الأمينة أدما ناصيف حمادة… مناضلة حتى الرمق الأخير

إعداد: لبيب ناصيف

هي من بلدة مقلس منطقة وادي النضارة إلا أنها استقرت في بيروت، وفيها نشطت حزبياً وتولت مسؤوليات محلية، منها نظارة المالية، وكان لها حضورها اللافت في الوسط القومي الاجتماعي على كامل بيروت، وبالأخص الأشرفية حيث قطنت مع زوجها المحامي الرفيق نعمة حمادة، ورزقا غسان 1 ومنى 2 ثم عندما هجم جنون الحرب اللبنانية انتقلت العائلة الى رأس بيروت لتستقرّ في جوار منزل الامين الدكتور عبدالله سعادة في منطقة قريطم، لتعود الى الأشرفية وتمضي فيها سنواتها الأخيرة.

الأمينة أدما ناصيف حمادة محطة نضالية لافتة تركت بصماتها في مسيرة المرأة القومية الاجتماعية. فمنذ صباها عرفت الحزب. انتمت كشقيقها الرفيق دعاس ناصيف 3 واستمرت، الى ان التقت الرفيق المحامي نعمة حمادة فاقترنت به 4 متحدية، منتصرة على التقاليد، بانية معه أسرة قومية اجتماعية تنبض بحياة الحزب، وكلّ مناقب النهضة ومثلها وقيمها.

الحديث عن الأمينة أدما ناصيف حمادة لا ينتهي بصفحات، وكتابها «حلم النهضة» الغني، بالمعلومات، قدّم الكثير من الحقائق وترك لنا مرويات شهدت عليها الأمينة أدما، خاصة في الفترة التي التقت فيها الأمينة الاولى في «سجن المزة» في دمشق.

نكتفي بهذا القليل من كثير تستحقه.

ولدت الأمينة أدما يوسف ناصيف في بلدة مقلس مرمريتا عام 1930

اسم الأم: مريم مخائيل

اقترنت من الرفيق المحامي نعمة حمادة وأنجبت غسان طبيب معروف في مستشفى الجامعة الأميركية ومنى عقيلة الرفيق طارق بسج، ويقيمان في الكويت.

انتمت في مرمريتا عام 1952 وتولت مسؤوليات:

مذيعة في مديرية الأمينة الاولى مرمريتا

مذيعة في مديرية زنوبيا دمشق

مديرة لإحدى مديريات الحزب في الاشرفية عام 1958، في فترة تولي الرفيق صبحي ابو عبيد مسؤولية المنفذ العام.

ناظرة مالية منفذية بيروت عام 1988

تعرّضت للاعتقال مراراً:

لمدة خمسة أشهر في «سجن المزة»، وعندما خرجت من السجن بكفالة، أمكنها الهرب الى لبنان.

«ثكنة الفياضية» ثم ثكنة «الأمير بشير» اثر الثورة الانقلابية.

أوقفت مراراً بسبب «العمل لحزب منحلّ» في ستينات القرن الماضي.

نفّذت مهمات سرية بين المركز في بيروت، ودمشق في السنوات 1955- 1956.

منحت رتبة الأمانة بتاريخ 4 نيسان 1998. ومنحها رئيس الحزب الأمين اسعد حردان وسام الثبات عام 2010 هذا الوسام يُمنح لمن ثبت 50 سنة وما فوق في الالتزام القومي الاجتماعي .

وفاتها

وافت المنية الأمينة أدما حمادة مساء يوم الاربعاء 25 أيار 2011 وشيّعت وسط حضور لافت الى الهرمل لترقد الى جانب رفيق حياتها، الرفيق المحامي نعمة حمادة.

نعاها، الى عائلتها، حزبها السوري القومي الاجتماعي وعموم اهالي الهرمل ومقلس.

تقبّلت عائلتها التعازي برحيلها في الهرمل يومي الخميس والجمعة 26-27 أيار وفي نادي خريجي الجامعة الأميركية في بيروت يومي السبت والأحد 28 – 29 أيار.

التشييع المهيب

أوردت نشرة عمدة شؤون عبر الحدود بتاريخ 28/05/2011 الشرح التالي الصادر عن عمدة الإذاعة والإعلام:

«في مأتم شعبي وحزبي مهيب، ودّع القوميون وأهالي الهرمل الأمينة الراحلة أدما ناصيف حمادة، التي توفيت عن 81 عاماً. وحضر التشييع وفد قومي ضمّ عضو المجلس الأعلى الأمين وليد زيتوني، ومندوب المركز الرفيق جورج جريج، ومنفذ عام منفذية البقاع الشمالي علي نزها على رأس وفد، إضافة الى أعضاء هيئة منفذية الهرمل وجمع من القوميين والمواطنين الذين توافدوا من بعض المناطق الى الهرمل التي استقبلت نعش الأمينة الراحلة باليافطات التي رفعتها منفذية الهرمل على الطرقات، وفيها نعت الى الأمة رحيل «المناضلة القومية».

