هل صدر القرار الاتهامي بتفجير «مسجدَي طرابلس» بإيعاز إقليمي؟

روزانا رمَّال

لم تعد مداخلات الوزير المستقيل أشرف ريفي المفاجأة التي تحمل في طياتها دخولاً مستقطعاً في كلّ لحظة يكون الملف فيها على علاقة مباشرة بالنظام السوري مداخلات طبيعية أو عرضية هذا من الجانب الشكلي وإذا أراد الوزير المستقيل التمسك بوزارة العدل، فحريّ به العودة عن الاستقالة بالشكل الذي لا يعرّض مصداقيته وتأرجحه بين خروجه من السلطة والبقاء فيها إلى الخطر.

خرج الوزير ريفي ليعبّر «بغبطة» عن نيته متابعة كلّ ما يلزم، بخصوص القرار الاتهامي الذي أصدره المحقق العدلي بخصوص تفجيري مسجد التقوى والسلام في طرابلس في الفترة السابقة، فيعلن الوزير المفترض انه مستقيل من مهامه عن استعداده لتلبية كلّ ما تطلبه المحكمة الدولية من وزارة العدل… لا يتحمّس ريفي للعودة الى الوزارة الا في لحظة يكون فيها الملف يتعلق بأي شيء حول سورية فيبدو أنّ باقي الامور او الملفات الوطنية الكبرى لا تجدي نفعاً ليتدخل فيها ريفي وليس لها صلات بطموحاته المستقبلية التي يبدو انه يتنافس عليها مع الرئيس سعد الحريري هذه المرة، في مشهد مزايدات أقرب الى الاستعطاف والاستعطاء من الدول الراعية للرجلين.

وفي وقت دعا ريفي الدولة لطرد السفير السوري من لبنان علي عبد الكريم علي، ووقف كلّ أشكال التعامل معه، فعهد الوصاية لن يعود الى لبنان حسب ريفي، قال الرئيس سعد الحريري «ها نحن أخيراً أمام ساعة الحقيقة، التي تسطر فيها العدالة مذكرات بحق ضباط مخابرات نظام الأسد الذين اعتقدوا يوماً أنّ أحداً لن يكشفهم ولن يسمّيهم، وكما عاهدنا أهلنا في طرابلس الحبيبة، سنتابع جهود إلقاء القبض على المتهمين وإنزال القصاص العادل بهم من أدنى قتلتهم إلى رأس نظامهم المجرم».

يجتمع الخصمان اللدودان حول عبارات النهاية والقصاص باستعراض قوة لم يعد له مبرر في مشهد بدت سورية فيه أقوى من أي وقت مضى منذ خمس سنوات، اي منذ بداية أزمتها وكأن «الحذر» او الترقب لتعزيز نفوذها الى لبنان بدأ يدور في افق الفريق السعودي، كاحتمال يتبع التسويات المفترضة بعد أن تبيّن ان اسقاط النظام مشروع لم يتحقق.

سورية التي تعيش انجازات جدية ودقيقة سياسياً وعسكرياً بعد سلسلة المواقف التركية أبرزها في مصالحات متفرقة ذات طابع استراتيجي وحاد النتائج كما في «داريا» وفي الحدود السورية والتعاطي المشترك مع مسألة الأكراد من منظور «نظام دمشق» نفسه بالحفاظ على وحدة سورية. كلها مواقف ومحطات اضرت بالسعودية واثبتت انها ليست نافذة في سورية كما كان مفترضاً، فتركيا تبدو اليوم الاكثر حضورا وقدرة على تحويل المشهد واخذه الى ما لا يمكن العودة فيه الى الوراء.

تبدأ السعودية اليوم بحملة من الضغط تحاول فيها التشويش على التطوارت التي أحدثتها تركيا، والتأكيد ان اعادة عقارب الساعة الى الوراء لا تزال مفتوحة وان الرياض لن توفر جهداً في التصويب على النظام السوري واستهدافه اينما حلت، وساحة لبنان لا تزال ساحة جاذبة وقادرة، بحساب الرياض على احراج سورية. وهذه نفسها الحسابات القديمة التي من غير المعروف اذا ما كانت لا تزال ناجعة بالوقت الحالي.

يتحدّث مصدر مقرب من القيادة السورية لـ «البناء» عن القرار الاتهامي الصادر من دون التطرق الى مضمونه، باعتباره مشابهاً لسياقات نمطية سابقة باتهام سورية، فيؤكد أن توقيت صدور القرار لافت ويقول «نعتقد ان هذا القرار مريب لجهة ظروفه وأهدافه، فلماذا صدر هذا القرار اليوم في لحظة تفوق ميداني وسياسي سوري؟ نعتقد أن هناك من حرك الملف قضائياً في لبنان بإيعاز خارجي، ولنكن أدق بإيعاز سعودي فتلازم ردود الأفعال من فريق معين يوضع في هذا السياق.

يبدو حلفاء المملكة العربية السعودية في لبنان متوجهين بحماسة نحو استثمار الملف الى اقصى حدود ممكنة. وهنا يحضر واقعا الرئيس الحريري والوزير المستقيل اشرف ريفي الذي بدا متمسكاً بمهامه عنوة. واذا كانت معركة عودة استهداف النظام السوري ضمن حملة داخلية قادرة على تقديم آخر اوراق الاعتماد للسعودية، في معركة ما قبل الحسم في لبنان، فان هذا يعني ان لبنان مقبل على توتر أكيد اذا ما اختارت المملكة التصويب من جديد على دمشق من البوابة اللبنانية. وهذا يعني ايضاً أن مسألة الحسم في وضعَي الحريري وريفي لاعتماد احدهما سعودياً هو المنطق المتوقع لإدارة المرحلة المقبلة في لبنان. والسؤال المطروح هل لا يزال الشارع اللبناني عموماً، والطرابلسي خصوصاً، أسيراً للمزايدات السياسية التي لم تثبت نجاح خياراتها بعد مرور اكثر من خمس سنوات على الازمة في سورية؟ الى اي مدى يمكن لهذه القضية ان تشكل ارضية قادرة على تصحيح كل من وضع الحريري المنهار من جهة، أو تثبيت وضع ريفي كحيثية سنية قيادية من جهة ثانية عند الرياض؟ الأهم ان لا يجازف الرجلان مجدداً بالبلاد في وقت لا يبدو ان الورقة اللبنانية قادرة على التأثير في الملف السوري بعد كل التطورات السياسية الاقليمية منها والدولية في منظور التعاطي مع الازمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى