هل يفعلها نصرالله ويقطع الطريق على «المتربّصين» بحلفه وبالمسيحيين؟
روزانا رمَّال
«الإنجاز» الأوحد لترشيحي عون فرنجية المقدّمين للبنانيين يتمثل بتعزيزهما أسباب الفرقة المستجدة بين قوى الثامن من آذار المسيحية وما «يعادلها» وأحد أسباب اختلاف وجهات النظر القائم بين التيار الوطني الحر والمردة من جهة وبين المردة وحزب الله من جهة اخرى.
قلّما تشهد الساحات السياسية الدولية والإقليمية ترشيح اسمين من نفس الخط السياسي او الحزب او التوجه وحتى الرؤية! فمثلاً على الطريقة الاميركية يمثل مرشح واحد حزبه الديمقراطي او الجمهوري كنظام رئاسي، فيتقدم امام الشعب الاميركي لتمرير خطط تختلف عمودياً عن خصمه…
اما في الحساب اللبناني المفتوح على كلّ الاحتمالات والإمكانات فانّ الترشح ممكن «للكلّ» حتى من الخط السياسي نفسه، ولو اختلف ببعض التفاصيل، هذا كله بسبب نظامه الانتخابي البرلماني المختلف والفريد من نوعه بالقدرة على استثمار مطاطية دستور مدعومة بما يمنحه اتفاق الطائف من فرص للتخطيط لصفقات وتمرير «سلات» مع مرشحين حكوميين.
لكن عملياً، يسير لبنان بملفه الرئاسي خارج تيار الحركة السياسية والمناخ الذي عصف بالمنطقة، وخارج تكريس العمل السياسي الحزبي ومنطق التحالفات والتفاهمات فيه متخطياً الحق بالحصول على فرصة رئاسية ليصل إلى حدود التشويش على اللبنانيين وزيادة أزماتهم وتطويقهم، فالشرق الأوسط برمّته يعيش انقساماً عمودياً غير مسبوق ولبنان عايش هذا بعد فرز صيغة 8 و14 آذار بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري العام 2005، فوزع هذه التجربة على المنطقة ابان «الربيع العربي»، وباتت الحركات السياسية الممتدة من سورية حتى العراق ومصر واليمن منقسمة بين لاعبين محليين موالين لواشنطن وحلفائها السعودية تركيا… ولاعبين محليين متحالفين مع روسيا وإيران وحلفائهما سورية وحزب الله.
لبنان الذي عاش التجربة لفترة لا يستهان بها ولا يزال يعيش يومياتها عمودياً يخرج عن هذا المنطق الذي تعيشه المنطقة بشكل مريب بات ينذر بمخاطر عدم استشراف نتيجة ما يجري او الهروب من تحليل أسباب وقوعه، فكيف يمكن مثلاً ان يترشح من الحلف نفسه وضمن ايّ منهج سياسي شخصان لرئاسة الجمهورية؟ ما هي جدوى الأحلاف اذا كان الاتفاق فيها على العناوين العريضة كمرشح للرئاسة مثلاً ممكناً اذا كان نسف القيمة المضافة التي يقدّمها الحلف لأعضائه او عناصره معرّضة للاهتزاز على معركة او مصلحة طرف بوجه الآخر ضمنه؟
السؤال اليوم، هو عن جدوى الأحلاف السياسية في لبنان والتفاهمات السياسية وعن مسؤولية المعنيين بحمايتها من الاطراف المعنية التي تتمتع غالباً بقدرة على احتضان وتبريد الأجواء بين المتخاصمين. وفي حالة لبنان يكون السؤال عن حزب الله مشروعاً اليوم، بعدما وصلت الأمور على طاولة الحوار بين التيار الوطني الحر وتيار المردة إلى أعلى مستويات التوتر غير المسبوق حتى دخل طابع «الشخصنة».
كلّ شيء بات أوضح، والشكوك باتت مؤكدة حول القطيعة بين التيار الوطني الحر وتيار المردة منذ إعلان فرنجية عن قبول ترشيح الحريري له، وهي المهتزة أصلاً منذ عام 2009 لحسابات انتخابية، كما تقول مصادر المردة، كلها زجّت دفعة واحدة على طاولة الحوار لمجرد الغمز من قنوات التحدي.
السؤال الثاني بعد جدوى الأحلاف، هو عن جدوى ترشيح حلفاء حزب الله من قبل خصومه لرئاسة الجمهورية؟ لماذا تمّ ترشيح عون من قبل رئيس حزب القوات اللبنانية، وترشيح فرنجية من قبل الحريري بمبادرة غربية حسبما روّج؟ بالنتيجة ها هو المشهد بكلّ شفافيته «انشقاق مسيحي داخل تحالفات حزب الله»، وبشفافية ايضاً «إسرائيل والولايات المتحدة» أكثر المستفيدين؟ ما هي جدوى الترشيحين من الجهة نفسها حتى اللحظة اذاً!؟
الحديث عن عدم وجود تخطيط مسبق بات سذاجة غير مسبوقة لم تعد تنطلي على اللبنانيين، خصوصاً فريق 8 آذار الذي ينظر الى هذا الخلاف بخطورة بالغة، فاستهداف حزب الله مسعى أميركي وفك ارتباطه بالأحزاب المسيحية هدف تعمل عليه الاستخبارات الاميركية منذ ما قبل حرب تموز 2006، فلا يتوافق المشهد الإرهابي الذي تروّج له «سي أي آي» بمساواة حزب الله بـ «داعش»، وهو ما جاء في اختتام لقاء أوباما نتنياهو في 10 تشرين الثاني 2015، وتحالف حزب الله مع المسيحيين في لبنان ولا تتساوى «التعددية» و«الانفتاح» مع مقاومة «إسرائيل» والمطلوب: نسف هذه المعادلة.
مصادر سياسية متابعة تحدثت أيضاً عن علاقة غير طبيعية بين تيار المردة وحزب الله، ايّ انّ الخلاف لا يقتصر على شق الأفرقاء المسيحيين داخل الخلف الواحد، بل بدأ يتعداه لكونه خلافاً او» عتاباً» مباشراً لحزب الله، من يدري هل سيتطور ليشمل التيار الوطني الحر مستقبلاً لأيّ سبب من الاسباب الكثيرة التي تضع لبنان اليوم على حافة الهاوية؟ مَن يضمن هذا؟
وحده أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله قادر على لعب دور هام بهذا الإطار. الأزمة التي ظهرت الى العلن لم تعد تتحمّل «ترقيع» او مراسلات او ربما حلولاً وسط داخل الحلف تشبه المسكنات هرباً من الانفجار، ها هو الانفجار قد حلّ، فهل يفعلها السيد نصرالله ويجمع العماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية ويقطع الطريق على المتربّصين بحلفه وبالمسيحيين؟ هل تُعاد برمجة أهداف الحلف الاستراتيجية تماشياً مع تداعيات ملفات المنطقة على لبنان؟ أو أنه بات من المطلوب نعي الحلف؟