الخائن لوطنه… لا يمكن أن يكون مخلصاً لطائفته!

جمال العفلق

ليس عيباً أن تكون منتمياً لطائفتك، فأنت ولدت ووجدت نفسك فيها، وليس عيباً أن تكون منتمياً لدين أو عقيدة تجد فيها خلاص النفس من الذنوب… ولكن مهما كان هذا الانتماء واسعاً فهو ضيق إذا لم يكن انتماء يسبقه الانتماء لوطنك وأرضك، هذا الوطن الذي لا تملكه أنت وحدك ولا يحق لك التفرد فيه والانفراد بمصيره وإن لم تكن مخلصاً له ومؤمناً بوجوده ووجود كل من يعيش عليه، فكيف يمكن أن تكون مخلصاً لوجود طائفتك التي تدعي أنك تنتمي إليها؟

الخائن لوطنه سهل عليه جداً أن يبيع طائفته، فمن يبيع الكبير والغالي يهون علية الصغير مهما غلا ثمنه.

اليوم ونحن نقف على بحر من دماء إخوتنا وأهلنا وأطفالنا… اليوم ومعسكرات اللجوء الإنساني تمتد من حدود إيران إلى تركيا إلى لبنان إلى الأردن إلى مصر إلى أكثر دول العالم حتى البحار أخذت حصتها من أرواح اللاجئين. علينا أن نقف لمحاسبة كل الذين أججوا النزعة الطائفية والشوفينية التي أثبت التاريخ مدى عقمها وكم سببت للبشرية من خسائر وإزهاق للأرواح. هذا التعصب الطائفي الذي رفع الطائفة على حساب الوطن أنتج حتى اليوم مئات الآلاف من الضحايا الأبرياء. ضحايا لم يحملوا السلاح ولم يقاتلوا ولم يعترضوا. كل جريمتهم أنهم ينتمون إلى طائفة أو عرق مختلف.

والطائفي بطبيعته إذا ما انتهى من الخصوم لا يتوقف عن القتل فداعش اليوم لم يقتصر قتله على فئة من دون أخرى ومن يعدل في نظرته يكتشف أن قطعان الإرهاب لا تميز ابن مذهبها عن باقي المذاهب. لأن طبيعة هذه القطعان ومن يدعمها تقوم على قتل أي آخر لا يكون خاضعاً بالمطلق لكل تعاليمها وسياستها.

والتاريخ الحديث يسجل جرائم كثيرة بحق أبناء الدين الواحد في ما بينهم تحت شعار حماية الدين أو الطائفة… وليس من الصعب على أي باحث أن يجد أسماء قتلت من هو محسوب عليها ليس من أجل الطائفة أو الدين وحمايته لأن هذا الشعار لتبرير القتل. وحقيقة الأمر أنهم عملاء وخونة لأوطانهم خرج من هو من نفس انتمائهم يعارض أفعالهم فكان مصيره القتل والتصفية على يدهم.

اليوم أثبتت المقاومة وهي مثال نعيشه يومياً أنها مستمرة ومصدر تغذية وجودها وقبولها عند الناس أنها لا تتحدث عن طائفة ولا تسعى من أجل طائفة بل من أجل وطن. فكل خطابات المقاومة في لبنان على سبيل المثال لم تغفل من قريب أو بعيد المصلحة العامة للوطن. ولو أنها انفصلت عن وطنها لأصبحت ميليشيا مسلحة لا مقاومة تدافع عن وطن. وعلى رغم كل العواصف السياسية وكل التسويق الطائفي ضدها إلا أن المقاومة سلمت بأن الوطن فوق الجميع وأن الصراع المذهبي لن يحقق أي تقدم أو نجاح على العدو الذي ينتظر لحظة تصادمها مع الفئات الأخرى بالسلاح.

أما في العراق على رغم وجود الفصل الواضح بين الطوائف والقوميات إلا أن خطر الإرهاب ألزم الجميع بخطاب وطني لأن انهيار أي من هذه الفئات يعني أن الآخرين أصبحوا في دائرة النار حتى وإن كانوا على حياد.

وفي سورية ينطبق المثال نفسه ولكن تبقى القضية الأهم كيف نخاطب عقول البسطاء الذين صدقوا الطائفيين ومشوا خلفهم من دون إدراك للنتائج التي ستقع على إنسانيتهم.

ماذا فعل الطائفيون اليوم من أجل اللاجئين السوريين وهم من نفس الطائفة؟ ألا يطلق الجميع على معسكرات اللجوء اسم معسكرات الذل؟ أليس من سرق المساعدات وأهمل أطفال المخيمات هم أنفسهم أصحاب الأبواق الطائفية؟ فالانتماء الطائفي لم يشفع لهؤلاء عند أقرانهم، فالشتاء على الأبواب وستعاد قصص البرد والجوع من جديد.

والرد الوحيد على هذه الأبواق الطائفية أن يعود الجميع إلى أرضهم ويحملوا السلاح لمحاربة قطعان القتل والإرهاب لأن الموت هو الموت. فلماذا يموتون جوعاً وخارج أوطانهم وبإمكانهم أن يموتوا واقفين دفاعاً عن أرضهم وعرضهم؟

فلا يمكن لخائن لوطنه أن يكون مخلصاً لطائفته… ومن ينفخ في قربة الطائفية في زمن يكون وطنه في دائرة النار هو خائن للانتماء الأكبر والأوسع. فالوطن يتسع للجميع وتجاوز الخلاف ليس بالمعجزة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى