من أروقة وزارة الصحة..
اعتدال صادق شومان
إلى متى سيبقى المواطن المغلوب على أمره يشكو هذا الواقع الشائع من المعاناة المزمنة التي يتجرعها على أبواب المؤسسات الرسمية للدولة المتمثلة في الطبيعة المتعجرفة «لمقام» بعض موظفيها وقبح وفظاظة سلوكيتهم واستعلائهم على المواطن الذي يقف أمام هذا الموظف أو ذاك موقف الذليل الذي لا يملك «لا حولاً ولا قوة» خوفاً على معاملته من العرقلة، مع أنها أصلاً تكاد تكون معطلة بفعل بيروقراطية إدارية مستحكمة ومستفحلة في مؤسسات الدولة، رغم مواكبة غالبية الدوائر الرسمية التقنيات الحديثة في إعداد المعاملات وإنجازها.
في زمن تنامي الأزمات، وتفاقم وجع الناس الذي تخطى خطوط الصبر، بات من المملّ والمعيب التذكير بأزماتنا المستشرية التي تطال كافة المرافق التي تطبع حياتنا العامة والخاصة وتنال حتى الرمق الأخير من أنفاسنا…
كلّ هذا ليس سوى مقدمة لنقل معاناة مواطن يسعى إلى تأمين دواء لمريض من ذويه يعاني من مرض مزمن تتكفّل وزارة الصحة تأمينه له في ظلّ ارتفاع كلفة العلاج وأسعار الأدوية، ارتفاع لا يحتمله إلا أصحاب الجيوب «الدافئة»، أما غالبية الناس من ذوي الدخل المحدود فيتوجهون إلى وزارة الصحة علّها تعينهم على المرض والدهر!
إننا إذا كنا نورد هذه المعاناة لا نقصد تأليباً، أو تشويه سمعة وزارة هي من أكثر الوزارات مساساً بحياة الناس، بل من أجل تصويب العلاقة بين المواطن والوزارة والارتقاء بها إلى ما فيه خير البيئة الصحية، وتعزيز الثقة بينهما من خلال إيجاد آلية لإزالة الشوائب التي تضع مراجعي الدوائر الرسمية من المواطنين بين مطرقة الروتين وسندان سوء معاملة بعض الموظفين الذين يتجاهلون أنّ الوظيفة تكليف ومسؤولية قبل أن تكون نفوذاً أو سلطة، مع الإشارة إلى أنّ المواطنين يعانون الأمرّين في مؤسسات الدولة كافة، خاصة تلك المعنية بقضاياهم الحيوية، هذه عيّنة وحسب…
يشكو هذا المواطن لنا معاناته ويرويها بدءاً من دخوله إلى موقف السيارات التابع للوزارة والمخصص للزوار وهو الذي لا تستوعب مساحته العدد الكبير من السيارات، في ظلّ الضغط الكبير الذي تشهده الوزارة بفعل كثافة المراجعين ما يؤدي إلى زحمة في الموقف المذكور ومزيد من هدر الوقت في انتظار شغور «صفّة»، ويعتبر البعض أنّ اختيار موقع الوزارة الجديد في منطقة بئر حسن غير موفق لجهة سهولة الوصول إليه، عبر سيارات الأجرة أو الحافلات الصغيرة أو حتى السيارات الخاصة، ومن الصعب جداً ركن أي سيارة على الطريق العام، في وقت يزاحم الموظفون الزوار على الموقف العام المخصّص لهم رغم وجود موقف خاص بهم في محيط الوزارة.
