الرئيس الأسد ولعبة قلب الموازين
د. خيام محمد الزعبي
إنّ الصراع الدموي الذي تقوده أميركا وأدواتها في سورية، لم يحقق لها أيّ انتصار على أرض الواقع، بل أشاع إعلامهم الفاقد للمهنية، والرافض للخسارة، أنهم حققوا انتصارات كبيرة فيها، وهو ما يثبت أنهم يصنعون انتصارات وهمية، من دون أيّ حقائق واقعية. فالجيش السوري استطاع قلب الموازين العسكرية. وجاءت المواجهات، التي خاضتها قوات الجيش، نقلة نوعية جعلت المحللين العسكريين والدوليين، خصوصا في واشنطن، يتوقفون أمام المشهد متسائلين: هل قلب الرئيس الأسد الموازين العسكرية في المنطقة؟ خصوصا بعد وضع اللمسات الأخيرة لتحرير حلب، الأمر الذي، من المنتظر، أن يفرض سلسلة جديدة من المتغيّرات الميدانية، ما قبل استئناف عملية المفاوضات السياسية لحلّ الأزمة السورية.
في سباق مع الزمن، تقدّم الجيش السوري المدعوم من حلفائه، على المحاور كافة، في معركته ضدّ الجماعات الإرهابية. وتمكن من استعادة السيطرة الكاملة على منطقة الكليات العسكرية، جنوب مدينة حلب، بعد القضاء على آخر بؤر وتجمّعات الإرهابيين فيها، ومطاردة فلولهم، بالتوازي مع تنفيذ سلاح الجو، غارات مكثفة على خطوط إمدادهم، في الريفين الجنوبي والشمالي. وبذلك، أحكم الطوق على المسلحين المتمركزين في أحياء حلب الشرقية. لذلك، فإنّ السيطرة على هذه الكليات، تقطع جميع طرق تحرك وخطوط إمداد هذه المجموعات، من الريف الجنوبي لحلب، باتجاه الراموسة والأحياء الشرقية للمدينة وتعزل المجموعات الإرهابية في الراموسة عن هذه الأحياء.
في هذا السياق، إنّ فك الطوق عن الكليات واستعادتها، يفتح الطريق أمام قوات الجيش السوري لإكمال الطوق على المدينة. وفي حال سيطر على الدباغات، يعني ذلك فتح الطريق الجنوبي إلى داخل مدينة حلب، ما يبقي خيارين أمام هذه المجموعات، فإما الدخول في مفاوضات لإتفاق تسوية مع الجيش السوري، وقطعاً، ستكون الشروط السورية كتلك التي فرضتها على مسلحي حمص القديمة، أو تبقى هذه المجموعات محاصرة في حالة من القتال، حتى لفظ النفس الأخير.
وفقاً للمعطيات المتوفرة، فإنّ هذه العملية لن تطول، فالمعارك العنيفة التي يخضها الجيش السوري ضدّ المجموعات المتطرفة، تستنزف طاقاتها وقدراتها العسكرية. ومع انعدام الإمداد، ستضطر إلى التسوية مع الحكومة السورية.
في السياق ذاته، شهدت الأيام القليلة الفائتة تراجعاً كبيراً لما يعرف بـ«جيش الإسلام»، في معركة «ذات الرقاع» بمرحلتها الرابعة، بغية التمدّد باتجاه بعض النقاط في الغوطة الشرقية، بريف دمشق. وتصدّى الجيش السوري وحلفاؤه لمحاولة تقدّمهم، وشنّ نحوهم هجوماً مضاداً حقق على أثره تقدّماً وسيطرة جديدتين. وفي الاتجاه الآخر، واصل الجيش السوري تثبيت مواقعه في الكتيبة المهجورة، شرق بلدة إبطع، بريف درعا، بعد تحريرها من تواجد الجماعات المسلحة. فضلاً عن نشوب خلافات كبيرة وتبادل الاتهامات بالخيانة والجبن، بين التنظيمات الإرهابية المنهزمة في حلب ودرعا، لا سيما بين المجموعات التابعة لما يسمّى «جيش الفتح» و«جيش المجاهدين» و«الجيش الحر»، إضافة إلى حالة الذعر والرعب، التي وصلت إليها تلك التنظيمات، التي تجلت بفرار إرهابييها، تاركين أسلحتهم وذخيرتهم، بعد أن أصابتهم خيبة أمل كبيرة بسبب سقوط أوراقهم الميدانية، التي كانت تُستثمر للضغط على الحكومة السورية، في أيّ مفاوضات جديدة مقبلة.
بالتالي، إنّ التقدم الواسع للجيش السوري في الشمال والجنوب، واستسلام هذه التنظيمات المسلحة، المدعومة من أميركا وحلفائها، قلب جميع الموازين وغيّر استراتيجية التعامل مع الوضع الميداني السوري. فرجحان كفة الجيش السوري، في الشمال، كان بمثابة رصاصة الرحمة للمشروع الأميركي الرامي إلى تقسيم سورية. وهو حلم لم ولن يتحقق، بفضل سواعد الجيش السوري، والتغطية الجوية الروسية الإيرانية، للقضاء على الجماعات الإرهابية في سورية.
مجملاً… إنّ مفردات الخارطة العسكرية، بعد استعادة السيطرة على الكليات العسكرية الثلاث، في حلب، تمنح بتغيّرها، القدرة للجيش السوري لاستعادة زمام المبادرة، من تلك الجهة الملتهبة من المحافظة الشمالية، التي تتاخم بحدودها تركيا. وهذ أمر ينبئ بقرب عملية الحسم النهائي في مدينة حلب، التي من خلالها، سترسم استراتيجية جديدة في محاربة كلّ الجماعات المسلحة، بتنوّعاتها ومرجعياتها كافة والتي لا تؤمن بالحلّ السياسي وبالتعدُّدية السياسية وبوحدة التراب السوري.
ختاماً، إنّ ساعة الحسم قد اقتربت لتطهير الأراضي السورية من الإرهاب، بعد زمن طويل من الألم والمعاناة. لذلك، فإنّ انتصار سورية يؤسّس لمرحلة جديدة وظروف جديدة. فسورية، بهذا الشموخ، وجهت رسالة لكلّ الأعداء، بأنّ فيها أبطالاً لا يطأطئون الرؤوس، ولا ينحنون لأحد إلا لله. وبأنهم على استعداد عال وجهوزية تامة لتحقيق الأمن. وانتصارها، سيكون له تأثير إيجابي على المنطقة بأكملها. فستأتي الأيام القريبة، لتكشف حجم الهزائم والخسائر التي أصابت أعداء سورية، ليكتشفوا أنهم على وهم. وما يتحدثون عنه من إنجازات، هي في الحقيقية، أحاديث الوهم والسراب…
باختصار شديد، يمكن القول، إنّ الصمود الأُسطوري لسورية وجيشها، في وجه العدوان الأميركي الغربي، سيسجله التاريخ بأنه أسطورة هذا الزمان، التي ستقرأها الاجيال القادمة. وسيكتب المؤرخون، بالخط العريض، أنّ أولئك الأبطال رجال الجيش، هم من مرغوا أنوف أعدائهم في التراب، بعد أن وجد هؤلاء أنفسهم أمام حقيقة واضحة، أنهم حفروا قبورهم بأيديهم في أرض سورية. وأنّ جبروتهم وتدريباتهم العالية، وجدت مكانها تحت حذاء الجندي السوري وأبطال المقاومة. والأيام المقبلة حُبلى بالكثير من المفاجآت والإجابات.
khaym1979 yahoo.com