هؤلاء اغتالوا المناضل ناهض حتّر

اغتيال المناضل والمفكّر ناهض حتّر أمام قصر عدل الأردن، دليل على غياب العدل لدى الزُمر التي نفّذت وحمت وسهّلت وشجّعت وهلّلت لاغتيال كهذا. وليس مهماً من نفّذ في ظلّ السماح للزُمر الظلامية من قبل الأنظمة العربية التابعة للمشروع الأميركي بالتجوّل بحرّية، وبجعلها معارضة وقوات مشروعة حينما تقاتل في سورية ممانعة المشروع الصهيوني، وتعتبرها من خلال كذب إعلامها قوات سلمية جاءت للتغيير وإعادة الحق إلى أصحابه، وبناء شرع الله. وتعمل تلك الانظمة، خصوصاً العربية والتركية والأوروبية، على مساندتها ومساعدتها، وتأمين سبل راحتها، وتكاثر المؤيدين لها من أجل الذهاب للقتال ضدّ مَن يقاتل «إسرائل».

الطريقة التي اغتيل بها المفكّر ناهض حتّر، تتويج لنجاح منهج محاولات الاغتيالات السابقة. ونذكر هنا فرج فودة، ونجيب محفوظ، ونصر حمد أبو زيد، والعلامة سعيد البوطي، وفي الجزائر قتل أكثر من 120 كاتباً ومثقفاً، واغتيال اليوم أكبر من مجرد حدث في خبر ستتناقله وسائل الإعلام والسلام. إنّه رسائل عدّة غاية في الخطورة، أهمها في رمزية الاغتيال على عتبة قصر العدل، وهذا الاختيار ليس صدفة بل هو القصد بعينه، ومنه ستصل رسالة مضمونها ان لا عدل غير العدل الإرهابيّ «الداعشيّ» الذي تدعمه أميركا بالمال والسلاح، وتتبنّاه أنظمة عربية ترعاه وتطعمه حتى يكبر. وأيضا رسالة مفادها أن الأردن دخل صورة ساحة الجهاد الإرهابي الذي على ما يبدو يجد مساحة فيه ليسيطر ويتحرّك لإبعاد العقلانيين هناك.

إنّ الفكر الظلاميّ «الداعشيّ» الذي يتحرّك تحت لواء الإسلام والجماعة والسنّة كما يدّعي، هو ربيب المشروع الأميركي الذي منحه سلطة إلغاء الآخر في بلادنا، وأن لا حرّية للرأي الآخر، ولا مجال لاستخدام الفكر، ولن يسمح لحركة الحياة أن تكون طبيعية من دون بركات تخلّفهم. يريدون لإنسان هذه البلاد أن يعيش الجمود الفكري، فقط يُسمح بالجنس الماجن الشاذ، والتكاثر والأكل والتصفيق.

اغتيال المفكّر حتّر ليس الأخير، بل سنشهد اغتيالات مقبلة لأننا نعيش في بيئة تصنعها أنظمة ظرفية تابعةa للمشروع الأميركي، وكلّ الدول التي تدّعي إسلامها السياسي، ومتصالحة، وتسير في فلك المشروع الأميركي ـ «الإسرائيلي» هي ظلامية المنهج والفعل والقرار حتى لو سمحت بالرقص الرخيص، والفنّ الساذج، والحرّية المفرطة، والكتب الفارغة تحت كذبة الحرّية، وحبّ الحياة، وأنا أوّلاً.

من هنا، لا بدّ من نهضة جديدة للمثقف أو ما تبقى من مثقف عربي، حتى لا يبقى من شهود الزور على كلّ ما يحصل من تردٍّ اجتماعيّ فكريّ عربيّ. للأسف، النخب العربية منقسمة على ذاتها، ومنها من انغمس في السلطة التي أفرزت الإرهاب حتى التخمة، وأصبح من أبواقها الأشرار و«دواعشها» الأخيار مع ربطة عنق وأناقة باريسية. وآخر يهرول مقلّداً مَن سبقه إلى سلطة الفضائيات والفنادق الفخمة، بحجّة أنه أُنهِك من استمرار بحثه عن رغيف الخبز والدواء، ومصاريف المدارس.

نعم، سيكتفي إعلامنا وما تبقى من صوت للمثقّف بالاستنكار، ثمّ انتظار التالي، ولن نجد تداعيات مؤثرة للحادث في ظلّ إعلام أنظمة تباركه، وتغتال كلّ من يقرأ ويفكّر ويستخدم رأيه وحرّيته وضميره، وموقفه الإنساني، وتشوّه وتقتله وتكذّبه وتلغيه.

النخب الثقافية المرتزقة التي تقف إلى جانب أنظمة تدعم «داعش» اغتالت حتّر، المناهج الدراسية الحالية اغتالت حتّر، الفنّ الماجن والسطحيّ المشروع من أنظمة المال «الداعشي» اغتال حتّر، القنوات المتديّنة الطائفية ومن يدّعي معرفة في الدين المصنّع اغتالت حتّر.

وحتى لا تعاد التجربة الإرهابية هذه، لا بدّ من إعادة النظر في تكوين النخب الثقافية، خصوصاً المنتمية إلى مشروع الإنسان والمقاومة، تغيير مناهجنا التربوية والبحث عن فكر مدنيّ إنسانيّ شامل، زرع ثقافة الاعتراف بالآخر، إعادة تشكيل لجان مراقبة للفنّ والثقافة من كلمات الأغاني، وكتابة سينما وتلفزيون ومسرح لأن الكلمة هي الأساس. وهنا لا نقصد التدخّل بالفكر والمعالجة بل بعدم السماح للسطحية والسذاجة والسخافة حتى لا يتخدّر من يسمع ويقرأ، وتعليمنا قولاً وعملاً أن الحرّية المطلقة ديكتاتورية إذا ما لم تحترم حرّية الآخر، خصوصاً في الدين والأحزاب.

اغتيال المفكّر ناهض حتّر رئيس كتّاب الأردن، الذي قد تتفق معه أو تعارضه الرأي، والذي التقيت به في بيروت منذ سنة ولمرّة يتيمة، ووجدته ثائراً، خفيف الظلّ، صاحب نكتة، طيّب البسمة والروح، ضدّ وجود «إسرائيل»، ومقاتلاً شرساً للمشروع الأميركي، ومحارباً للتخلّف والتعصّب الدينيين، والقوى التكفيرية الإرهابية الظلامية «الداعشية»، والساخر الدائم من أكذوبة «الربيع العربي»، هذا الاغتيال ليس لشخصه، بل للفكر الحرّ المنتمي إلى أرض لها علينا الكثير. إنه اغتيال لفكرة أن نسعى لنكون بشراً نحترم عقولنا، اغتيال كلّ من يقول لا لمشاريع أميركا وأنظمة عربية وظائفية. ومع ذلك كشف هذا الاغتيال هشاشة أمن المثقف المنتمي إلى جبهة الممانعة لكونه يعيش غربة الحضن اأمني المنتمي إليه، وغربة التواصل، وغربة الحماية، وغربة ما يعانية من أوجاع في زمن كلّ يغنّي على ثقافة.

جهاد أيوب

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى