منتدى «كلّ الألوان»… القصيدة المشكّلة على إيقاع الريشة
عبير حمدان
بين الريشة المعمّدة بألوان قوس قزح والدواة الضاجّة بنبض اللغة حكاية فرح وحبّ وأمل لا تنتهي. ولأن المدى يتّسع للجميع، ضمّ منتدى «كلّ الألوان» التعدّدية في الأفكار والرؤى، ولم يحصرها ضمن إطار ضيّق.
للسنة الثانية على التوالي، ينشط المعنيون في منتدى «كلّ الألوان» لتوثيق الرؤيا الفنية والثقافية من خلال تظاهرة فنية تجمع رسّامين من مختلف الدول العربية. ولكلّ منهم مساحته الخاصة، ولا يغيب الحرف عن الفعالية، حيث ترافق القصائد اللوحات المنتشرة على جدران القاعة في قصر الأونيسكو اليوم، ويكرّم المنتدى الروّاد من الرسّامين والشعراء والمعنيين بالنقد الفنّي والأدبي.
هي فيسيفاء من الألق تلغي الحدود التي فرضتها السياسة على الشعوب العربية لتغيب تأشيرة الدخول. هنا يصبح الحبّ لوحةً، ونسيجاً متماسكاً يوصل النيل بالفرات، ويتلو الآيات عند مشارف بلاد الحجاز، ويُزهر كما الياسمين الدمشقي المطلّ على جبال لبنان. هنا تغيب الشروط وينساب اللحن رقراقاً من بيروت إلى أبعد مدى، إلى التخوم مع فلسطين. من قال إنّ الفنّ لا يملك المقدرة على كسر القيد؟ ومن قال إن القصيدة لا تؤلف وطناً من نور ونار؟ يكفي أن نلتمس ما في دواخلنا من إبداع كي نجعل أيامنا المقبلة أفضل.
برعاية وزارة الثقافة، يفتتح منتدى «كلّ الألوان» معرضه الدولي الثاني في تمام السادسة من مساء اليوم في قصر الأونيسكو، بمشاركة نخبة من الفنانين اللبنانيين والعرب، مكرّماً الفنان الدكتور حسن جوني، ومستضيفاً المستشار الثقافي الإيراني محمد مهدي شريعتمدار، والفنان معين شريف، والناقد الزميل أحمد بزون. وتُقام على هامش المعرض أمسية شعرية يشارك فيها الشعراء: رضا دياب، أسيل سقلاوي، حنان فرفور، وعلى دهيني، ويتخلل الحفل عزف على البيانو لريان عبد الله يحيى، والكلارينيت مع الفنان طارق بشاشة، إضافة إلى تكريم الضيوف المشاركين، وورشة خطّ عربي مع الفنان والخطاط حسين يونس بمشاركة الفنان الدكتور محمد بغدادي. وتقدّم الحفل الزميلة بتول عبد الله.
البندر: مساحة للجميع
يعتبر الزميل الشاعر محمد البندر رئيس المنتدى أن هذا النشاط يجمع كلّ الطاقات ويفتح الباب للجيل الشاب كي يحفر بصمته. ويقول لـ«البناء»: نسعى إلى نشر الفرح والثقافة بما نملك من إمكانية. والباب مشرّع للجميع. فنحن لا نضع الشروط، هو معرضنا الدولي الثاني ولكلّ فنان رؤيته الخاصة حيث يغيب العنوان الواحد. هي مساحة حرّة لمزيج من الألوان والأفكار لأن التنوّع يُغني الآفاق ويوسّعها. من الجميل أن تضم قاعة عرض باقة ثقافية من دون قيود أو تأطير. لذلك، لا نلزم المشاركين بموضوع محدّد. أما في ما يتصل بضيوف الشرف والمكرّمين، فنحن نسعى إلى تكريم الروّاد في المجالات الفنية والثقافية كافة لقناعتنا أنّ من يمنح مجتمعه مساحةً من الفنّ الراقي والجميل، يستحق التكريم ولو في إطار معنويّ.
ويشير البندر إلى الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في التبادل الثقافي بين المجتمعات المختلفة: تواصلنا مع الفنانين على امتداد العالم العربي عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ولعل هذا التبادل الثقافي يُحسب نقطة إيجابية في هذا العالم. هناك مَن حضر شخصياً إلى بيروت للمشاركة في المعرض. ومنهم من أرسل لوحته بريدياً. ولاحقاً قد نقيم المعارض خارج لبنان، ونحن نعمل على هذا الموضوع جدّياً.
وحول السمبوزيوم الذي يلي المعرض يقول البندر: ما نقوم به كلّ سنة عبارة عن تظاهرة فنية لا تنحصر بمكان واحد. لذلك نحمل أدوات الرسم والدواة إلى رحاب الطبيعة لنقيم سمبوزيوم حرّاً على مشارف فلسطين. وتحديداً في زبقين قضاء صور. وهناك أيضاً نكرّم نخبة من الرواد. وهذه السنة سيكون كلّ من النائب علي فياض والشاعرين شوقي بزيع وعلي بزيع ضيوف الشرف، وسنقيم أمسية «ألوان الحب» يشارك فيها الشعراء: خليل عاصي، لوركا سبيتي، وأسامة حيدر، تتخلّلها وصلة عزف على البيانو للفنانة ريان عبد الله يحيى.