ما أن نتخطى المدخل الرئيسي للوزارة، والكلام للمواطن، يصادفك رجال الأمن المولجون بتفتيش المواطنين ينتشرون بطريقة لا توحي للمواطن بأنهم بصدد التدقيق الأمني لدرجة أن المواطن يحار أن يقف مكانه أو يكمل سيره، وتبقى قصة «الأمن» استنسابية، لا تخلو من الطرافة في بعض حالاتها. ويروي لنا المواطن «ما غيره» أنه في إحدى المرات شاء أحد أفراد الأمن أن يمازح مواطناً على طريقة «الكاميرا الخفية» فأوقفه بمشهدية مسرحية جاعلاً وجهه إلى الحائط والصراخ عليه كمن ضبط بجرم كبير، فأرعبه وأرعب جميع الموجودين، قبل أن يكتشف الجميع أنها مجرد مزحة سمجة من «الحجم الثقيل» من رجل أمن من «الحجم الخفيف»؟
ويتابع المواطن: من الطابق الأول من الوزارة المكتظ «بعجقة» موظفين «كلن ما خصّن، منكفي إلى باقي الطوابق، وأول ما بيطلع قدامك مجموعة من أصحاب الكروش منتشرين داخل القاعات وأمام أبواب المسؤولين، لا نعرف ما هو دورهم بالضبط»؟ القدير وحده يعلم، لكنّ الأكيد أنّ وجودهم يثير الرعب والسخرية معاً. ينهر هذا «المكرش» المواطنين ويزجرهم على هواه، وكأنك في حضرة سلطان آخر زمان الدخول والخروج من عند «المعلم» بإذنه، أما الطامة الكبرى فعندما تبدأ حفلة المباهاة في ما بينهم «أي أصحاب الكروش» بلهجة سمجة «تقيلة الدم» تتمنى عندها لو أنّ كافة حواسك تتعطل قبل أن يضربك «فالج» بالضربة القاضية. دعنا منهم… يقول المواطن ونكمل قصتنا في دوامة الدوران على المكاتب من أجل استكمال معاملة شراء دواء لمريضه القابع في أحد المستشفيات وعلى ذويه تأمين الدواء الذي يحتاجه، لأنّ المستشفى غير معنية بتأمين الدواء للمريض المفترض أنه يتلقى العلاج فيها. ومن أجل إتمام كافة معاملات الطلب عليه مراجعة الوزارة لأكثر من مرة، وتبدأ الرواية: في المرة الأولى عليه أن يمرّ باللجنة الطبية لتوصيف الحالة الصحية للمريض والموافقة على الدواء الذي وصفه الطبيب له، ومرة أخرى لتقديم الطلب الذي وافقت عليه اللجنة الطبية إلى قسم السكرتاريا، ومرة لاستلام الموافقة، في حال تمّت، ومرة جديدة لنقلها إلى مكتب المدير العام لتأكيد الموافقة، ومرة أيضاً ليسلّمها إلى مسؤول مكتب شراء الدواء الذي، يرسلها، بدوره، بمواعيد لاحقة إلى وزارة المالية الجهة المخولة بصرف ثمن الدواء ، في مدة تتراوح بين الشهر وأكثر، مع احتمال عدم إمكانية الصرف طبعاً المريض هنا في حالة الانتظار كلّ هذه المدة هذا في حال أسعفه الحظ ولم يمُت . وبين كلّ هذه المرات، هناك مرات بينها، ليتفقد إذا كانت الأوراق قد أعيدت من وزارة المالية إلى وزارة الصحة دوختكن ما هيك مع احتمال غياب الموظف المخول تسليمك إياها عن مكتبه، أو وجوده في إجازة، وفي هذا الحال ليس عليك سوى العودة من جديد، أو انتظار انتهاء «صبحيته» مع زميل له في إحدى طبقات المبنى الأربع، أو من حفل عيد ميلاد أحد موظفي الوزارة شاء زملاؤه الاحتفال بمولده خلال «نص دين الدوام» ومن المسلم به أنّ المواطن لا يتجرأ على السؤال أو الاستهجان، خاصة إذا كان مريضاً «دوّيم» وتقتضي مصلحته مسايرة الموظف خوفاً من انتقامه .
ثم تبدأ دوامة أخرى من مطاردة المعاملة إياها، بعد أن يكون المريض قد انتظر ما يقارب الشهر أو أكثر في أغلب الأحيان لموافقة وزارة المالية على شراء الدواء، مع المراجعة الأسبوعية لسيادة الموظف المعني لسؤاله عن المعاملة «يلي دوختكن وراها».
«خلاصة الكلام» وليس «خلاصة الدوران»، «ما بتطلع الموافقة إلا بطلوع الروح» وبعد أن تدوخ وراها السبع الدوخات، وفوراً يتوجّه هذا المواطن المسكين فرحاً إلى مركز توزيع أدوية الأمراض المستعصية في منطقة الكرنتينا…
سمعتو وين؟ «الكرنتينا». نعم نحن نتسلّم أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة بالقرب من جبل النفايات السيّئ الذكر «ما غيرو»…
يعني بعد كلّ هذا الدوران، وإذا كان المريض «المنحوس» هو مَن يُحضر دواءه شخصياً… العوض بسلامتكن…