كرة النصر تتدحرج في الميدان… هل نرى الأسد قريباً في حلب؟
سناء أسعد
صار الحديث عن أيّ حلّ سياسي وعبر أيّ قناة دبلوماسية، ضرباً من الخيال، لا سيما بعد سقوط هدنة أيلول وما جرى في أروقة الأمم المتحدة، من مشادات كلامية بين الجانبين الروسي والأميركي وتحوّل قاعة مجلس الأمن إلى حلبة صراع ومسرح لتوجيه الإتهامات الباطلة لسورية وروسيا، بطرق هستيرية جنونية وبأقسى العبارات معتبرين أنّ موسكو استغلت الهدنة لتحسين مواقع النظام على الأرض، وأنه، لولا مساندة موسكو، لا يمكن للرئيس لأسد أن يحقق أيّ انتصار ميداني، متجاهلين حقيقة وجود قوة عسكرية تقاتل بجانب الأسد على كلّ شبر من الأراضي السورية وهي قوة اسمها الجيش العربي السوري، الذي قهر الصعاب ولم يُقهر، دفاعاً عن قضية المقاومة الحقة.
سامنثا باور، وصفت دعم موسكو للعملية العسكرية في حلب بـ«البربري». وقالت، إنّ روسيا والأسد، يقصفان قافلة المساعدات الإنسانية والمستشفيات. في حين ندّد السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة، فرانسو دولاتر، بجرائم الحرب التي ترتكب في حلب. ودعت فرنسا، مجلس الأمن لاصدار قرار بوقف اطلاق النار في حلب، معتبرة أن كل من يعارضه مشارك في جرائم الحرب.
وكأنّ كلّ ما جرى ويجري طيلة السنوات الماضية، حتى اللحظة في سورية، مجرد نزهة أو رحلة استجمام. وإن انتصار الجيش في حلب الآن، هو جريمة حرب. أليس «الربيع العربي»، بحدّ ذاته، أفظع جرائم الحرب التي ارتكبت بحق السوريين؟ أليس التدخل التركي، السافر، في الأراضي السورية شمالاً، وقصف أميركا لمواقع الجيش السوري، في دير الزور، جرائم حرب؟ أليس ما تقوم به السعودية في اليمن، جرائم حرب يندى لها الجبين؟ أم أنّ احتلال الأوطان وانتهاك حرماتها لا يكون جريمة حرب، عندما يكون بحجة محاربة الإرهاب الكاذبة، التي أوهموا العالم بها ووحدهم صدقوها.
الميدان السوري يلتهب على الجبهات كافة والعين على حلب. فأميركا ومن يدور في فلكها، يدركون بأنّ حلب تلعب دوراً محورياً وهاماً في ساحة الصراع الدائر، بالنسبة لجميع الأطراف المتنازعة وإنّ انتصار الأسد فيها، سيجعله في موضع القوي معنوياً وسياسياً. وتحريرها، يعني سيطرة الحكومة على جميع المدن الكبرى في سورية. لذلك، سيفعلون ما بوسعهم لمنع تحريرها. وسيتعاونون، مع بعضهم البعض، في سبيل ذلك، أكثر من أيّ وقت مضى.
روسيا، أدركت أنه يستحيل على أميركا أن تقدّم أيّ تنازلات وليس لديها أيّ رغبة حقيقية بالتخلي عن حلفائها، أو التوقف عن دعم الفصائل الإرهابية، التي تقاتل نيابة عنها، داخل الأراضي السورية. هذا ما أفصح عنه قيادي في «جبهة النصرة» مؤخراً، يدعى «أبو العز»، في مقابلة له مع مجلة ألمانية، أكد فيها أنّ التسليح والدعم، من قبل واشنطن، لم يقتصر على المعدات الخفيفة وإنما الثقيلة، أيضاً.
المشهد ليس بجديد علينا ولم يفاجئنا، فهو حصيلة إجراء روتيني حربي تقوم به أميركا وحلفاؤها ضدنا، منذ البداية.
لذلك، ليس هناك أيّ جدوى في السعي الدائم لفتح أبواب الحلول السياسية، الموصدة بأقفال الغدر الأميركي الدائم. ولا بديل عن الحلّ العسكري، على الرغم من بعض التلميحات، عن بوارق أمل ميتة، لإعادة نبض الحياة إلى جثة الإتفاق الهامدة.
لذلك، قرّرت روسيا خوض حرب كبيرة لا هوادة فيها. وحشدت كلّ طاقاتها العسكرية، في حلب. وأعادت الزخم القوي لغاراتها الجوية على مواقع المسلحين، في الأحياء التي تقع تحت سيطرتهم، بوتيرة غير مسبوقة. وقامت بتغطية شاملة لقوات الجيش السوري، الذي ترجم هذا الزخم بتحقيق تقدّم كبير وتمكن من تحرير حي الفرافرة، شمال غرب قلعة حلب. هنا بدأ الغرب، كعادته، البكاء والعويل على الوضع الإنساني! واتهام روسيا بأنها تتبنى حلاً عسكرياً في حلب، على مبدأ «غروزني» القصف المكثف من الجو، تمهيداً لتقدّم القوات البرية على الأرض .
انتصارات الجيش السوري، الذي صار على مقربة من تحرير مدينة حلب، بالكامل، زادت من هستيريا وجنون واشنطن، فانتقلت من القلق والهلع والاتهام، إلى التهديد، على لسان وزير خارجيتها، جون كيري، بتعليق أيّ تعاون حول سورية مع موسكو، إذا لم تضع حداً للقصف في مدينة حلب. كما أطلق تصريحاً ملغماً، أشبه بتهديد مباشر لروسيا، حذر فيه من خطر قيام الإرهابيين باستهداف مدن ومصالح روسية.
مع العلم، أنه، على أرض الواقع، لا يوجد أيّ تعاون أميركي، حقيقي، يذكر، مع روسيا، في مواجهة الإرهاب. فلماذا التهديد بأمر ليس موجوداً أصلاً. إلا اذا كان كيري يقصد التعاون في تكلفة الحبر والورق، التي كتبت فيها بنود الاتفاق وتقاسم جهد اللقاءات والمجاملات وعناء السفر والتحليق من مؤتمر لآخر.
على ما يبدو، فإنّ كيري هو من يعيش في عالم آخر وليس لافروف. أو أنّ للفودكا الروسية مفعولا قويا، لا يزال كيري تحت تأثيرها، حتى هدّد بما هدّد، وتوعّد بما توعّد.
أميركا لم تتوقف عند اتهام روسيا بتطبيق استراتيجيتها القديمة في غروزني، فقط، بل هي، أيضاً، هدّدت بتزويد المعارضة المسلحة بصواريخ مضادّة للطائرات، محمولة على الكتف، بقصد استهداف الطائرات الروسية وتحييدها من الأجواء السورية. على مبدأ الحرب في أفغانستان، التي انتهت بانسحاب الاتحاد السوفياتي. وهذا أقصى ما يسعى إليه الفريق المتشدّد في الإدارة الأميركية، الذي يرى ضرورة اتباع سياسة أكثر تشدّداً في مواجهة موسكو. لكن مسؤولاً أميركياً آخر، وجد خطورة في ذلك، لأنه سيؤدّي إلى الصدام مباشرة مع فلاديمير بوتين، الذي سيقتلع أيّ خطر يمكن أن يهدّد أمن بلاده ومصالحها، من جذوره.
اليوم نشهد مرحلة حاسمة وخطيرة من عمر الأزمة السورية. وكلٍ يحاول أن يرمي ما لديه من أوراق في الميدان. ولا يزال المعسكر المعادي متمسكاً بتحقيق مشروعه الاستعماري في المنطقة، بالكامل. وسيقاتل لأجله في سورية، حتى الرمق الأخير، بعمليات استنزاف كبيرة، سواء للجيش السوري أو لروسيا. وسينتصر عليه المعسكر المقاوم، حتماً. فاليوم، جميع الاحتمالات واردة. ومن المتوقع حدوث مفاجآت كبيرة، ربما يكون أبرزها وأهمّها، زيارة الرئيس الأسد، قريباً، إلى حلب، بعد تحريرها، بالكامل، من براثن الإرهاب، على أيدي أبطال الجيش العربي السوري وبمساندة الحلفاء الروس وإيران وحزب الله وتحطيم أحلام وأوهام كلّ من حاول المساس بوحدة الأراضي السورية وتجرّأ على سيادتها.