الديراني: جمال اللون
يتحدّث الفنان ياسر الديراني ـ مسؤول النشاطات الفنية في المنتدى ـ عن مشاركته في الفعالية فيقول: هذه التظاهرة الفنية التي يقيمها منتدى «كلّ الألوان» عبارة عن لقاء النخب الفنية من الفنانين التشكيليين من لبنان والعالم العربي. حيث تتمزج ألواننا لتمنح موسم أعمالنا إبداعاً وجمالاً، علّنا بالريشة واللون نجاهر بما لا يمكننا البوح به من كلام قد لا يصل إلى الناس. اخترت نقل السحر الذي ينبعث من جمال التكوين موضوعاً للوحتي. هي عبارة عن عالم مختلف عن الطبيعة الواقعية حيث رسمت الكواكب التي تضيء هذا العالم بمساحات تكونيه.
علي: المرأة
اختارت الفنانة الأردنية روند علي الإضاءة على واقع المرأة العربية في هذا المحيط المثقل بالهموم حيث تقول: المشاركة في تظاهرة فنية يبعث على الأمل. لذلك اخترت أن أتكلم من خلال ريشتي عن المرأة العربية في ظلّ الواقع الأليم الذي يكتنف العالم العربي ومجتمعاتنا المتشابهة في همومها ومشاكلها. المرأة العربية لها النصيب الأكبر في ما نعيشه من حروبٍ ومآسٍ. وقد حاولت إظهار وجهها الحزين والفرِح في لوحتي، ربما في ذلك أمنحها مساحة تليق بمقدرتها على العطاء والتفاعل والتكيّف مع الواقع، على أمل أن تساهم في تغييره نحو الأفضل.
الخطاب: صورة العراق
تعتبر الفنانة العراقية سميرة الخطاب أن المشاركة في فعالية فنية من هذا النوع تلغي الحدود بين الدول العربية فتقول: من الجميل أن تجمعنا بيروت على إيقاع اللون. جئت إلى لبنان لأكون ضمن هذه النخبة من الفنانين اللبنانيين والعرب وأنقل صورة العراق بما تحتويه من جمال ضمن الانطباعية التي أعتمدها في تشكيل لوحاتي. عسى أن تتغلب الريشة المنغمسة باللون على القيود، ويتمكّن الفنّ من إلغاء الحدود.
فياض: الانتماء والدفء
ترى الفنانة فريال فياض ـ مسؤولة العلاقات الخارجية في المنتدى ـ أن ضجيج المدن حياة مشبعة بالدفء. وتقول عن لوحتها: أرسم الأبنية، ما يمنحني الشعور بالانتماء إلى المناطق التي شهدت ولادة موهبتي الفنية واحتضنت أحلامي وآمالي. وأميل إلى رسم الأبنية والمدن الصاخبة بالحياة. كما أنّني أركّز على اللون الأحمر لأنه لون الحبّ والدفء. يمكن للفنّ أن يُعيد تشكيل الواقع وفقاً لرؤية الفنان. والحبّ حياة مختلفة تكسر الجليد وتلغي فرضية الفراغ.
عبد الباقي: النوايا الصادقة
اعتمدت الفنانة البحرينية سيما عبد الباقي، الصوفية في لوحاتها. وعن ذلك تقول: اعتمدت الصوفية في لوحاتي إلى حدّ كبير. هو فكر نكران الذات والبساطة والإدراك الذاتيّ الذي يركّز على ممارسات النوايا الصادقة عن طريق الإخلاص والمحبة. هذا الفكر بالنسبة إلى الكثيرين معيار أخلاقي، وبالنسبة إليّ هو الإعجاب الشخصيّ، وشكل من أشكال الجمال العاطفيّ. لذلك ترجمت هذا الإعجاب على القماش.
من ناحيتها تقول الفنانة المصرية مروة الوكيل إن مشاركتها في المعرض سمحت لها أن تنقل ألوانها من مصر إلى لبنان بما فيه من حضارة وجمال. إذ إنها قدّمت صورة لبلدها بعين الفنان التي ترصد كلّ ما هو جميل، وتمنحه الوجود ولو على القماش الأبيض.
أما الفنانة السعودية فاطمة المسعود، فترى أن مشاركتها مع باقة من الفنانين التشكيليين في قاعة عرض بيروتية، ما هي إلا إنطلاقة إلى العالم الرحب بما فيه من فنّ وجمال.
يذكر أن هذه التظاهرة الفنية جمعت فنانين تشكيليين من لبنان وسورية والأردن والعراق والبحرين وسلطنة عُمان والسعودية ومصر وفلسطين.