من حلب… تُرسم التسويات

راسم عبيدات

واضح أنّ حلب هي التي سترسم خرائط المشهدين الدولي والإقليمي، وما يحققه الجيش السوري من تقدم وانتصارات، سيكون الحاسم في رسم تلك الخرائط. ولا أحد يقلق من حجم وعدد التفجيرات التي تقوم بها الجماعات الإرهابية، في أكثر من مدينة سورية وعراقية وحتى لبنانية، فهذه الجماعات الإرهابية، التي تمارس القتل من أجل القتل، وصلت إلى مرحلة الإفلاس السياسي والعسكري، وأعلى مراحل الانحطاط القيمي والأخلاقي. وكتعويض عن الضربات القاصمة التي يوجهها لها الجيش السوري في حلب، بدأت أصوات عويلها تسمع في كلّ ناحية وحدب وصوب وفقدت صوابها ولجأت لإجرامها عبر تلك التفجيرات، كنوع من إثبات الذات والوجود.

هذه العمليات الإجرامية والتفجيرات الإرهابية، لن تفلح في تغيير الخرائط في الواقع الميداني. فسورية وجيشها، ذاهبة نحو استعادة الجغرافيا السورية. وخرائط التفتيت المذهبي والطائفي الأميركية للمنطقة، ستسقط حتماً. والتفاوض الروسي الأميركي حول حلب والشام، يشمل كلّ مروحة حلفاء الفريقين. وهذا التفاوض يشمل كل الملفات لايجاد تسويات وحلول، يتقرّر مصيرها على ضوء ما يجري التوافق عليه في حلب. فليست من باب الصدفة، المحادثات التي جرت في القاهرة، بين وفد الرباعية العربية مصر، السعودية، الأردن والإمارات مع أعضاء من اللجنة المركزية لحركة «فتح»، حيث كانت عناوينها الرئيسية تتمحور حول توحيد حركة «فتح» وعودة عضو اللجنة المركزية للحركة المفصول محمد دحلان لعضويتها. وكذلك، عودة ما يسمّى بـ»المتجنّحين» الذين فصلوا معه من الحركة. ومن ثم إنهاء الإنقسام وتحقيق المصالحة بين «فتح» و«حماس». وتحريك العملية السياسية، على أساس مبادرة السلام العربية. وكذلك، اللقاء الذي سيجمع بين الرئيس عباس ورئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، الذي كان مقرّراً في التاسع من هذا الشهر، في موسكو، والذي تمّ تأجيله إلى موعد لاحق. ليس من باب الصدفة، وملف الصراع الفلسطيني ـ «الإسرائيلي» ليس الوحيد الذي يجري تداوله وربطه بما ستفضي اليه المفاوضات حول حلب والشام. بل أن الملف اليمني بدأ بالتحرك والدوران. حيث حاز «كيري» على موافقة السعودية وبقية دول الخليج. وكذلك، اليمن بالعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية، كانت بالأساس، مطلب جماعة «الحوثيين»، بعدما كانت السعودية تريد استسلاماً يمنياً كاملاً، قائماً على تسليم «الحوثيين» والرئيس السابق علي عبد الله صالح، بنظام يمني «ديكوري» تحركه وتتحكم به السعودية، على غرار جماعة 14 آذار في لبنان.

والمسألة ليست وقفاً على هذين الملفين، بل أن هناك الملف الأوكراني، الذي حاولت أميركا ان تلعب به، لكي تجبر روسيا على مقايضة أوكرانيا بسورية. لكن هذا المسعى فشل. ويبرز على السطح، بشكل كبير، موضوع على درجة عالية من الأهمية، ألا وهو الإنسحاب الأميركي من أفغانستان ومن بعد ذلك مصير البرّ الأفغاني والآسيوي، الذي تجري حوله محادثات ومفاوضات مكثفة أميركية صينية أفغانية وباكستانية. هذا البرّ الذي سيحمل الصين الى شواطئ المتوسط، عبر بناء شبكة قطارات ومواصلات ومدّ خطوط نفط وغاز من الصين الى شواطئ المتوسط.

تركيا، هي الأخرى، في خضمّ هذه المفاوضات، تجد نفسها تستدير في مواقفها، وتعدّل في توجهاتها واندفاعاتها، نحو أميركا والاتحاد الأوروبي، لكي تخلق نوعاً من التوازن في علاقاتها، يخرجها من دائرة العزلة، ويعيد الدفء لعلاقاتها بموسكو وطهران، كمقدمة لعودة علاقاتها التطبيعية مع دمشق، في مرحلة لاحقة.

السعودية التي فشلت في حمل روسيا ومن بعدها الصين، عبر التهديد والإغراءات الاقتصادية والمالية الكبيرة، على تغيير موقفها من دعمها للأسد والنظام السوري، حيث عمدت إلى تخفيض أسعار النفط، بشكل كبير، من أجل إيصال روسيا إلى حافة الإفلاس، تجد نفسها اليوم، مضطرة إلى التنسيق مع روسيا حول الأسعار النفطية.

روسيا بقيادة بوتين، القادم من المخابرات الروسية «كي جي بي»، أضحت لاعباً مركزياً في كلّ قضايا العالم. وتتدخل في كلّ ملفاته سياسياً واقتصادياً وأمنياً، حيث نشهد حجيجاً دائماً الى موسكو، عربيا واقليميا ودوليا، وحتى من قبل «إسرائيل». فأميركا لم تعد شرطي العالم المتحكم بمصيره، بل تبرز أقطاب دولية وإقليمية جديدة، في عالم متعدد القطبية في مقدمته روسيا وإيران، ستكون إلى جانبه سورية و«الضاحية الجنوبية» ومروحة اخرى من الحلفاء، ممتدة في اليمن إلى فلسطين.

الخلافات وتأخر التفاهم بين روسيا وأميركا، سواء كان لجهة الصراع المحتدم على شكل النظام العالمي الجديد، أو أن التفاهمات أصبحت جاهزة، لكن ما يؤخرها تقني أكثر مما هو خلافي وجوهري فهذا يعني أنّ التفاهمات ومنصات الحلول أصبحت جاهزة وستنطلق. فالعالم لم يعد يحتمل الصراعات وحالة الفوضى، التي قد تنشأ عن استمرارها، حيث أصبحت الدول والعواصم المصدرة للإرهاب، والحاضنة لتلك الجماعات الإرهابية، والمموّلة لها مالياً، والداعمة لها عسكرياً ومخابراتياً ولوجستياً، مسرحاً لتلك الجماعات، تطال جغرافيتها بالتفجيرات الإنتحارية والعمليات الإرهابية بأشكالها المتعددة. ولذلك، لا بد من وضع حدّ لتلك الفوضى، التي قد تشكل تهديداً وتحديا كبيرا لكلّ دول العالم.

أنا واثق من أنّ التسويات الكبرى والمترابطة، ستكون متوقفة على ما يجري في حلب والشام، فالإتفاق الروسي ـ الأميركي حولها، سيمهد الطريق أمام الاتفاقيات حول القضايا والملفات الأخرى، بحيث تطال اليمن وفلسطين وأفغانستان وتركيا ولبنان وأوكرانيا. كلها قضايا مترابطة ومتشابكة، الحسم والتقدم في حلحلتها وحلها، متوقف على درجة ونوعية وشكل الحل، الذي سيجري في سورية. سورية تصنع منصات الحلول والتسويات، سورية ستحتل موقعاً متقدماً في عالم دولي وإقليمي جديد.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى