جلول: أنظمة الخليج تابعة ومحمية من الغرب ولا يمكنها مشاركته في القرار

حاورته روزانا رمّال

رأى الخبير في الشؤون الفرنسية فيصل جلول «أنّ دولاً مثل فرنسا مشاركة في أعمال إرهابية تفوق حجم ضحايا منظمات تتهمها فرنسا بالإرهاب»، مشيراً إلى «أنّ هناك مصلحة غربية كبيرة بوجود «إسرائيل»، واليهود لديهم مصالح كبيرة في سياق الاندماج الاستراتيجي بينهم وبين الغرب والمسيحيين».

وتطرق جلول إلى الانقسام الفرنسي حول قضايا الشرق الأوسط، لافتاً إلى أنّ «الفرنسيين لا يخوضون معركة في ما بينهم لمصلحة العرب، بل حول كيف يحققون مصالحهم»، مضيفاً: «يمكن أن تلتقي مصالحهم مع مصالحنا في بعض القضايا لكن ليس في العلاقة مع «إسرائيل»».

وإذ أشار جلول إلى «وجود فجوة ديمغرافية لدى الغرب، ما يشكل خطراً على فرنسا ويجعلها في حاجة إلى ردم هذه الفجوة عبر الهجرة»، شدّد على «أنّ نفوذ الدولة الفرنسية ضعيف جداً لأسباب اقتصادية وسياسية وعسكرية». ولفت إلى «أن أنظمة الخليج تابعة ومحمية من أميركا وأوروبا ولا يمكنها مشاركة الغرب في القرار»، مؤكداً: «أنّ الفرنسيين لم يسحبوا نفوذهم في لبنان بل هم موجودون ويقررون جزئياً في رئاسة الجمهورية».

وأشار جلول إلى «أنّ الأميركيين أعطوا الاستخبارات السورية بواسطة الألمان خريطة عبر الأقمار الاصطناعية عن مواقع «داعش» الأساسية والجيش السوري قام بضربها»، لافتاً إلى «أنّ الفرنسيين يختلفون مع سورية في موقعها في محور المقاومة والممانعة».

الرأي العام والحكومة

وعن نظرة الشعب الفرنسي إلى الإرهاب، وما إذا كان ينظر إلى حكومته على أنها مقصرة في سياستها تجاه الشرق الأوسط، أشار جلول إلى «أنّ الإرهاب هو وصف يطلقه الفرنسيون والغربيون عادة على أعدائهم ويمكن لهذا الوصف الذي يشوّه صورة الأعداء أن يساهم في تعبئة الرأي العام، لكننا نجد أنّ دولاً مثل فرنسا مشاركة في أعمال إرهابية لا تقاس بحجم ضحايا منظمات تتهمها فرنسا بالإرهاب، مثل مقتل 10 آلاف شخص في البوسنة والهرسك في معركة واحدة في وجود القوات الفرنسية التي لم تحرك ساكناً». وسأل: «أليس هذا تواطؤاً مع الذين مارسوا الإرهاب»؟

واستشهد جلول بقول رئيس الوزراء الفرنسي السابق آلان جوسبين عام 2000 بـ «أنّ قتل حزب الله لجنود إسرائيليين هو إرهاب»، معتبراً أنّ جوسبين «استخدم هذا الوصف حينها لتشنيع المقاومة التي تحرر وتدافع عن بلدها». وأضاف: «هم يصنّفون «داعش» إرهابيين وهم خصومهم وخصوم غيرهم، وهل حزب الله مثل داعش؟ كلا لأنّ حزب الله حركة مقاومة، وفي المقابل فإنّ «داعش» حركة إرهابية تقتل وتذبح في الشوارع، بينما يقاتل حزب الله ضمن ضوابط وقواعد شرعية، ورغم ذلك وبما أنّ القانون الفرنسي يصنف حماس وحزب الله كحركات إرهابية، فإنّ الرأي العام يلتزم بتصنيف وقانون دولته».

وسأل جلول: «لماذا لم يكن للمقاومة العراقية صوت لدى الرأي العام الفرنسي خلال الاحتلال الأميركي للعراق، على رغم أنّ فرنسا اعتبرت حينها أنّ الوجود الأميركي في العراق هو احتلال»؟

وحول تفاعل النسيج السياسي الفرنسي تجاه قضايا الشرق الأوسط ، أوضح جلول «أنّ هناك افتراضاً لدى الكثير من اللبنانيين والعرب أنّ بلداً مثل فرنسا يمكن أن تتشكل فيه تيارات مخالفة جذرياً للسياسة الخارجية الرسمية، لكنّ هذا الأمر ليس صحيحاً».

فرنسا والمصالح «الإسرائيلية»

وعن الالتزام الفرنسي بأمن ومصالح «إسرائيل»، قال: «نحن نفترض أنّ اليهود في الغرب شيء والغرب شيء آخر، وهذا الاعتقاد ناتج من صراع أوروبا ضدّ السامية أي بما أنّ أوروبا لديها موروث تاريخي معادٍ للسامية يعني أنّ اليهود شيء والغرب شيء آخر وهذا غير صحيح»، مضيفاً: «هذا كان موجوداً في وقت معين وليس لأنّ الأوروبيين يحبون العرب بل هذا كان موجوداً في سياق مجتمعاتهم وتاريخهم حتى جاء وقت ولم يعد هذا موجوداً وأعطي اليهود فرصة للاندماج الكامل في المجتمع الأوروبي».

وأوضح جلول «أنّ العنصرية الأوروبية تجاه اليهود والعرب والمسلمين موجودة، لكن عندما يصبح العرب في مواجهة أوروبا يتحالف الأوروبيون مع اليهود ضدّ العرب، وعندما تمّ وضع الدستور الأوروبي، وضعت في مقدمته جملة شهيرة مفادها أنّ الحضارة الأوروبية جذرها يهودي – مسيحي، والآن في ثقافتهم السياسية هذا شيء بديهي أي جذر الحضارة الأوروبية». وأضاف: «يجب ألاّ نميز بين اليهود و«إسرائيل» في الغرب، وقبل حوالي 3 أسابيع قال أحد قادة اليمين المتطرف في فرنسا ينتمي إلى حزب جون ماري لوبان تعليقاً على حرب غزة، إنّ «إسرائيل» هي عنصر من عناصر الدفاع الأساسي عن الغرب».

«إسرائيل» مصلحة غربية

وفي الشأن المتعلق بنفوذ اللوبي اليهودي في فرنسا، كما هو الحال في أميركا، وما إذا كانت هناك مفاصل حكم يسيطر عليها اللوبي الصهيوني في فرنسا قال جلول: «إنّ الحديث عن سيطرة اليهود على الغرب هو حديث موروث من العداء للسامية وليس من العر ، واليهود فئة نخبوية في فرنسا ولديهم مواقع مهمة، وهناك جزء منهم يكنّ العداء «لإسرائيل»». وزاد: «على رغم أنّ اليهود يملكون مواقع مهمة في الغرب ولكنهم في بعض الأحيان لا ينجحون في إدارة هذه المواقع، وهناك اعتقاد بأنّ اليهود يسيطرون على الغربيين وهذا اعتقاد ساذج، بل هناك مصلحة غربية كبيرة بوجود «إسرائيل» وهم خلقوها ودعموها». وقال: «على رغم أنّ رؤوس الأموال اليهودية هي في الأسواق الغربية، لكن ليس لها تأثير كبير في مركز القرار في فرنسا»، مضيفاً: «يجب أن نحدد علاقة الغرب «بإسرائيل» من واقع تحالفهم الاستراتيجي وواقع المصلحة وليس عبر ما يأتينا من هنا وهناك».

بلاد الديمقراطيات جاءت «بإسرائيل»

وحول موقف الرأي العام الفرنسي من «إسرائيل» لا سيما تجاه اعتداءاتها على الفلسطينيين وعدوانها الأخير على غزة، أوضح جلول: «أنّ التململ الغربي من «إسرائيل» جاء في سياق الضغط للتخفيف من حجم المجازر وليس وقفها والتخفيف من انتهاك قوانين الحرب، وهذا نفاق كبير يجب ألا يمر علينا، لكنْ، بالتأكيد هناك حقوقيون ومثقفون كبار لا يرضون بذلك»، لافتاً إلى «أنّ بلاد الديمقراطيات هي التي جاءت «بإسرائيل» وهي التي تدعمها لكي تحتل بلادنا».

إنقسام فرنسا حول مصالحها

وفي الشأن المتعلق بالسياسة الفرنسية حيال قضايا الشرق الأوسط، أشار جلول إلى أنّ «هناك تقليداً في الخارجية الفرنسية تجاه الشرق الأوسط وهناك مجموعة خبراء وديبلوماسيين يشكلون قطباً يقود ما يعرف بسياسة فرنسا العربية، وفي المقابل هناك من لا يؤمن بوجود سياسية عربية لفرنسا». وقال: «يمكن أن يحصل خلاف حول موضوع ما، مثلاً هل تتحقق المصالح الفرنسية عبر إقامة علاقات وثيقة مع العرب أكثر عبر مجابهة النظام السوري أو حزب الله؟ ولكن لا أحد منهم يخوض معركة ضدّ الآخر لمصلحة العرب، بل هم يختلفون حول كيف يحققون مصالحهم، ويمكن أن تلتقي مصالحهم مع مصالحنا في بعص القضايا لكن ليس في العلاقة مع «إسرائيل»».

فرنسا والأزمة السورية

وعن الاختلاف في وجهات النظر من الأزمة السورية بين الإيليزيه والاستخبارات الفرنسية ووزارة الخارجية، اعتبر جلول: «أنّ الفرنسيين هم على عداء تام مع النظام السوري، وقد قال الرئيس فرنسوا هولاند: لست مجبراً على الاختيار بين نظام الأسد وداعش».

وأضاف جلول: «صحيح أنّ هناك اتصالات بين الاستخبارات الفرنسية والسورية ولكن في إطار تقني، والسورييون يطالبون بتحويل هذه الاتصالات من تقنية إلى سياسية ورسمية وحتى الآن لم ينجحوا».

فرنسا ومسيحيو الشرق

وحول موقف فرنسا من حملات العنف والتهجير التي تحصل ضدّ المسيحيين في الشرق، عاد جلول بالذاكرة إلى مرحلة السلطنة العثمانية، وتحديداً إلى المرحلة التي حصل فيها اتفاق بين المسيحيين والسلطنة العثمانية على رعاية فرنسا لمصالح المسيحيين في الإمبراطورية العثمانية، وقال: «كان هناك نوع من التمييز بين المسلمين والمسيحيين، وكي تلعب فرنسا دوراً في هذه المنطقة رعت مصالح المسيحيين في الشرق. والمسيحيون استفادوا من هذه الرعاية إلى حدّ كبير ومن هنا جاءت تسمية الأم الحنون فرنسا للمسيحيين».

ورداً على سؤال عن إعلان فرنسا عن استعدادها لاستقبال مسيحيي الشرق على أراضيها بدل الدفاع عنهم، قال جلول: «إذا كان مسيحيو الشرق مع الغرب مثل جعجع لا مشكلة، وإذا كانوا ضدّ الغرب يرفعون أيديهم عنهم، وإذا هاجمهم «داعش» يقولون لهم خجلاً سافروا إلى فرنسا، فهناك فجوة ديمغرافية في الغرب وهذا يشكل خطراً على فرنسا ويجعلها في حاجة إلى ردم هذه الفجوة عبر الهجرة. والمهاجرون في فرنسا لهم دور مهم في مجالات عدة، وأفضل أنواع المهاجرين هم من مسيحيي المشرق، لكنّ هؤلاء المهاجرين يحملون حقداً على العرب والمسلمين، وفي المستقبل إذا استلموا مناصب في الدولة الفرنسية يتذكرون أنهم هاجروا من بلد مشرقي واستقبلتهم فرنسا».

تراجع الدور الفرنسي

وعن موقع ودور فرنسا اليوم على الساحة الدولية، وما إذا كانت قد تحولت إلى تابع لأميركا حتى في مجلس الأمن، قال جلول: «هناك تراتبية في القوة في دول الغرب، وأميركا هي الأقوى وإلى جانبها فرنسا وبريطانيا، وقد ضعف نفوذ الدولة الفرنسية كثيراً، والأسباب عديدة، منها ضعف الاقتصاد وخسارتها إمبراطوريتها في العالم، حيث كانت تملك مناطق نفوذ تأتي لها بثروات هائلة. ولاحقاً حصل تنافس عليها من قبل أميركا، كما أنّ الألمان تقدموا على حساب فرنسا التي دخلت في الاتحاد الأوروبي لتشارك مع القوى الكبرى في الحفاظ على نفوذها، بعد أن ضعفت ديمغرافياً وعسكرياً بعد أن تمّ تخفيض موازنة الحرب إلى حدّ أنّ أي حرب تخوضها يجب أن تعتمد على أميركا وعلى البنى التحتية الأميركية، إضافة إلى تقدم الروس والأميركيين». وأضاف: «إنّ فرنسا لم تخسر قوتها الآن لكنّ تراكم الخسائر وضرب النظام الدولي، أي نظام الإمبراطوريات والذي كانت فرنسا وبريطانيا جزءاً أساسياً منه، بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، أدى إلى إضعافها وجاء نظام الحرب الباردة نظام القطبين وفي هذا النظام ضعف موقف فرنسا وحاولت اللعب مع الطرفين لكن ذلك لم يعطها وزناً إضافياً، وفي نظام القطب الأوحد «أكل الأميركيون الجبنة وأعطوا الفرنسيين الفتات».

فرنسا والخليج

أما بالنسبة إلى النفوذ الخليجي في فرنسا لا سيما شراء قطر مؤسسات كبيرة فيها، قال: «هناك تضخيم للاستثمارات القطرية التي تقدر بـ 20 مليار دولار في مقابل 3000 مليار يورو موازنة فرنسا، ما يعني أنّ هذا الكلام لا قيمة سياسية له، بل هو مجرد كلام عنصري من أشخاص لا يحبون العرب لا في الداخل ولا في الخارج».

وعن موقع ومكانة لبنان بالنسبة إلى فرنسا اليوم ونفوذها فيه قال جلول: «هناك قوى عدة في لبنان وليست هناك سياسة خارجية موحّدة للطلب من أوروبا اعتمادها حيال لبنان، ولكنّ فرنسا تميل إلى فريق 14 آذار وما زالت وستبقى، وفي الوقت نفسه لن يعادوا حزب الله، والسيد حسن نصر الله قال: «إنّ القوات الدولية لها حاضنة شعبية في الجنوب».

لبنان بين فرنسا والخليج

وعن انتقال النفوذ الفرنسي في لبنان إلى الخليج، قال: «إنّ فرنسا عضو في مجلس الأمن وهذه قوة في النظام الدولي والخليج في حاجة إليها ولبنان أيضاً، ودول الخليج أنظمة تابعة لفرنسا ولغيرها ومحمية من أميركا وأوروبا وبالتالي لا يمكنها مشاركة فرنسا في نفوذها في لبنان أو غيره، وعلى رغم أنّ السعودية تملك أكبر قوة نفط في العالم، لكنها ارتضت أن تكون حمايتها، ليس قوتها النفطية، بل القواعد العسكرية الأميركية وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدول الخليجية الأخرى، وعندما تكون عناصر القوة من الخارج لا يمكن القول إنهم شركاء لفرنسا في لبنان أو أي مكان آخر».

وتطرق جلول إلى هبة الـ 3 مليارات دولار من السعودية إلى لبنان وتكليف فرنسا بعقد صفقة السلاح مع لبنان، مشيراً إلى أنّ «الفرنسيين لديهم سلطة ثقافية على لبنان لا يمكن تجييرها للسعوديين، ومنطقة الشرق الأوسط لم تعد منطقة ذات أهمية بالنسبة إلى الأميركيين، والدول التي كان في ذهنها أنها محمية من دولة أخرى، تبحث عن دولة أخرى تحيمها»، مضيفاً: «أنّ السعودية تقف إلى جانب فريق 14 آذار وعندما يريد لبنان إجراء صفقة سلاح من الطبيعي أن يستعينوا بالفرنسيين وليس بالأميركيين أو الروس».

وفي شأن الاستحقاق الرئاسي، أكد جلول: «أنّ الفرنسيين لم يسحبوا نفوذهم في لبنان، بل هم موجودون ويقررون جزئياً في رئاسة الجمهورية». وسأل: «من قرر الحرب على سورية من لبنان في العام 2004؟ طبعاً الفرنسيون بعد أن اتفقوا مع الأميركيين وأخرجوا سورية من لبنان واستدرجوا الأميركيين والأطلسي لشنّ حرب على ليبيا، وفي لبنان لا يستطيعون فرض رئيس للجمهورية وحدهم، بل أميركا هي التي تأتي برئيس في لبنان».

فرنسا ومكافحة الإرهاب

وعن الدور الفرنسي في مكافحة الإرهاب، لفت جلول إلى «أنّ الأميركيين أعطوا الاستخبارات السورية بواسطة الألمان خريطة عبر الأقمار الإصطناعية عن مواقع «داعش» الأساسية والجيش السوري قام بضربها، لكنّ هذا لم يتطور إلى تحالف أميركي – سعودي أو تعويم للنظام السوري لأنهم يختلفون مع سورية في موقعها في محور المقاومة والممانعة، وإذا قال لهم الرئيس الأسد أنا خارج هذا المحور تعود الاتصالات والعلاقات معه»، مشيراً إلى «أنّ فرنسا ليست لديها القدرة على خوض معركة الإرهاب كما تخوضها أميركا وليست لديها المعلومات، إضافة إلى أنّ وجودها على الأرض ضعيف، ولكنّ موقفها جيد في عدم السماح بتطور الوضع الأمني في لبنان إلى الأسوأ».

يبثّ هذا الحوار كاملاً اليوم الساعة الخامسة عصراً على قناة «توب نيوز» تردد 12036

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى