التسوية في سورية… هل انتهت الحرب؟

عامر نعيم الياس

الزيارات الأمنية لوفود أمنية سورية التي أشارت إليها بعض الصحف والصحافيين المرتبطين بعلاقات وثيقة مع بعض مراكز صنع القرار في سورية، ليست بالأمر الجديد، بل يمكن القول إن هذه الزيارات خلال السنتين الأخيرتين كانت جزءاً لا يتجزّأ من المحاولات الدولية والإقليمية للتوصّل إلى تسوية في سورية تنهي الحرب الطويلة التي فاجأت الجميع وأربكت حساباتهم، حيث كان من الواضح أن قضية اللاجئين وصمود الدولة السورية والتراجع الأميركي عن استهداف دمشق في العام 2013، فضلاً عن الانعطافة في توصيف الأزمة السوية وانتقال الأولوية من إسقاط الدولة في سورية إلى الحرب على الإرهاب، والتدخل الروسي الذي قلب الطاولة على رأس الجميع وأفرز تحالفات جديدة على الأرض السورية ربما كان آخرها التدخل العسكري التركي وما يحكى عن تنسيق أمني ـ روسي ـ سوري ـ تركي تمهيداً لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، يفضي إلى وضع معادلة لا يمكن فصم عراها بسهولة حتى لو أتى الشيطان إلى البيت الأبيض في انتخابات 2017.

إن التحوّل التركي في جزء منه أتى نتيجة أسباب داخلية بحتة، لكن المشروع التركي في سورية، والشكّ في الإدارة الأميركية لا يمكن إسقاطه من الحساب، من دون أن يعني ذلك خروج أنقرة عن طاعة حلف الأطلسي، لكن هامش المناورة المتاح للأطراف كافة في سورية ليس بالأمر الجديد، سواء كانت المناورة باتجاه التهدئة أم باتجاه التصعيد في سورية. لكن الجديد في الحراك الدبلوماسي الحالي وما يعطي التسريبات التي نشرتها صحيفة «السفير» اللبنانية على لسان الصحافي محمد بلوط شيئاً من المصداقية، هو الدخول أولاً في تفاصيل التسوية حول سورية، سواء لجهة رغبة الدول الإقليمية في ذلك أو حتى رغبة الأطراف الدولية. كما أن نقاش التفاصيل الخاصة بالأوضاع الإنسانية والميدانية والسياسية، والحرب على الإرهاب وطريقة إدارتها، ملفاّت لا تنفصل عن التطوّر الآخر وهو توسّع جملة الثوابت المتفق عليها دولياً في الحالة السورية وهي:

أولاً: وحدة الأراضي السورية.

ثانياً: ضمان سيادة الدولة السورية المركزية على الأراضي كافة.

ثالثاً: استمرار مؤسّسات الدولة السورية.

رابعاً: تشكيل حكومة وحدة وطنية، وطيّ صفحة الانتقال السياسي وتناقضاتها الواردة في «جنيف 1».

خامساً: تجاهل مصير الرئيس بشار الأسد في المدى المنظور، وترك الأمر لاتفاق السوريين في ما بينهم.

سادساً: أولوية الحرب على الإرهاب في سورية.

سابعاً: ضبط التصادم الدولي في سورية تحت ثنائية كيري ـ لافروف الكفيلة بنزع فتيل أيّ توتر في الوقت المناسب.

ثامناً: التسليم بعجز كافة الأطراف عن كسر التوازن القائم في سورية وتحقيق الأهداف التي كانت مطروحة في بدايات الحرب على سورية، وبالتالي العمل على التوصّل إلى توافق سياسيّ حول إدارة الحرب في سورية.

ما يدفع بسيناريو التوصل إلى تسوية بصيغة اتفاق على «هدنة» حول النقاط آنفة الذكر، مع الاعتراف الروسي ببقاء نقاط بالغة التعقيد كفصل المجموعات المتطرّفة عن تلك التي تدعى «معتدلة»، هو الوضع الناشئ في الشمال السوري. فالقضية الكردية يبدو أنها استخدمت مرّة أخرى لرسم سياسات معيّنة في الشرق الأوسط، ثمّ الشروع في التسوية المفترضة التي تريدها القوى الكبرى تحقيقاً لمصالحها. كما أن التدخل التركي يفسح في المجال أمام استنزاف أميركا لقدرات حلفائها في صدامات جانبية لا تفيد في تحقيق بعض الأهداف الاستراتيجية لواشنطن في سورية، سواء في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، أو الفوز في سباق الوصول إلى مدينة الرقة أولاً، وامتلاك السيطرة على الحدود العراقية السورية، هذا من جهة المحور الغربي الإقليمي المعادي للدولة السورية.

أما من جهة الدولة السورية، فتجدر الإشارة إلى أن الأساس يبقى متمثلاً بمعركة حلب التي تشكل مفتاح ضمان السيادة على البلاد. وبالتالي فإن فتح واشنطن جبهة الحسكة وتحريك الأكراد في شرق الفرات للسيطرة على محافظة الحسكة وضمناً مدينة القامشلي، وإفراغ المنطقة من وجود الدولة السورية، من شأن ذلك أن يعقّد الأمور ويضيف تحدّياً جديداً في وجه الدولة السورية. وعليه، فإن ما يجري اليوم من حراك دبلوماسي وأمني حول سورية هو تحرّك جاد نحو السيناريو الأفضل بالنسبة إلى الجميع. لكن هل يعني ما سبق انتهاء الحرب؟

إن الاتفاق الروسي ـ الأميركي حول سورية، والاتفاق التركي ـ الروسي، وحتى إمكانية اتفاق روسي ـ إيراني ـ تركي ـ سوري، لا يمكن أن تخرج عن إطار المقايضات الميدانية والتعهّدات بحفظ مصالح كلّ طرف في المعركة الدولية الإقليمية القائمة في الشمال السوري. وكلّ ما سبق يمرّ من حلب. فالهدنة التي جرّبها الروس في عموم سورية استناداً إلى التسليم بوقف العمليات العسكرية في حلب، هي ما يجري اليوم العمل عليها، مع فارق تحييد أنقرة عن ساحة الفعل مقابل منحها ساحة فعل أخرى، في معركة تشكّل استنزافاً للأكراد والأتراك على المدى الطويل على أرض ميدان لا يمكن للدولة السورية والحلفاء الوصول إليها حالياً. لكن الاتفاق الخاص بإعادة إحياء تفاهمات فيينا والبدء بالمرحلة الانتقالية في سورية، وإعادة إحياء ملفات نواب الرئيس الجمهورية في سورية وحكومة الوحدة الوطنية، والمرحلة الانتقالية التي تستمر 18 شهراً من تاريخ الاتفاق على ألا يتم نقاش مصير الرئيس السوري، هذه أمور بالغة التعقيد لا يتصوّر أن يستطيع الرئيس الأميركي باراك أوباما تقديمها وضمانها وإجبار بعض شركائه عليها، خصوصاً السعودية التي أخذت اليوم فرصة أخرى في نقل المعركة في سورية من الحدود إلى قلب البلاد وهو ما نشهده في محافظة حماة حالياً.

إن التسوية المطروحة حالياً في سورية لا تعني بأيّ شكل من الأشكال نهاية الحرب، فالحلّ ينضج بعد السيطرة على حلب، واستكمال توسيع طوق الأمان حول العاصمة دمشق، وتسليم الولايات المتحدة بضرورة الحرب على تنظيمَي «داعش» و«القاعدة» الإرهابيَين كهدف أساس للوجود الأميركي في المنطقة على قاعدة احترام نفوذ الدول الكبرى الأخرى وفي مقدّمها روسيا التي لم تتدخل عسكرياً في سورية كي يعترف بوجودها في غرب سورية المتواجدة فيه أساساً.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى