هل سنشهد قريباً «وعد بلفور» جديداً!؟

أسامة العرب

في أيار الماضي حلّت الذكرى المئوية الأولى لاتفاقية «سايكس – بيكو» بين الدول التي استعمرت بلادنا عشرات السنوات، وفي العام 2017 سوف تحلّ الذكرى المئوية الأولى لوعد بلفور الذي منح «قوقازيين وبربر يهود»، دولة تُقام على أرض فلسطين. وكلّ ذلك موثّق بالكتاب الشهير للكاتب والمؤرخ اليهودي آرثر كيستلر: «القبيلة الثالثة عشرة: إمبراطورية الخزر» الذي هزّ أركان دولة الاحتلال، عندما صدر أول مرة في لندن عام 1976 وتمّت ترجمته إلى العربية من قبل أحمد نجيب هاشم، وصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1991 ، كاشفاً كذبة أنّ اليهود الحاليين ساميون أو أنهم من نسل بني «إسرائيل» القدامى، ومؤكداً بأنّ «اليهود الأشكناز» والذين يمثلون 92 من يهود العالم هم «آريون» من الخزر، الذين ازدهرت دولتهم في القرن السابع وتهوّدوا عندما وجدوا أنفسهم بين الامبراطورية الرومانية الشرقية في بيزنطة وبين الدولة العباسية، حيث عزز خيار التهويد عندهم موقعهم التجاري وأعمالهم الربوية التي تنسجم مع الإيديولوجيا اليهودية دون سواها. ما يعني أنّ أجدادهم لم يأتوا من أرض كنعان بل من القوقاز التي كانت في ما مضى مهد الجنس الآري، وبالأخص من جورجيا وأوكرانيا وملدوفيا. أما بالنسبة «لليهود السفارديم» والذين يشكلون 8 من يهود العالم، فتعود أصولهم الأولى إلى «البربر» الذين عاشوا منذ القدم في اسبانيا والبرتغال واعتنقوا الديانة اليهودية حتى طردوا منها في نهاية القرن الخامس عشر واستقرّوا في الدول العربية والشرق أوسطية، حيث كانوا يتحدّثون الاسبانية العبرية، ويحافظون على تقاليدها. وهذه النتيجة أكدتها الدراسة التي أُجريت في المعهد المختص بهندسة الجينات البشرية في جامعة شيفيلد، والتي استندت إلى النماذج الوراثية لبيانات الحمض النووي لأكثر من 376 يهودياً من أصل شمال شرق أوروبا، بحسب ما أكدت صحيفة «إندبندنت». ولهذا يقول المؤرّخ اليهودي شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي إنّ اليهود المزراحيين الذين هم اليهود من الأصل السامي الشرقي، قد اعتنقوا على مرّ التاريخ ديانات أخرى ولم يعد لهم وجود في عصرنا الحالي.

أما اليوم، فمع اقتراب الذكرى المئوية لوعد بلفور، تحاول «إسرائيل» الحصول على وعد جديد لليهود من المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون، والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، لتأييد ضمّ هضبة الجولان السورية المحتلة نهائياً لـ «إسرائيل»، وهذا حلم صهيوني قديم. فقد كشفت قناة التلفزة «الإسرائيلية» الأولى بأنّ «إسرائيل» تقوم حالياً بإجراء اتصالات مباشرة مع كلينتون وترامب حول ذلك، إلى جانب توظيفها المنظمات اليهودية في سعيها للحصول على هذا الوعد. وأشارت إلى أنّ الحجّة التي تسوّقها «إسرائيل» لتبرير هذا الطلب تتمثل بأنه: «في ظلّ إمكانية تفكيك سورية مستقبلاً فإنه من العبث أن توافق «إسرائيل» على الانسحاب من الهضبة في أي تسوية للصراع معها».

وبالتالي، فإذا تحقّقت أحلام «إسرائيل» بالحصول على وعد أميركي علني بضمّ الجولان المحتلّ إلى «إسرائيل»، تكون نكبة فلسطين قد حلّت مرة ثانية في سورية. ولا أحد ينسى أنه في العام 1918، أيّ بعد عام واحد على وعد بلفور، كانت سفن عديدة تبحر الى ميناء حيفا في فلسطين، وكان على متنها مئات آلاف المهاجرين اليهود، ووقتها تمّ تعيين اليهودي هربت صموئيل مفوضاً سامياً لفلسطين ليمهّد الطريق أمام هجرة اليهود، وليشرك المنظمات اليهودية بحكم البلاد.

أما اليوم، فمع اقتراب العام 2017، فالخشية كلّ الخشية من استحصال اليهود على «وعد بلفور وسايكس بيكو جديدين» من كلينتون وترامب يقضيان بتقسيم سورية ولبنان والعراق، لتمهيد الأجواء أمام الهجرة اليهودية الجديدة إلى الأراضي العربية المحتلة، وذلك في ظلّ أجواء قبول الأحزاب الأميركية مؤخراً بفكرة يهودية الدولة «الإسرائيلية»، والتي تقضي تباعاً بـ «حق» يهود العالم بالعودة من منفاهم إلى أرض الميعاد، كما يزعمون. فلا أحد ينسى أيضاً أنه في نيسان 1947 خرج المستعمر من فلسطين مقابل موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على تقسيمها، وعلى منح اليهود دولة يهودية تبلغ مساحتها 55 من مساحة الأراضي الفلسطينية المحتلة عوضاً عن الـ 6,5 التي كانوا يحتلونها، وعلى وضع القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية.

ما يعني أنّ فزّاعة الإرهاب التكفيري التي نسب فبركتها مؤخراً دونالد ترامب إلى الإدارة الأميركية الحالية، وكذلك هيلاري كلينتون في كتابها «خيارات صعبة»، ما هي إلا وجه جديد للانتداب أو للاستعمار الغربي لبلادنا، إلا أنها تتمّ بأدوات محليّة أو مختلطة هجينة. وهي بذلك، لن ينتهي تمويلها إلا إذا تحقّقت أهداف الصهيونية العالمية، المتمثلة بتقسيم بلادنا دويلات ضعيفة هزيلة محكومة مباشرة من تل أبيب. ولهذا، يرى الضابط الأميركي رالف بيترز صاحب خرائط حدود الدم، بأنه يجب أن يتمّ تصويب الحدود الدموية الشرق أوسطية الجديدة بشكل يتّفق مع نزاعات المنطقة التاريخية الإثنية والمذهبية، حتى لا تنتهي مرحلة الفوضى الخلاقة أبداً، وحتى تستطيع «إسرائيل» أن تهيمن على المنطقة. كذلك، فيرى الباحث والمؤلف الأميركي روبرت رايت، الذي طوّر مخطط برنارد لويس وقام بنشره فى صحيفة «نيويورك تايمز» تحت عنوان «كيف يمكن لخمس دول أن تصبح 14 دولة؟»، أنه يجب أن تقسّم سورية والعراق معاً أربع دويلات، والسعودية خمس دويلات، وليبيا ثلاثاً، واليمن دويلتين، كما وضع لبنان ومصر والسودان في دائرة الدول التي تتصدّر التقسيم. في حين أنّ كلّ ذلك، لا يعدو أن يكون سوى تكملة لمشروع صهينة الشرق الأوسط والتاريخ معاً، ولهذا صرّح الحاخام اليهودي يسرائيل ويس في مقابلة تلفزيونية أجراها مع الإعلامي نيل كافوتو في محطة فوكس نيوز الأميركية قائلاً: «إنّ تاريخ أرض الميعاد هو مجرد كذبة من الصهاينة»، مدلّلاً على كلامه بمقاطع من التوراة، ومشيراً إلى أنّ «التوراة تقول إنّ المفروض في اليهود ألا تكون لديهم دولة، لأنهم منفيون بأمر من الله»، ونظراً لأهمية تلك المقابلة، أطلقت عليها المحطة الأميركية الأخيرة «المقابلة الأهمّ في العالم».

وعليه، فإنّ كلّ ما تقدّم يؤكد لنا بأنّ المشروع الصهيوني يعمل حالياً على إحياء دولة «إسرائيل» الكبرى من النيل إلى الفرات، عبر تقسيمنا جزيئات ضعيفة وعاجزة يجري ضمّ معظمها لاحقاً لـ «إسرائيل». والسؤال الذي يطرح نفسه: ألم يحِن للشعب العربي والإسلامي ليعي ما يدور حوله من مخططات استعمارية؟ وألم يئن له أن يفيق من سباته العميق ويعي بأن أميركا قد باتت أداة بيد الصهيونية؟ ولهذا، فإنّ مواجهة المشروع «الإسرائيلي» – الصهيو – أميركي هو واجب وطني وقومي وأخلاقي نبيل، كما أنّ محور المقاومة هو الوحيد الذي واجه «الإسرائيلي» مؤخراً وحقّق سلسلة من الانتصارات عليه. تمثّل الانتصار الأول بتحرير الجنوب اللبناني المحتلّ ورفض الخضوع للمشاريع الاستسلامية المذلّة، والثاني بالانتصار على عدوان تموز وتأمين الدعم المادي والمعنوي لكافة فصائل المقاومة الشعبية الفلسطينية، والثالث بتحرير الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين من السجون «الإسرائيلية»، والرابع بفتح جبهة تحرير الجولان المحتلّ أمام المقاومة الشعبية، والخامس بصمود وطننا أمام مخططات تقسيم المنطقة لاحتلالها صهيونياً، والسادس بإبقاء عقيدة تحرير القدس وفلسطين قائمة حتّى تحقّقها، والسابع بمحاربة الإرهاب التكفيري والوقوف بوجه الأفكار المتطرّفة طائفياً ومذهبياً والانفتاح على الجميع. فحمى الله المقاومة، وحمى الله الوطن.

محام، نائب رئيس

الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى