أميركا تفرض بيئة حاضنة لداعش وروسيا تنتظر…!
جهاد أيوب
لم يعد خافياً على أحد، لصديقها قبل عدوها، أنّ أميركا تعمل وبتآمر على تبرير وجود «داعش» في المنطقة، وتسعى بجدية لتأمين بيئة حاضنة له في سورية والعراق، ولهذا الغرض فرضت إرسال مجموعة من ضباط وعناصر إماراتيين وسعوديين يقومون اليوم بدفع الأموال لمواطنين سوريين في مناطق تواجد «داعش» الإرهابي شمال سورية.
وضرباتها العسكرية ضدّ الجيش السوري لم تكن مصادفة، بل هي ضمن سياق إنشاء مساحة ليتحرك فيها «داعش» بحرية، ولزعزعة ما تبقى من كيان سوري وأمن عراقي، والخدعة الأخيرة التي ترجمت في أسبوع واحد من خلال غارة «إسرائيلية» أولاً ومن ثم الطيران الأميركي بضرب الجيش السوري في دير الزور القريب من الحدود العراقية غايته منع وصول الجيس السوري والعراقي والحلفاء براً، وتحديداً في منطقة الحسكة الأهمّ في لجم «داعش» الاميركي، وتشجع أميركا وتسلح المجموعات الإرهابية من أجل السيطرة على جبل السردي، وإسقاط المطار، والقضاء على قوات الجيش السوري المتواجدة هناك، ومن صدّق وسوّق أنّ أميركا أخطأت بالضربة، ووقعت دون علم الرئيس الاميركي إما هو أحمق في فهم العمل العسكري الأميركي، او يبارك الضربة، ويضلل الناس…
الغارة قرار أميركي بأمر من رئيسها، وكلّ ما يسوّق من وجود خلافات في ما بينهم كذبة كبيرة، وحملات انتخابية، واستغلال لسذاجة الناس والفريق المعادي للمشروع الأميركي!!
الجيش السوري والقوات الصديقة معه قبل الغارة الأميركية حققوا الكثير من الإنجازات الميدانية والنجاحات العسكرية، وبفضل هذه المكاسب كان الموقف السوري ثابتاً، وقوّى التحرك الروسي دبلوماسياً، رغم أنّ الروس وحتى البرهة يسعون إلى غرفة عسكرية مشتركة مع اميركا مع انّ الأخيرة ترفض، وتتجاهل الطلب الروسي، وتمرّر خزعبلاتها السياسية بأفعال عسكرية تصدم الخارجية الروسية مهما تحلت هذه الأخيرة بالصبر، وراهنت على الأيام!
روسيا فهمت أنّ الضربة الاميركية هي ضربة مباشرة لها، ومقصودة كي يقف الجميع على الخط الأحمر الذي تصرّ أميركا على رسمه لتأمين حدود مناطق «داعش» في الشمال وليس غيرها، كما انّ روسيا تدرك انّ الضربة ضمن لعبة الرسائل المتبادلة بين الطرفين دون وقوع مواجهة عسكرية مباشرة وستستمرّ كذلك إلى ما بعد الانتخابات الأميركية!
رغم كلّ الخزعبلات في سياسة أميركا مع روسيا لا بدّ من اتفاق أميركي روسي حول سورية مهما تأخر، أميركا اعترفت بالدور الروسي ولو بخفة وبعدم اكتراث، وروسيا لا تتخطى أميركا في شراكة المنطقة وتحديداً في سورية، وأميركا مقتنعة بأنها تحكم العالم بالفكر والفعل العسكري ولا ترجح الخطط المدنية والسياسية أولاً، بل تنفذ مشاريعها العسكرية ومن ثم تفكر في حلّ تعطي الجانب الآخر مساحة ضيقة فيه، بينما روسيا وكلّ من وقف على عداء مع العم سام يستخدم برودة الأعصاب وانّ الزمن قد ينهك اميركا، وقد يكون عيب السياسة الروسية أنها تنظر لأميركا على أنها تحمل البدائل والمشاريع السياسية، وانها لم تعد دولة راعي البقر الكاوبوي، ربما لهذا حصلت روسيا وتحديداً في سورية على اكثر من خديعة أميركية!
بكلّ بساطة ووضوح لا ضرر لأميركا و«إسرائيل» من استمرار الحرب في المنطقة، لا بل أميركا تريد ان تبقى الحرب في سورية مشتعلة وبوتيرة مختلفة، وبذلك تكون قد أنهكت الجيش السوري الوحيد المقاتل لـ«إسرائيل» عربياً، وأشغلت روسيا بجغرافية ضيقة، وصرفت انتباه إيران عن أمور كثيرة في المنطقة، وزاحت قوة المقاومة في لبنان والمتمثلة بمقاومة حزب الله عن تخوم فلسطين، وجعلته يصبّ اهتماماته في الصراعات العربية مع داعش وبالتحديد في سورية والعراق بعيداً عن «إسرائيل»!
هذه معادلة واقعية لم تستوعبها بشكل جدي الخارجية الروسية التي تراهن على الدبلوماسية مع أميركا على عكس إيران وحزب الله وسورية لكونهم يدركون عدم مصداقية أميركا وسعيها لاستمرار الحرب، لذلك حزب الله يشكل في هذه القضية معادلة خطيرة وقوية ونشيطة في استيعاب استراتيجية المواجهة والصمت، ويعلم من خلال دوره كمقاومة وليس جيشاً نظامياً انّ إشعال الجبهة مع «إسرائيل» الخط الفاصل في كلّ المعارك الحالية، ولهذا الغرض أعدّ العدة، وتسلح بأحدث السلاح والخطط العسكرية ليكون رادعاً وحاضراً في أيّ معركة تقوم بها «إسرائيل» بغباء قد تغيّر مجريات الأحداث!
المشكلة الأساسية في الدبلوماسية الروسية أنها مقتنعة بايجابيات الدور الأميركي على عكس شركاء فريقها من إيرانيين وحزب الله والسوريين، ومهما سرّب من انّ روسيا مستاءة من الضربة الأميركية للجيش السوري في دير الزور، وتعتبرها رسالة موجهة لها إلا أنها تنظر للدور الأميركي بجدية المشاركة وليس بأنّ محاورها مخادع يتصرف في النهار عكس كلام ليله… الحسم السريع في ايّ معركة عسكرية او تفاوضية يفرض المكاسب، اما انتظار المراوغة من صاحب المشاريع الواضحة كي يكون طبيعياً حافزاً لتلقي الصفعات المقبلة!