هل يستمرّ أردوغان بلعبة القط والفأر؟
عبد الحكيم مرزوق
هل استوعب أردوغان الدرس واتعظ، أم أنه ما زال كالمهرّج الذي يرقص على كلّ الحبال، وما زال يلتقي كلّ الأطراف كي يستطيع الحصول على أقلّ التنازلات؟ فالطرف الأميركي، الذي تآمر عليه ولم يوفر لحظة للقضاء عليه، في الانقلاب الأخير، لم يقطع حباله معه، وهذا، ربما، يصبّ في إطار السياسة التي تنصح بأن لا يغلق أيّ أحد الباب، حتى مع ألدّ الأعداء. وهو، ربما، يبدو، حتى الآن، لم يحسم أموره تجاه الأميركي الذي يتقن اللعب مع أشدّ الخصوم.
ليس التركي فقط، هو من سقط في المستنقع السوري ولم يعد يدرك كيف سيخرج منه بأقلّ الخسائر، فقد تآمر على سورية بالتعاون مع السعودي والقطري والأردني، وسهّل دخول داعش وكلّ العصابات الإرهابية التي تعيث فساداً في الأراضي السورية، إضافة إلى تمريرالصفقات المشبوهة مع الدول المتآمرة والداعمة للإرهاب، خلال السنوات الست الماضية. لم يعد هذا خافياً على أحد، إضافة إلى أنّ الطرف الأميركي لا يتعامل مع تلك الدول المتآمرة بالأخلاق، فالسياسة لا أخلاق لها. ولذلك، دعست الإدارة الأميركية على الكثيرين ممن كانوا يسمّون حلفاء لها، والتاريخ يشهد بذلك. فلم يكن حسني مبارك أول الخاسرين، ولا زين العابدين بن علي، ولا علي عبد الله صالح، ولن يكون رجب طيب أردوغان، الذي كاد أن يطوى من صفحات التاريخ، بانقلاب لم يتح له أن يكون ناجحاً، بسبب مساعدة بعض الدول الفاعلة في العالم، التي كانت ترى أنّ بالإمكان الاستفادة منه في إعادة ترتيب المنطقة العربية بشكل أفضل، ساحبة، بذلك، البساط من تحت أقدام الإدارة، التي لا عهد لها ولا ميثاق مع الجميع. ومع ذلك، فإنّ أردوغان يبدو أنه ماض في تعنّته وفي عدم الاستجابة للمعطيات التي أمامه. وهو يصرّ على اللعب حتى النهاية، مستغلاً كل الأوراق التي بيده. ويبدو أنّ ما قدّمه الطرف الروسي لم يكن مقنعاً كفاية، حتى يتخذ قراره النهائي. وربما كان يتريث حتى يرى ماذا سيقدّم له في اللقاء المرتقب مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، الأسبوع المقبل في الصين، على هامش قمة مجموعة العشرين في هانغشتو.
كلّ الحيثيات تؤكد أنّ رجب طيب أردوغان ماضٍ، لا يسمع إلا صوته. وهو مستعدّ للرقص مع الذئاب، في سبيل تحصيل أي مكسب إضافي. وغير مستعدّ ليقدّم أي تنازلات، بعد أن جلب إلى عقر داره كلّ مرتزقة الأرض وحثالتها، لإسقاط الدولة السورية. ومع ذلك، لم ينجح في ما ذهب إليه خدمة للمشروع التآمري الأميركي. وقد بدء تأذّي تركيا ورجبها من القطعان التي استجلبت من الخارج. ودفعت تركيا أثماناً باهظة نتيجة تلك السياسة الهوجاء. وكلنا يذكر التفجيرات التي حصلت خلال السنتين الماضيتين في تركيا، من قبل العصابات الإرهابية التي استجلبها أردوغان.
وربما كانت حربه مع الأكراد مؤخراً، هي الورقة الأخيرة التي كان يحتفظ بها ويقاتل من خلالها، لذلك، كان دخوله إلى الشمال السوري بهدف محاربة الأكراد المدعومين من الإدارة الأميركية، وبينهم أكثر من 150 ضابطاً أميركياً، في غرفة عمليات تخطط وتوجه الأكراد في المناطق التي يتحرّكون بها. وكلنا يذكر كيف استنفرت أميركا، حين ضربت الطائرات السورية الأكراد، عندما اقتربوا من مدينة الحسكة. وذلك حتى لا يصاب الضباط الأميركيين، الذين يعملون مع الأكراد، حتى تمّ سحبهم إلى مناطق أكثر أماناً.
استنفرت الإدارة الأميركية وطالبت بالتهدئة وعدم ضرب تركيا للأكراد. وطالبت بالتركيز على محاربة داعش ، وعدم التعرّض لوحدات الحماية الكردية، الأمر الذي رسم مجموعة من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء ذلك؟ فهل صحيح انّ الإدارة الأميركية كانت حريصة على وحدات الحماية الكردية؟ وهل جاءت تلك التصريحات لسواد عيون الأكراد، أم أنها تريد أن يسيطر الأكراد على مناطق جديدة في الأراضي السورية، كي تكون ورقة ضغط وتفاهم حين تجلس مع الطرف الروسي، وحتى تحرج الأتراك وتعيدهم إلى الحظيرة الأميركية، خانعين وطائعين لكلّ إملاءاتها، وتحرج أطرافاً عدّة في المنطقة، لا تريد لدولة كردية أن تتشكل فيها، لتكون كالسرطان الإسرائيلي الذي ينغّص على العرب عيشتهم، يؤثرون على استقرار المنطقة ويساهمون بتقسيم الدول العربية إلى أجزاء أصغر، خدمة للمخططات الأميركية التي تريدها أن تكون أكثر ضعفاً ووهناً، لتتمّ الهيمنة عليها ونهب خيراتها.
كلّ ذلك، جاء في ظلّ الإنجازات الكبيرة التي يحققها الجيش السوري في المناطق كافة، خصوصا في الريف الحلبي، وترحيل قطعان المسلحين مؤخراً، من داريا والمعضمية إلى إدلب، التي سيطالها التطهير في وقت لاحق.
الدور التركي في الحرب السورية، سيسقط في التفاهمات الكبرى، التي ستتمّ بين الدول الكبرى، والتي بدأت ملامحها تتوضح على الساحة. وسيدفع التركي ثمن غبائه، وسيكون في النهاية وحيداً، هو السعودي، الذي ما زال غارقاً في المستنقع اليمني، لأنّ الإدارة الأميركية لا تتمسك كثيراً بحلفائها، إلا بما يخدم سياستها الحالية والمستقبلية. وحين ينتهي دور رجب طيب أردوغان، سيكون مجرد بيدق يتمّ استبداله ببيدق آخر، في ظلّ الحرب الكونية التي تخوضها دول عظمى لها حساباتها الكبرى، وليست مجرد حسابات صغيرة، كالتي يحسبها أردوغان وأمثاله، من الذين تآمروا على سورية، كالسعودي والقطري والأردني.
إنّ كلّ تلك الزعامات، كانت أدوات في التآمر، ولم تخرج حتى الآن بأيّ نتيجة. والنتيجة الأهمّ، هي انتصار محور المقاومة، المتمثل في روسيا والصين وإيران وسورية والعراق. هذا ما تؤكده قراءة الأحداث التي جرت وتجري على أرض الواقع. وسيبقى رجب طيب أردوغان يلعب مع أمثاله لعبة القط والفأر، لأنه لم يكن إلا صاحب حسابات ضيقة، لن يحصد في نهايتها إلا ما زرعت يداه. ولا شك أنّ من يزرع الخير سيحصد خيراً، ومن يزرع الشوك والمؤامرات، لن يحصد إلا شوكاً ومؤامرات. ونهايته بالتأكيد، لن تكون سعيدة أبداً، لأنّ تاريخه لم يكن مشرّفاً، ويداه ملوّثتان بدم الشعب السوري، وستلحقه لعنة التاريخ الأبدية جراء ما اقترفت يداه.
كاتب وصحافي سوري
Marzok.ab gmail.com