«ومن وحي المناسبة، ألقى الوزير السابق الدكتور طراد حمادة كلمة وجدانيّة باسم العائلة، أشاد فيها بمزايا «الأمينة الفاضلة»، وبوقوفها الى جانب زوجها الراحل شقيقه الرفيق المحامي نعمة حمادة في مراحل عدّة.

«بدوره، ألقى الرفيق جورج جريج كلمة مركز الحزب، تطرّق فيها الى مراتب الصراع، وأكّد أنّ الأمينة أدما «حاضرة في ضمير حزبنا، وفي محطات نضاله التاريخيّة، نموذجاً للمرأة السورية المصارِعة، التي تعرف كيف تحبّ وكيف تضحّي وكيف تنتمي، انتماءً يستمرّ العمر كله»، وهي التي «اتخذت من مبادئ النهضة شعاراً لها ومساراً في حياتها، وكانت حاضرة دوماً في المحطات والمواقف». كما أشار الى أنّ مفهوم الغياب عند السوريين القوميين الاجتماعيين يُختصر بـ«الحضور والتواصل والبقاء».

«ومن منطلق إشارته الى إيمان القوميين بأنّ وجودهم «لا يورق إلا في مواويل التضحيات الكبيرة»، لفت الرفيق جريج الى أنّ الأمينة الراحلة ترجمت قناعاتها ممارسةً حتى آخر رمق من حياتها، مذكّراً بأنها استحقّت وسام الثبات، والذي كان منحها أياه رئيس الحزب الأمين أسعد حردان، تقديراً لعطاءاتها وتضحياتها.

«بعد ذلك، حُمِل النعش الذي لُفّ بعلم الحزب على الأكفّ، وتقدّمه حمَلة الأعلام الحزبية، إضافة الى الأكاليل، ومنها إكليل باسم رئيس الحزب الأمين أسعد حردان وآخر باسم رئيس وأعضاء المجلس الأعلى في الحزب. وبعد مراسم الصلاة، أدّيت التحية الحزبية للأمينة أدما ووري نعشها في الثرى، وتقبّل القوميون التعازي الى جانب عائلة الراحلة «.

ذكرى الأربعين

في ذكرى الأربعين على رحيلها وبدعوة من ولديها الرفيقين د. غسان والمهندسة منى بسج، التقى مئات من القوميين الاجتماعيين والأصدقاء في تظاهرة وفاء لمن كانت وفية لقسمها وللعقيدة التي اعتنقتها، ولازمتها حية في عقلها وقلبها ووجدانها حتى الرمق الأخير.

الى الصور الكثيرة المعبّرة، التي تغطي الكثير من سيرة الأمينة أدما، وكانت تبث على شاشة عملاقة، وزعت مذكراتها في كتاب هو عبارة عن «سيرة ذاتية» تمّ التحضير لها خلال أربع سنوات، ويضمّ مذكرات الأمينة أدما، وملاحظات صغيرة كانت قد جمعتها في مدوّنات صغيرة، الى العديد من التسجيلات التي ترجمتها الى كتابات في ما بعد.

انتهت من المسودة الأولى للكتاب وبعد سنتين من العمل عليه، لكنها مرضت فتأخر الكتاب. وقبل شهرين من وفاتها عاودت العمل وابنها غسان على الكتاب. الا أنّ الموت اختطفها قبل الانتهاء من الكتاب، فعاود الرفيق الدكتور غسان العمل عليه ليقدّمه اليها في أربعينها.

في المناسبة، ألقى الدكتور سليم أديب، زميل الامينة الراحلة في الدراسة كلمة رثاء قيّمة، ثم ألقت الدكتورة صفية سعاده كلمة جاء فيها: «كنت طفلة حين رأيتها للمرة الأولى تدخل بيتنا في دمشق ترافقها ابتسامتها الحلوة وجبينها العالي ينضح إباء وكرامة، أما قامتها المنتصبة فكانت حاضرة للتحدي. تقتحم المكان بخطواتها الواثقة متحمّسة للمهمة التي انتدبت لها، ألا وهي الاهتمام بهندام والدتي.

«لم تكن أدما آنذاك قد انتمت إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، بل دعاها أخوها دعاس القومي الملتزم والعارف بمواهب أخته في تصميم الأزياء وهي التي حصلت على منحة إيطالية للتخصّص في روما.

وكان بيت دعاس وأدما مفتوحاً لجميع القوميين، يدخلون ويخرجون وينامون وكأنه بيتهم، فلا ينزعج أهله، بل على العكس يرحبون ويصادقون كلّ فرد منهم، ويعتبرونهم من أهل الدار.

«لم تكن حركة وعجقة أدما تهدأ إلا حين تمسك بالمقص، فتحوّل قطعة القماش إلى لوحات جميلة يتمنّى المرء لو يستطيع عرضها في متحف فتحافظ على رونقها وفرادتها.

«كنت أفرح كلما أراها قادمة، تحمل ثوباً لوالدتي بين يديها وكأنه قربان مقدس، أفرح بطلتها وصباها وقهقهة ضحكتها الواسعة دونما خجل أو تردّد.

«تميّزت أدما بشجاعتها وجسارتها فلا تهاب أحداً مما جعلها مختلفة تمام الاختلاف عن قريناتها من النساء اللواتي تربّين في أجواء محافظة، فحرمن الضحك أو حتى الابتسام في الساحات العامة.

«فهذه المرأة قفزت فوق خطوط حمر عديدة وخطيرة بالنسبة لزمانها، أيّ في الخمسينيات من القرن الماضي وجابهت تقاليد مجتمعها الصغير في مدينة حمص متسلحة برؤية الإنسان الجديد التي وضعها سعاده، فمارست العمل خارج البيت وهي لم تبلغ العشرين من العمر، ثم انخرطت في العمل الحزبي ودخلت السجن مع والدتي، وبعدها قرّرت الزواج من غير ملّتها ودينها، ثم دخلت السجن مجدّداً بعد محاولة الانقلاب الحزبية مطلع العام 1962، ولم يمنعها كلّ ذلك من متابعة مهنتها، فحوّلت جزءاً من بيتها إلى مشغل لها تمضي فيه سحابة أيامها وفيضاً من لياليها.

«وبالرغم من همومها المهنية والعائلية والحزبية وحتى المادية، كانت حاضرة دوماً لاستقبال الرفقاء والرفيقات، تستمع إليهم، وتستزيد المعرفة منهم، وهي النهمة التواقة لتوسيع أفق أفكارها ومعلوماتها تجلس معهم وكأنّ لها متسع من الوقت لا نهاية له.

«لم تفارقها شجاعتها ولا إقدامها حتى آخر لحظة من حياتها. جابهت قدرها وجهاً لوجه بعينيها الواسعتين ساخرة، مستهزئة من الموت، تقترب منه وهي تدرس أوضاعه ومراحله وكيف يفتك في جسدها، وكأنّ الموضوع يتمحور حول بحث علمي عليها أن تستخلص منه العبر.

«لم يغيّر الموت شخصية أدما وستظلّ في ذاكرتي كما عرفتها وكما أحببتها».

وقالت الإعلامية فدى دبوس في تغطيتها لذكرى الأربعين، في عدد جريدة «البناء» تاريخ 05/07/2011:

«زهرة من أبناء الحياة، حملت العقيدة فكراً وفعلاً وآمنت بأنّ التاريخ لا يسجّل الأماني والنوايا بل الأفعال والأقوال، ففعلت. تخطّت حواجز الكيانية والطائفية العمياء مؤمنة بأنها مسلمة لله رب العالمين، بالقرآن والإنجيل والحكمة، وبأنّ اليهود هم العدو الوحيد لأرضها وحقّها ودينها. وقفت وقفة العزّ وكانت في بحرها نهراً هادراً يُسكت نقيق الضفادع حولها.

«هي الأمينة أدما يوسف إيليا ناصيف، ولدت عام 1930 في مقلس وعاشت طفولتها في مرمريتا قرب قلعة الحصن في وادي النصارى. وحّدت أدما بين حياتها وثقافتها ببصيرة نفّاذة. امرأة يمكن وصفها بأنها متعدّدة، والتعدّد لديها يتمحور حول التغيير، تغيير المجتمع الذي تنتمي إليه اجتماعياً وثقافياً وفنياً، إذ جمعت في نشاطها بين الهاجس الفكري الثقافي والهاجس الفني الجمالي.

