هل روسيا في مأزق في سورية؟
حميدي العبدالله
يسود اعتقاد واسع حتى في صفوف محللين هم أصدقاء لسورية وحلفائها أنّ روسيا تواجه مأزقاً في سورية، وهي تسعى للخروج من مأزق التورّط العسكري، وما يترتب عليه من استنزاف بأسرع وقت ممكن، حتى لو اقتضى الأمر تقديم تنازلات كبيرة لصالح الولايات المتحدة في سورية لتسهيل الخروج الروسي من الورطة، أو للحدّ من استنزاف روسيا في الأرض السورية.
لكن هل فعلاً روسيا في ورطة، وهل أنّ مستوى مساهمتها الحالي يشكل استنزافاً غير مقبول وغير مقدور عليه يستدعي الانسحاب عبر مخرج شكلي يقود إلى هدر ما قدّمته روسيا أو استنزافها في سورية. لم تكن روسيا وسورية والمقاومة وإيران حتى الآن، لتسمح للولايات المتحدة وحلفائها بأن يحققوا عن طريق اتفاق روسي أميركي ما عجزوا عن تحقيقه في الميدان؟
لا شكّ أنّ الحديث عن المأزق أو الورطة الروسية ينطلق من تمسك روسيا بالحلّ السياسي، وإصرارها على مواصلة الحوار مع الولايات المتحدة للوصول إلى هذه الغاية.
لكن هذه المقاربة الروسية ثابتة منذ بدء الأزمة السورية وليس لها علاقة على الإطلاق بتورّط روسيا موجودة عسكرياً في سورية قبل 30 أيلول 2015، ومع ذلك كانت هذه السياسة قائمة، أيّ سياسة البحث عن حلّ سياسي للازمة في سورية يسهّل على التحالف الإقليمي والدولي الانكفاء، وأن يراعي هذا الحلّ ثوابت السيادة وحق الشعب السوري الحصري في تقرير مصيره، وهو ما نصت عليه تفاهمات «جنيف 1» في حزيران عام 2012 بين روسيا والولايات المتحدة قبل ثلاث سنوات من وصول القوة الجوفضائية الروسية إلى سورية.
هذا أولاً، وثانياً الحديث عن استنزاف روسيا أو القلق من استنزافها أمر مبالغ فيه، فحتى الآن مستوى المساهمة الروسية بشرياً محدود للغاية، وضحايا القوات الروسية في سورية، لا يتجاوز عدد الذين يسقطون في المناورات العسكرية التي تجريها الجيوش ومن ضمنها الجيش الروسي.
أما الخسائر المادية نتيجة لاستخدام ذخائر من قبل الطائرات الروسية، فهي كما صرح الرئيس الروسي أكثر من مرة، لا تزال أقرب إلى اختبار فعالية القدرات الروسية منها إلى الاستنزاف الفعلي المكلف الذي يصعب تحمّله ويقتضي تقديم تنازلات مبدئية.
كما أنّ الحديث عن قلق وخشية روسية من تورّط أكبر في حال جاءت إدارة جديدة أميركية، فهو أقرب إلى التوقعات المتشائمة منه إلى أيّ شيء آخر.