الخطة ب التركية واقع أم سراب؟
سومر صالح
على شاكلة بائعات الهوى وبنات الليل، يتنقل أردوغان من حضن دولي إلى آخر، غير آبه بمبادئ وأعراف التعامل الدبلوماسي. يستند في تنفيذ مصالحه السياسية وطموحاته «الحيوية»، على براغماتية فجّة، في لحظة استقطاب دوليّ حادّ وفي توقيت إعادة رسم الخرائط الجيوسياسية، في منطقة باتت لا تشبه الماضي القريب بشيء. فمن حضن الولايات المتحدة الدافئ، انطلق مشروع أردوغان بتدمير الدولة السورية، لسنوات خمس. لم يتردد بعدها للحظة، في قضاء ليلة في الحضن الروسي، ليوقف مشروع واشنطن الكردي، في الشمال السوري، ليعود بعدها إلى الحضن الأميركي، بعد أن وعدته الولايات المتحدة بتسهيل مخططه العدواني، في الشمال السوري، لكن، من دون أن ينسى طاغية «العثمانية الجديدة»، أن يغازل روسيا، من الحضن الأميركي، برضا أميركي. لا غرابة في ذلك، فالاثنين من طينة واحدة في السياسية والأخلاق. وبعيداً عن ضجيج الإعلام والتصعيد في السياسة ضدّ موسكو، يجمع أردوغان أوراقه في الشمال السوري، ويعيد إنتاج القديم من أدواته، ويعمل على إنتاج أوراق جديدة لتحقيق حلم عدواني، ظنّ الجميع، بما فيهم أردوغان نفسه، أنه اندثر وتجاوزته الأحداث، لكن، على ما يبدو، نتيجة الاستقطاب الشديد بين روسيا والولايات المتحدة، عادت أوهام أردوغان تثير خياله العدواني، مستغلاً فشل المسعى الأميركي الروسي، في إيجاد صيغة مستقرة لإحياء نظام وقف الأعمال القتالية .
شكلّ تاريخ 24/8/2016 متغيراً مهماً في طبيعة الأزمة السورية، حيث كانت الانطلاقة الفعلية لتركيا، نحو غزوٍ بريٍّ للأرضي السورية، تحت مسمّى «درع الفرات»، بعدما نجح أردوغان في تهيئة مناخات العدوان دولياً. فبعد إظهاره استعداداً للتخلي عن مشروع واشنطن في المنطقة، والاتجاه نحو روسيا، كسب الطرفين المتصارعين معاً، إلى حين، فلا الأميركي مستعد لخسارة التركي ولا الروسي في وارد الاصطدام مع تركيا الأطلسية، لكن، تقتضي الدقة وقبل الغوص في تفنيد الخطوات التركية المقبلة، شرح طبيعة المشروع التركي الجديد، في الشمال السوري، المختلف من حيث الأهداف والشكل، عن مشروع العثمانية الجديدة 2011 ، فما بدأه أردوغان من حرب معلنة ودعم واضح وصارخ للإرهاب في سورية، كان هدفه تدمير الدولة السورية برمتها وإحلال حكومةٍ ونظامٍ سياسي مغاير، يدور في فلكها، بعباءة «الإخوان المسلمين». ولاحقاً، إعادة ترسيم الحدود الشمالية وفق مصالح تركيا «العثمانية». ومعها استماتت تركيا لحماية أدواتها، وطالبت، مراراً وتكراراً، بفرض منطقة حظر جوي ومنطقة آمنة. وتعددت المشاريع آنذاك، لكن، هذه الأهداف تجاوزتها المعطيات الحالية للصراع في سورية وإن كان مشروع أردوغان قد تجدد شكلاً ودخل مرحلة التنفيذ فعلياً، إلا أنّ الأهداف لم تعد كما في الماضي، فلا إسقاط للحكومة السورية على بنك الأهداف التركية، حالياً، بحكم الواقع العسكري السوري، الذي لم يفصح، حتى الآن، عن قدراته الهجومية والدفاعية الكاملة. وكان حدث إسقاط طائرة للعدو الصهيوني 13/9/2016 رسالة إلى أردوغان، كما لنتنياهو. ولا فرض لمنطقة حظر جوي، أيضاً، على بنك الأهداف التركية، لأن الحليف الروسي لن يسمح بها وتحذيرات القيادة السورية، في أذهان الجميع، أن حلب مقبرة أردوغان، إذاً. ما حدود المشروع التركي الجديد في سورية؟
سؤال، في ظلّ المعطيات السابقة، لا يحتمل الكثير من الأجوبة، التي يمكن تلخيصها بثلاثة: الهدف الأول، منع التواصل الجغرافي بين «الكانتونات» الكردية الثلاثة، في الشمال السوري. الهدف الثاني، منع ارتداد الإرهاب، المصدر منها، إلى الأراضي التركية. والهدف الثالث، حجز مقعد ثابت لمصالحها في مستقبل الحل النهائي للازمة السورية، بعد أن كانت المصالح الروسية الأميركية، هي من تحدّد شكل وطبيعة الحل. وبالتالي، أصبح لتركيا رأيٌّ ولو محدود، في شكل التسوية النهائية للأزمة السورية. هذه الإجابات الثلاث، هي من تحدد شكل العدوان التركي ومدته الزمنية ومستقبله، فهل سيكون عدوانا مباشرا سافرا، أم سيبقى عدوان بالإنابة، بأذرع محلية في الشمال السوري؟
حتى الآن، تمّ إتمام مرحلتين من مراحل العدوان التركي على الأراضي السورية، فبعد أن تم دخول جرابلس وتأمينها بعملية استلام وتسليم مفضوحة، مع تنظيم «داعش» والاتجاه منها باتجاه مدينة منبج، لمواجهة التمدد الكردي غرب الفرات، وهو ما انتهى، شكلياً، بإعلان الكرد تمردهم على الولايات المتحدة وعدم العودة إلى غرب الفرات وتم في المرحلة الثانية، التحرك باتجاه مدينة إعزاز وتأمين مسافة 91 كلم من الحدود التركية السورية، بمسافة تقديرية تبلغ 772 كلم مربعا. وصلت، حالياً، إلى أكثر من 845 كلم مربعا وبدأت تركيا الاستعداد لما سمي المرحلة الثالثة من العدوان، باتجاه هدفين بشكل متزامن، هما مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، التي تسيطر عليها «قوات سورية الديموقراطية». وكذلك، التقدم باتجاه مدينة الباب، في ريف حلب الشرقي، التي تسيطر عليها «داعش». وفي سبيل تنفيذ هذه المرحلة، أعدت تركيا خطتين أ و ب ، تنفذ الخطة ب في حال فشل الخطة أ ، كما تقول الحكومة التركية. وفي تفاصيل ما يحدث في الشمال، بدأت تركيا إحياء ما يمسى «الجيش الحر»، ليكون رأس حربة المشروع التركي في الشمال السوري. وتعمل أنقرة، بشكل حثيث، على تجاوز بعض الحساسيات بين الفصائل، خصوصاً الإسلامية منها، مع ميليشيات «الحر»، عبر استحداث تنظيم عسكري جديد بمسمّى «الجيش القومي». وبالتوازي مع هذا المشروع، بدأت أنقرة رعاية حركة اندماج كبيرة، بين بقايا ميليشيات «الجيش الحر» تحت إسم «كتائب الصفوة»، ضمت، حتى الآن، 16 فصيلاً. وتطمح تركيا إلى بلوغ عتبة 15 ألف مقاتل للكيان العسكري الجديد، في الشمال السوري. وبدأت تركيا تجهز المناخ الدولي لمعركة الباب. وفي هذا الإطار، أعلنت أنقرة، من جانب واحد، اتفاق gentlemen s بين روسيا وتركيا، على عدم تنفيذ، أي طرف منهما، عمليات جويّة في المناطق التي يعمل بها الطرف الآخر، في زيارة غيراسيموف، رئيس الأركان الروسية لأنقرة مؤخراً. وتجري الاستعدادات، ميدانياً ولوجستياً، لخوض معركة «الباب» وطرد تنظيم «داعش»، بقوات قوامها ألف و800 مقاتل. فيما يملك «داعش» أربعة آلاف إرهابي في المنطقة. وأمام احتمالات فشل «ميليشيا الحر» في معركة الباب وفي تحقيق مقاصد العدوان التركي، على الأراضي السورية، تذيع أنقرة أن الخطة ب جاهزة، قوامها تدخل بري تركي بما يقارب 41 ألف جندي تركي مدعوم بغطاء جوي من مقاتلات تركية، كقوات تدخل السريع، لترجيح كفة قوات «الحر» وتعديل عدم التوازن، في أعداد المقاتلين، مع «داعش». لكن، أمام معطيات الميدان في حلب، مع بدء تحرير الأحياء الشرقية 19/9/2016 يبدو أن خيار أنقرة بالخطة ب لن يكتب له النجاح، لسببين رئيسيين، الأول: فشل واشنطن في فصل المعارضة عن التنظيمات الإرهابية، خصوصاً في الشمال الحلبي. ومشروع واشنطن ـ أنقرة دمج الفصائل المسلحة والإرهابية بكيان عسكري موحد، يجعل من حلم منطقة حظر الطيران، باعتباره عاملاً لازماً لتنفيذ الخطة ب أمراً مستحيلاً، في ظلّ إصرار روسي على تنفيذ ضربات أحادية ضد التنظيمات الإرهابية، وهو ما حاولت واشنطن تحقيقه عبر «اتفاق جنيف»، لتحديد مناطق عمل الطيران السوري وحتى الروسي. ومع هذا الفشل، ستكون القوات التركية المتقدمة، على خط التماس المباشر مع القوات السورية، مدعومة بخبراء روس وإيرانيين، من جهة، وفي دائرة عمل المقاتلات الروسية، وضمن المدى المجدي لمنظومة أس 400 الروسية، فيما لو أرادت تركيا المقامرة والمغامرة، كما في الماضي، من جهة أخرى. أما السبب الثاني، فهو اتجاه قوات الجيش العربي السوري نحو فتح معركة الباب والتحشيد لها. وبالتالي، أمام هذه الحقائق، سيفهم من تركيا تنفيذها الخطة ب على أنه قرار حرب وهو ما يضع المنطقة، وربما العالم، أمام لحظات صعبة. وأمام هذه الحسابات، من غير المرجح أن تجد تركيا بيئة محفزة لا إقليمياً ولا دولياً، وفي المقدمه حلف شمال الأطلسي، الذي يتجنب التصعيد المباشر مع روسيا، ليبقى الكلام التركي عن خطة ب لا يعدو عن زراعة مثمرة ، جني ثمارها في مواسم جنيف السياسية، لا أكثر.