«عرفت السجن في المزة في دمشق، وفي بيروت… كما عرفت الحرية دائماً. أسقطت النظام الطائفي على طريقتها أربع مرات: الأولى حين التزمت بفكر علماني وحدوي عام 1953، والثانية عندما تزوجت بنعمة حمادة على الطريقتين المسيحية والإسلامية عام 1957، والثالثة لمّا استمرت طوال حياتها تحلم ببناء وطن، والرابعة والأخيرة حين قيل لها إنّ الإسلام هو طريق الثرى بجانب زوجك فجاء الجواب ولمَ لا؟

«توفيت أدما في أيار 2011 بعد سنة من الصراع مع المرض. كانت دائماً قوية، شجاعة، فتحدّت المرض وصارعت من أجل البقاء على الحياة فتعاملت مع المرض على أنه تجربة علمية تختبرها وتدرس أوضاع المرض ومراحله، لتمضي بعد ذلك إلى المجهول. إلا أنّ الموت لم يغيّر شخصيتها ولم يغيّبها فبقيت حاضرة في العقول والقلوب.

وفي حديث إلى «البناء» أخبرنا ابنها غسان حمادة أنّ الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية تمّ التحضير لها خلال أربع سنوات، ويضمّ مذكرات أدما وملاحظات صغيرة كانت قد جمعتها في مدونات صغيرة إلى العديد من التسجيلات التي ترجمتها إلى كتابات في ما بعد. ساعدتها في مسودة كتابها الصحافية مي باسيل والصحافي محمود شريح. وانتهت من المسودة الأولى للكتاب بعد سنتين من العمل عليه، لكنها مرضت فتأخر الكتاب. وقبل شهرين من وفاتها عاودت العمل وابنها على الكتاب، إلا أنّ الموت اختطفها إلى العالم الآخر قبل الانتهاء من الكتاب، فعاود غسان العمل عليه ليقدّمه إليها في أربعينها.

من كتابها «حلم النهضة»

أدما معطي، الشهيدة

«وشاءت الأقدار ان ترافق انتسابي للحزب حادثة أليمة لم تفارق مخيلتي أبداً، لا سيما أنّ ضحيتها كانت سميتي أدما معطي التي أقسمت يمين الولاء للعقيدة معي في الجلسة نفسها. لقد كانت أدما معطي طالبة في «الغسانية»، اكتشف أهلها سرّ انتمائها للحزب فتعرّضت لضرب مبرح أدخلت على اثره المستشفى وفارقت الحياة في اليوم التالي.

«رحلت أدما معطي ولم يزل وجهها يطلّ مع كلّ شهيدة وفي وجداني سؤال ملحّ. هل كانت أدما شهيدة أم ضحية أم قتيلة أم هذه الأسماء كلها. هل كان طموح أدما لتغيير مسار حياتها وتطوير عقلية مجتمعها سبباً لموتها؟»

وقفة العز

«وقفت خلف النافذة فتذكرت زيارتي الأخيرة للرفيق بديع مخلوف في سجن المزة في العام الماضي. كنت أنا ومريم مخلوف ابنة عم بديع وشقيقه الرفيق الفنان التشكيلي سعيد مخلوف. في حينها كنت احمل له رسالة من المركز في بيروت. فقلت لمريم اني مربكة وخائفة من ان يراني الحارس عند تسليمه الرسالة. فابتسمت مريم وقالت: تريدين ان اذهب معك. لا بأس فأنا أشغل الحارس وأنت تنتهزين الفرصة وتعطيه الرسالة. وكان حكم الإعدام بحقه قد صدر. كان بديع هادئاً ومرحاً وابتسم لنا فاتحاً ذراعيه وقال ما أروعكما في مجيئكما لزيارتي. لم نمكث طويلاً وفي طريق العودة تساءلنا انا ومريم واستغربنا هدوءه وفرحته ورباطة جأشه.

«ربما تكون لعبة الحظ هي التي تقرّر مساراتنا وهي التي نظمت مجيئي الى هذه الغرفة بالذات لأرى المشهد الأخير من حياة بديع مخلوف ومنعم دبوسي وأيديهما مربوطة وراء ظهريهما وهما يُقتادان الى خشبة الإعدام. يلبسونهما نعالاً بيضاء من المطاط حتى لا يسمع المساجين وقع أقدامهما على أرض السجن. كانت تلك التجربة المؤلمة الثانية التي عشتها بعد موت أدما معطي».

هوامش

1 – طبيب ورئيس قسم الطب العائلي في مستشفى الجامعة الأميركية.

2 – مهندسة اقترنت من الرفيق طارق بسج ويقيمان في الكويت.

3 – نشط حزبياً ومن مسؤولياته ناموس عمدة الإذاعة.

4 – تمّ القران عام 1957.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى