أوكرانيا: مَن الرابح حتى الآن؟
حميدي العبدالله
منذ انفجار الأزمة الأوكرانية في مطلع هذا العام، وتحوّلها إلى أزمة بين روسيا من جهة، والحكومات الغربية من جهة أخرى، تبارى المحلّلون والخبراء والاختصاصيّون في رصد الآثار المترتبة على هذه الأزمة، وعلى آثار العقوبات المتبادلة بين روسيا والحكومات الغربية.
الوضع الآن وبعد مرور أكثر من ستة أشهر على اندلاع الأزمة يتيح فرصة للإجابة على السؤال مَن الرابح حتى الآن، وإنْ كان معنى الربح هنا نسبي أكثر ما هو ربح مطلق أوصاف.
لا شك أنّ روسيا هي الرابح أكثر من الحكومات الغربية، وأكثر من حكومة كييف التي دبّرت الانقلاب على الرئيس الأوكراني السابق يانكوفيتش. هذا الاستنتاج لا يستند إلى ادّعاءات أو انحياز وتعاطف مع الجانب الروسي، بل يستند إلى وقائع موضوعية صلبة لا يمكن دحضها، ومن أبرز هذه الوقائع:
أولاً، اقتطعت روسيا جزيرة القرم بما تمثله من موقع استراتيجي، وضمّتها بصورة نهائية إلى الفيدرالية الروسية، وهذا يعني بوضوح خسارة الدولة الأوكرانية لجزء هام واستراتيجي من كيان الدولة الأوكرانية الذي تأسّس بعد الانفصال عن الاتحاد السوفياتي. وهذه خسارة لا تعوّضها العقوبات التي فرضتها الحكومات الغربية على بعض الشخصيات الروسية، ولا تعادلها هذه العقوبات على أيّ نحو كان.
ثانياً، خرجت المقاطعات الشرقية والجنوبية عن سيطرة الحكومة المركزية في كييف، وعلى الرغم من الحرب التي يشنّها الجيش الأوكراني على هذه المقاطعات، إلا أنه من غير المرجّح أن تؤدّي هذه الحرب إلى فرض سيطرة كييف على هذه المقاطعات، بل إنّ الحرب تحوّلت إلى حرب استنزاف مكلفة لحكومة كييف سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وبدلاً من أن تكون هذه الحرب عملية استنـزاف لروسيا تحوّلت إلى استنزاف لأوكرانيا ذاتها.
ثالثاً، العقوبات المتبادلة بين روسيا والغرب كان أثرها متعادلاً على الطرفين، ويصعب على أي طرف الادعاء أنه خرج من هذه العقوبات أقوى، وألحق الأذى بالطرف الآخر. فالعقوبات أدت إلى تراجع الاستثمارات الغربية في روسيا ولكن أيضاً خسرت المؤسسات الغربية الأرباح التي كان يمكن أن تجنيها من وراء هذه الاستثمارات في روسيا، والروبل الروسي تراجع تحت تأثير العقوبات، وهذا مؤشر سلبي بكل تأكيد وهو ثمرة العقوبات المفروضة على روسيا، لكن في المقابل، تباطأ نمو الاقتصاد الألماني تحت تأثير العقوبات، ومعروف أن الاقتصاد الألماني هو قاطرة الاقتصاد الأوروبي، وبالتالي تأثر الاقتصاد الأوروبي سلباً، وقد خفض صندوق النقد الدولي مرتين توقعاته لمعدلات نمو الاقتصاد العالمي نتيجة لاندلاع الأزمة الأوكرانية.
هكذا فإن جميع المؤشرات تؤكد أن الكفة الراجحة لمصلحة روسيا أكثر مما هي في مصلحة الحكومات الغربية وسلطة كييف.