مفهوم الدولة المدنية ومجتمعها في مواجهة الجماعات التكفيرية؟
سليم نقولا محسن
القتل دون مبرّر، أو القتل حينما يكون خارج العدل له صفة الوحشية أياً كانت طريقته..
لكن مَن سمح لهؤلاء الوحوش بالوجود على الأرض السورية، هو الوحش وهو القاتل أكان يعلم أو كان غبياً لا يعلم…؟
فلقد تسرّب إلى المجتمع السوري مَن هو خارجه، وحاول أن يصادره عبر تدمير مكوناته، فهو قد عطّل إنتاج الفرد أو ساهم في هدر وإتلاف ما ينتج، بطرق عديدة مباشرة وغير مباشرة؟ إلا أنه في النهاية استطاع أن يُمسك بحصيلة الإنتاج، فاستأثر بالإنتاج وريعه، وتراكمات ربحيته، وبالتالي بالمنتجين، وتمكّن بعدها أن يصادر المجتمع، كما عمد تبعاً إلى إفقاد المجتمع السوري خصائصه الأخلاقية التي نسجها وابتنى مقولاتها عبر آلاف الأعوام، فقد خدّم هؤلاء الطفيليون بغير عدل مؤسسات الدولة وهي ملك الشعب لخدمتهم، هؤلاء لم يفهموا من قيمة الحياة سوى قانون الثروة الجائرة، وطرائق تحصيلها من تعب الآخرين، هؤلاء من أتوا بالمتوحشين لينتجوا متوحشين مثلهم بالتطبيع أو الشراء، باسم ثورة الحرية والديمقراطية ضد جمهوريات الخوف والصمت المزعومة.
ما كان يأملون قد حدث، وشملت الفوضى الأرجاء ليتمادوا بالسرقات، لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، لقد سبقهم من استقدموهم، ومَن استقدموهم على شاكلتهم، لا يعرفون أيضاً سوى سياسة الإلغاء لمزيد من السطو والربح العابر، لقد فقدوا الآن كلّ شيء، هؤلاء يتباكون اليوم من بعيد على شهداء سورية! تُرى أيحق لهؤلاء السماسرة الكذبة والمدّعين التحدث عن شهداء سورية؟ وهم مَن أتوا بالسكين والجلاد ليقتلوهم؟
هي مرحلة زمنية عاثرة وتنقضي، فما يخالف طبيعة الأرض السورية وطبيعة شعبها سينقضي…؟
فمن سمات المجتمع السوري العدل، لأنه مجتمع الإنتاج، مجتمع التعب اليومي من أجل الاكتفاء والعيش واستمرار الحياة بألوانها بما فيها من تجديد وابتكار، المتعارف على تسمية تراكمها بالحضارة. هذا المجتمع هو مَن أسّس سمات المدنية ومفاهيمها، ومَن أعطاها إلى العالم، ورفض ما يخالفها، كما أسّس خرافاتها وأساطيرها، وجمالياتها وأشعارها وعلى هذا فلا يمكن أن تسمح هذه المدنية بأيّ تشريع أياً كان مصدره، سماوي أو أرضي، أو بأيّ مسمّى خلبي، أن يساهم في زعزعة تركيب مجتمعها ووقف مساره.
من هذا المفهوم تصبح حياة الإنسان مقدّسة للذكور وللإناث، لأنها قيمة إنتاجية وقيمة ابتكارية، وقيمة إنسانية تتجاوز مدلولها الطبيعي المعيش، لذا حق الحياة في المجتمع يجب أن يكون مصوناً، وما يتطلّب إنسانه فيه من حقوق، كحقه في الحرية، وحرية الفكر والتعبير والمعتقد، وحرية الانتقال، وحقه في إقامة العائلة وما يتطلّب تحقيق ذلك من إمكانية سلطوية تناط بالدولة للحفاظ على هذه الحقوق من كلّ اعتداء…
ومن أجل حياة كهذه وتأمين ما يحيط بها لبقائها، تُشترع جميع الأعراف والتشريعات والقوانين لحمايتها، وتقام المؤسسات الدَّوْلية، فهذه المدنية تنتج سلوكياتها وعاداتها، في علاقات الأفراد المتبادلة، وفي ما يتعلق بالإنتاج وأصول تبادلات الإنتاج، وفي حماية الإنتاج والمنتج، وفي الحفاظ على ملكية المقتنيات من آليات وحيوانات، وأراضٍ وبناء. وفي إعطاء الفرصة لتكاثر أعداد المنتجين من البشر، وتنوّع إنتاجهم، وعلى هذا فهي المقياس، ووجوباً فلا وجود للعنف والإلغاء في مجتمعها، أو بين أفرادها، لأنّ الإلغاء بديهياً فيما يترتّب عنه في أبسط صوره إخراج قيمة اقتصادية تساهم في التقدّم والوفرة والرفاه…؟
لذا فالأحرى بهذه المدنية أن تتشدّد في موقفها مع مخرّبي مجتمعها، وأن تتخذ كلّ الإجراءات الممكنة لبقاء سلامة دولتها وتنوّع مجتمعها المدني.