خيارات الأطلسي في أوكرانيا
عامر نعيم الياس
بدأت قمة حلف شمال الأطلسي أعمالها في المملكة المتحدة في الرابع من الشهر الحالي، وسط ملفات ضاغطة على الصعيدين الأوروبي والدولي، تأتي في مقدّمها الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق وسورية»، والأزمة الأوكرانية في ضوء التقدّم المفاجئ الذي حقّقته قوات الدفاع الشعبي في أوكرانيا ضدّ القوات الحكومية المدعومة من الأطلسي وواشنطن، والذي دفع الغرب إلى اتخاذ خطوات تصعيدية تجلّت برفض فرنسا تسليم موسكو الدفعة الأولى من صفقة الميسترال، مع أن باريس أصرّت على تحييد هذه الصفقة من ملفّ العقوبات الأوروبية، واتخاذ المفوضية الأوروبية قراراً بفرض سلسلة جديدة من العقوبات على موسكو، التي أجمعت أوروبا على اتهامها بالتدخل العسكري المباشر في أوكرانيا تبريراً للانقلاب الدراماتيكي في المعارك الدائرة في شرق أوكرانيا لمصلحة القوات الموالية لروسيا. فما هي خيارات الأطلسي في أوكرانيا؟ هل يتدخل بشكل مباشر؟ أم أنّ الحرب لا تزال تحت سقف المناورات السياسية التكتيكية لقطبي الأزمة؟
لا شيء يلزم الأطلسي على التدخل في أوكرانيا. فهي ليست عضواً فيه، هنا نقطة الصِّدام الرئيسية التي من الممكن أن تُخرج الأمور عن نطاق السيطرة، وتدفع موسكو إلى التدخل المباشر الفعلي والملموس. ومن دونها لا يعدو الأمر عن كونه معركة لكسب جولة بالنقاط ليس إلّا. فالخطوة التي من شأنها أن تطوّر الأزمة إلى الحدود المقلقة، تتمثّل في ضمّ أوكرانيا إلى حلف الأطلسي، وهذا أمر تحاول القيادات الأطلسية تلافيه حتى هذه اللحظة، ما يجعل خيارات الأطلسي تدور حول التالي:
الدعم اللوجيستي للقوات الأوكرانية من دون التدخل العسكري المباشر على الأرض لدعمها، ومن دون اتخاذ قرار علنيّ بتسليح الجيش الأوكراني. وفي هذا السياق تقول صحيفة «لوموند» الفرنسية: «تنحصر خيارات الأطلسي بتقديم الدعم اللوجيستي للجيش الأوكراني على صعد التسليح والحرب الإلكترونية والسايبرية، والقيادة ومداواة الجرحى، لكن لم يتم حتى اللحظة تسليم أيّ سلاح للجيش الأوكراني على رغم مطالبة حكومة كييف بذلك».
تعزيز مواقع الأطلسي في أوروبا الشرقية وإعادة الانتشار بما يناسب التطوّرات الجديدة في الوضعية الجيوسياسية لروسيا بعد ضمّها شبه جزيرة القرم، وتأثير ذلك على التوازنات داخل القارة الأوروبية. وهنا نشر كلٌّ من الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة البريطانية بياناً في صحيفتي «نيويورك تايمز» الأميركية و«تايمز» البريطانية طالبا خلاله بوجود دائم لحلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية مدعوماً بقوّة تدخل سريع مؤلفة من أربعة آلاف شخص، وقادرة على التحرك خلال 48 ساعة لمواجهة أيّ اعتداء روسي». فأوكرانيا بالنسبة إلى أوباما وكاميرون هي لحظة اختبار لوحدة الموقف الغربي في مواجهة الاعتداءات الروسيّة.
الواضح أنّ خيارات الأطلسي ليست بالخطورة التي تؤدّي إلى اندلاع مواجهة مباشرة مع موسكو، فالطرفان يحاولان من خلال الأزمة الأوكرانية العودة إلى أوروبا الشرقية. الأول وهو الأطلسي من منظور الحفاظ على المكتسبات التي حقّقها عقب انهيار الاتحاد السوفياتي لجهة تفكيك الفناء الخلفي لروسيا وحصارها داخل حدودها، وهذه الأخيرة تحاول إعادة رسم خريطة نفوذها الحيوي باستعادة المساحات التي فقدتها بعد «كارثة انهيار الاتحاد السوفياتي» بحسب تعبير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه بمناسبة ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا. معطيات تجعل من أوكرانيا ساحة استنزاف متبادل للطرفين في سياق حرب كسر عظم جديدة مرشحة لمزيد من التصعيد في ظل الرفض الغربي المطلق تقاسم النفوذ مع الكرملين في أوكرانيا. ولعلّ في رفض السلطات الأوكرانية مبادرة الرئيس بوتين لحل الأزمة الأوكرانية قبيل قمة الأطلسي، ما يعكس وجود توجّه غربيّ للمضيّ قدماً في إجراءات حصار الدولة الروسية واستنزافها.
كاتب سوري