الفرز وطني… وليس طائفياً
جمال العفلق
نعم سنتحدّث عن الفرز، وأصبح من حقنا اليوم أن نتحدث ونعلن كما دأبنا منذ بداية الحرب على سورية أننا لن ننجرّ إلى أتون حرب طائفية، ولم ننجرّ رغم هذا الضغط الإعلامي والتقارير الكاذبة التي لم تنصفنا في يوم من الأيام، فالسموم الطائفية لم تتوقف، وهذا النوع من السموم كنا نتوقّعه من الذين ارتدوا قناع الدين وأطلقوا على أنفسهم اسم رجال دين أو مشايخ دين وهم أبعد ما يكون عن جوهر الدين.
لقد دعم الغرب الطائفيين الديمقراطيين! وفتح لهم أبوابه وسهّل لهم الوصول لكلّ الوسائل الإعلامية لديه أو التي تعمل لديه، ليبني جداراً من الدم واللحم السوري بين أبناء الشعب الواحد، فمنذ العدوان الأميركي على أميركا في الحادي عشر من أيلول وما سمّي في حينها اعتداء إرهابي لم يثبت حتى اليوم أنه فعل خارجي بقدر ما تشير كلّ التقارير والتحليلات أنها عملية عدوانية داخلية كانت لتسهيل ما سُمّي حينها القرن الأميركي، حيث سيتمّ إخضاع العالم بكلّ مقدراته لحكام أميركا الذين يديرون السياسة في أميركا والعالم، وهم بالتأكيد ليسوا مَن نشاهدهم على شاشة الإعلام.
وما كان لهذا المشروع أن يخرج إلى النور لولا «الخونة»، نعم إنهم الخونة لأوطانهم، إنهم الخونة لدينهم وعقيدتهم، إنهم عَبَدة المال، تجار الموت، وأصحاب لعبة القتل على الهوية الطائفية، المتعطّشين للدم، الناشرين للرذيلة، الفاسدين المفسدين للروح الإنسانية، إنهم تلاميذ عصابات الهاغاناه التي قتلت وما زالت تُعمل القتل بالأبرياء، ولكنها تقتل في النهاية من يخدمها من الخونة لأوطانهم، فعمليات الخطف والتعذيب على الهوية الطائفية ما هي إلا واحدة من أدوات أعداء الشعب السوري وتشكيل جيوب طائفية مهمّتها قتل أخوتها بالوطن هو أقلّ أفعال هذه الجماعات أمام فعل الخيانة للوطن.
نعم سنقوم بالفرز الوطني، وهذا حقنا اليوم، فلا داعي للمزايدة ولا حاجة لنا للمسايرة أو تجميل الصورة، فنحن أمام معركة مفتوحة لن يحدّد نهايتها قرار دولي أو بيان صادر من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، فمن حقنا تنظيف الوطن من الخونة، ولا يحق لأيّ كان في هذا العالم ان يفرض علينا أن نصافح من خانوا الوطن، وليس من حق أكبر رأس في هذا العالم أن يفرض علينا أن نسمح لمجموعات الخيانة والقتل أن تتمتع بهواء دمشق، وأنا هنا لا أوزّع شهادات بالوطنية إنما أتحدث عن فعل خيانة لا يختلف عليه اثنان، فمن يعالج في مستشفيات الكيان الصهيوني لا يحق له أن يعود إلى سورية، ومن طلب الدعم الصهيوني لا يحق له البقاء في سورية، فإذا الكيان الغاصب يعجبهم ليذهبوا ويعيشوا عند العصابات الصهيونية.
كم هو دنيء هذا الذي يعتقد أنّ التعامل مع أعداء وطنه يعطيه الشرف! وكم هم أغبياء الذين لم يفهموا التاريخ وحقيقة هذا الوطن، ففي وقت تضرب تركيا أهلنا في الشمال وما يسمّى ائتلاف الدوحة الخائن يصفق لها، تتحرك في الجنوب «إسرائيل» لتدفع بالخونة وحلمها أن تتوسع في العمق السوري، وتحت غطاء دولي يتجنّب الحديث عن الاعتداءات الصهيونية وصمت عربي معروف لا يحتاج إلى تعليق، فالعرب لهم حصة كبيرة في هذه الحرب وما دفعوه من مال كان كافياً لإطعام فقراء العالم لخمس سنوات مقبلة.
لذلك، نحن اليوم بحاجة إلى هذا الفرز الوطني أكثر من أيّ يوم مضى، ونحن نعرف حدود الوطن ولن نسمح أن ترسم الخرائط من جديد، ليُقال لنا هذا هو الواقع وعليكم أن تقبلوه فمنذ مئة عام كتب علينا أن نقبل حدوداً ليست لنا ولن ننتظر مئة عام أخرى. ولتبقَ الحرب مفتوحة ليس لدينا ما نخسره إذا ما خسرنا الوطن، ولن نسمح أن يُقال ويُشار إلينا من خلال مذاهبنا أو ديننا، وسوف نحيي من جديد شعار الثورة السورية الكبرى «الدين لله والوطن للجميع». والمقصود بالجميع هنا هم الوطنيون السوريون الذين لن يساوموا على تقسيم وطنهم ولن يقبلوا أيّ شكل من أشكال الطائفية، أما أصحاب الأصوات المعادية للشعب السوري، فعليهم أن يخرسوا اليوم، لأننا لن نقبل أن نكون أتباعاً لهم، ولا أداة قتل تخدم روحهم المريضة، فالخائن لوطنه لا يمكن أن يكون مخلصاً لطائفته أو عشيرته.
فالوطن لا تحكمه لعبة التوازنات الطائفية، كما هو حال لبنان، إنما تحكمه الوطنية، والوطنية هي حق الإنسان بالدفاع عن حدود وطنه، وهي مصالح الأكثرية من الشعب من كلّ المذاهب أو الديانات، والوطن هو أن تدعم جيشك الوطني بقراره وحربه، والوطن أن تحمي ممتلكاتك العامة وتقطع يد الفاسدين. الوطن أن تبني مستشفى ومدرسة لا أن تدمّر ممتلكات الشعب! فأين الذين يحملون السلاح من هذا؟ وأين تلك الحرية التي يتحدثون عنها؟ وأين الديمقراطية الفارغة التي تحدثوا عنها وادّعوا أنهم يفهمونها؟
لم يعد هناك أيّ شك في خيانتهم لأنفسهم ولإخوتهم ولوطنهم، ولم يعد لدينا أيّ أمل بعودتهم الى الصواب، فمن يعيش في فنادق فخمة ويتلقى المال بدون حساب لم يعد لديه وقت ليفكر بالشعب.
سنة أخرى من الحرب… لا يهمّ، فالوطن لم يعد يتسع إلا لمن يدافع عنه.