النبراس
عندما سمعت خبر اغتيال الصحافيّ والمفكّر والمقاوِم ناهض حتّر، تبادرت إلى ذهني أمور كثيرة مررنا بها كعرب أو كسوريين من أبناء سورية الكبرى. وأوّل من خطر في بالي، كان أسامة أنور عكاشة ومقاله الذي سبّب أزمة في مصر… «أولاد الزنا». والذي قال فيه إنه «ليس من الصدفة أن يبدأ الصراع في الجاهلية بين أولي الشرف من العرب كبني هاشم ومخزون وزهرة وغيرهم، وبين من اشتُهر بالعهر والزنا مثل بني عبد شمس وسلول وهذيل، وامتدّ هذا الصراع إلى ما بعد دخول كلّ العرب الإسلام». فقد كانت دماء ناهض حتّر اليوم امتداداً لتلك الدماء التي قدّمت في تلك الحرب التي يخوضها أبناء الشرف ضدّ ظلم أبناء زناة تلك الأمة وجورهم.
هل حقاً اغتالوه لأجل الإسلام ودفاعاً عن الله؟ هل يحتاج إليهم الله لينصروه؟ هل هو عاجز فيما هم وحدهم القادرون؟ كما وهم الذين ما زالوا يقتلون فينا لأننا فقط بنظرهم الأعداء المفترضون لإلههم الذي أوكل إليهم الدفاع عنه ومحاربة أعدائه والقضاء عليهم؟
لم يكن ناهض حتّر ضحيتهم الأولى ولا الأخيرة، يوم قتلوا الأنبياء وقتلوا الصالحين، وقتلوا الأوطان وجاؤونا بربيع كاذب وهُم يدافعون عن «ربّ أمة اذبح بِاسم ربك الأعلى»، ما زالت تذبح فينا وتهدر دماءنا وتسلّمنا لقمة سائغة لزناة الأرض وأقذرهم. لقمة سائغة في فم الدول الكبرى تمتصّ مقدراتنا وخيراتنا وتجعلنا نعاني الفقر والتهجير والعيش في مخيّمات الذلّ والنزوح.
أوليست ليبيا مذبوحة كناهض حتّر؟ أليست مصر واليمن وتونس والعراق مذبوحة كناهض حتّر؟ أليست سورية التي كانت قضيته الأولى، والتي دافع عنها واستبسل لأجلها ضدّ رعاع الأرض يحاولون ذبحها منذ ما يزيد عن خمس سنوات، لتمسي يوماً مذبوحة كناهض حتّر؟
هذا الاغتيال اليوم ليس إلا نكسة حقيقية لكلّ مثقّف وصحافيّ وصاحب كلمة حرّة. فاليوم الكلّ مهدّدون بالقتل من قبل هؤلاء، ومهدّدون بالاغتيال رمياً بالرصاص على باب سجن الملك، أو على أيّ شبر من أرضه، أو في أيّ مكان يستطيع الوصول إليه الخليفة. سيقتلون كلّ من يتفوّه بكلمة حق، وكلّ من يحاول الدفاع عن وطنه بالكلمة، وكلّ من يقف ضدّ مخطّطتاهم وربيعهم وملكياتهم وحرّياتهم الخاصة وضدّ مَن يقول لا لفتاويهم التي تحلّل المحرّم وتحرّم الحلال. وكلاء الجنة والنار والآلهة أسياد الحوريات والحرّيات وأصحاب المسموح والممنوع وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لن يُترَك قلم من دون كسره، ولن يُترك مفكّر من دون أن يُطلَق الرصاص على رأسه، ولن تُترك ضفيرة واحدة من دون أن تُقصّ ليرضى الله ويرضى المسلمون.
لمن يريد أن يعرف لماذا حقاً اغتالوا ناهض حتّر، سنقول فقط لإنه هو من كتب هذه المؤلفات يوماً: «دراسات في فلسفة حركة التحرّر الوطني»، «الخاسرون: هل يمكن تغيير شروط اللعبة؟»، «في نقد الليبرالية الجديدة، الليبرالية ضدّ الديمقراطية»، «وقائع الصراع الاجتماعي في الأردن في التسعينات»، «الملك حسين بقلم يساري أردني»، «المقاومة اللبنانية تقرع أبواب التاريخ»، «العراق ومأزق المشروع الإمبراطوري الأميركي»، «حسن نصر الله وقضايا التحرّر الوطني».
لهذا أرادوه ميتاً ولهذا أرادوه شهيداً للحرّية الحمراء. الرحمة لروحك يا ناهض حتّر، ستبقى حياً في قلوبنا وعقولنا ومنارة تهدي الأجيال القادمة التي ستتساءل عمّن كان يقتلنا ويشرّدنا ويبيع أوطاننا للغرباء.
تماضر عبّاس