناندو أمراً بطرد اليهود عام 1492م ونتيجة لذلك هاجرت 70 ألف أسرة يهودية إلى البرتغال والمغرب، ومن ثم استشرت الفوضى والفساد والانحلال في البرتغال فتمّ طردهم منها عام 1498م. كما طُرد اليهود من إيطاليا عام 1540م وفتحت بولندا أبوابها لاستقبال اليهود المطرودين من دول أوروبا كما استقبلتهم أيضاً دول الدولة العثمانية ودول شمال أفريقيا وخاصة المغرب، لكنهم توغّلوا كثيراً في بولندا، حتى أصبحت مركز العالم اليهودي الأوروبي. لكن لا أحد ينسى المذابح الجماعية التي افتعلها اليهود في فرنسا، ومنها على سبيل المثال مذبحة لو مان، وليون وتولون ذهب ضحيتها 27 ألف نسمة وبريتاني والنورماندي ومين وأنجيه ورين ونانت وإيل دو فرانس وفوندي وغيرها، وهذا ما دفع نابليون بونابرت الأول حينها للاجتماع بوزراء حكومته في 30 نيسان 1806 ليخطب فيهم قائلاً: «ليس بوسع الحكومة الفرنسية السكوت بعد الآن عن استهتار اليهود بوجودها، ولن نسمح لهم بأن يثابروا على اقتراف جرائمهم القذرة بحق شعبها… إنّ الوضع الحالي لهذا الشعب الحقير في بلادنا هو وضع دولة ضمن دولة، يعمل ما يرغب وما يشاء، ولذلك أرى أن تسارع الدولة الى تجريدهم من ملكية مقاطعة الالزاس الغالية ومنع مرابيهم من تعاطي مهنة ارتهان الأراضي. هذه المهنة الرهيبة التي مكّنتهم من الاستيلاء على أكثر الأملاك الفرنسية. أيها السادة، إنّ هناك قرى عديدة أخليت من سكانها وسلّمها القضاء إلى اليهود مقابل دريهمات قليلة كان أصحابها الفلاحون قد استدانوها منهم بفوائد خيالية، ولما عجزوا عن سدادها في الوقت المحدّد، قاضاهم اليهود وسلخوا عنهم أملاكهم، ثم طردوهم من أراضي آبائهم وأجدادهم، فهل يعقل أن تسكت الحكومة عن هذا الاحتيال القذر؟ وهل ترضون أن يترك حبل الخداع اليهودي على غاربه حتى اليوم الذي لن يبقى فيه فرنسي واحد في وطنه، ألا تشعرون معي أيها السادة بهذا الخطر؟ ألا يضرّكم أن تظلّ مفاتيح الألزاس وستراسبورغ في أيدي هذا الشعب المؤلف من الخونة والجواسيس الذين لا صلة لهم بهذا البلد. ولهذه الأسباب، ولأنّ سلامة وطننا من سلامة أمتنا، أطلب منكم أن توافقوني على اقتلاع هذا الشعب اللئيم من أرض وطننا المفدّى»…

من هنا نخلص إلى القول بأنّ لنا من دروس التاريخ عبرة بليغة جداً مفادها «أنّ مَن يخشى مقاومة الأعداء، فلا يستحق أن يعيش حرّاً».

محام، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى